حزب الإتحاد الديمقراطي وبداية النهاية

   محمد رشو

  حزب العمال الكوردستاني وأذرعه الكوردية:

لطالما عُرف حزب العمال الكوردستاني بقوته التنظيمية، و إلتزام أعضائه بالقرارات الحزبية، و الإيمان المطلق بالقيادة و بعدالة القضية التي يبذلون أرواحهم فداءً لها، فمنذ التأسيس عام 1978 واشتداد النضال المسلح في الثمانينيات وحتى إعتقال رئيس الحزب عبد الله أوجلان عام 1998، كان الحزب وحدة متماسكة ومن أقوى التنظيميات عالميا.

لكن بعد المؤامرة الدولية واعتقال أوجلان بدأت سلطة القيادة القنديلية تخف على العناصر الإيديولوجية التي اعتادت نمط محدد من القيادة، كما أن هذه القيادات كانت على إختلاف شديد فيما بينها، فشهد الحزب بعض الإنشقاقات في تلك الفترة لأول مرة في تاريخه.
لإحتواء هذه الإنشقاقات و تخفيف الأعباء على القيادة المركزية في قنديل قام الحزب عام 2003 بإنشاء تنظيم سياسي في سوريا أسماه حزب الإتحاد الديمقراطي، تبعه بتأسيس حزب  الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك) 2004 في ايران، وحزب السلام و الديمقراطية عام 2008 في تركيا، و كل الأحزاب السابقة تشترك في عدم الرغبة بالإنفصال و الإقتصار على الحقوق الثقافية و الإدارة الذاتية الديمقراطية.

   حزب الاتحاد الديمقراطي سورياً:
حزب الإتحاد الديمقراطي كذراع سورية لحزب العمال الكوردستاني كان متماسكا في بدايات التأسيس بالرغم من الملاحقات و الاعتقالات بحق المؤسسين و الأنصار من قبل النظام البعثي المتحالف آنذاك مع تركيا.

استمر هذا الوضع إلى أن قامت الثورة السورية المباركة و حصل ما لا يمكن توقعه، فحزب الإتحاد الديمقراطي دخل في حلف سري أعلن عنه لاحقا مع النظام، علماً أن هذا النظام هو نفسه المساهم الأكبر في اعتقال أوجلان و هو نفسه من ضيق على الحزب و نشاطه و اعتقل و عذّب أفراده منذ 2003 وحتى 2011.

فإنضوى حزب الاتحاد الديمقراطي مع هيئة المعارضة المشرعنة من قبل النظام و هي “هيئة التنسيق الوطنية” المعروفة بالشخصيات العروبية الشوفينية فيها، و تم تسليمه المناطق الكردية فيما يشبه الإدارة الذاتية ضمن عقود استلام و تسليم، بالإضافة إلى وعود بإعطاء الكورد الحقوق الثقافية، أي أن مطالب الحزب جميعها قيد التحقيق، ومن هناك كانت ردة فعله الدكتاتورية ضد باقي الأحزاب، فهو يعتبر أن ما حققه مكاسب شخصية لا يجوز لأحد أن يشاركه فيها أو حتى يشاركه في تحقيقها.

حيث لاحق المجموعات الكردية المسلحة واعتقل قاداتها، وضيق على الأحزاب الكردية ليضعها بين خيارين لا ثالث لهما إما أن يكونوا تحت سلطته كما فعلت عدة أحزاب منها الوحدة و التقدمي و اليسار الديمقراطي أو أنهم سيتعرضون للاعتقال و التضييق و الاغتيال كما حصل مع البارتي و آزادي.

 

  الخطأ القاتل:
من حيث لا يدري حزب الإتحاد الديمقراطي كان يدق الأسافين في نعشه، فهناك إختلاف جوهري بينه و بين الحزب الأم “حزب العمال الكردستاني” يكمن في نوعية الأعضاء، فمن المعروف القوة الإيديولوجية لعناصر حزب العمال، بينما وبسبب تسارع الأحداث و رغبة حزب الاتحاد أن يسيطر على الامور في أسرع وقت، قام بإنشاء مجموعات مسلحة من العناصر المحلية الغير مؤهلة ذهنيا وعسكريا ولا حتى إيديولوجيا.

لعبت هذه المجموعات دورا قويا في فرض سلطة حزب الاتحاد في بداية الأمر، إلى ان إنقلب السحر على الساحر، فمن كان سبب قوة الحزب سيكون الآن سبب تدمير الحزب.

بسبب عدم الكفاءة الواضحة لدى هذه العناصر حصلت العديد من التجاوزات، فتم قمع المظاهرات و ضرب و اعتقال الناشطين و إقامة الحواجز كمظهر من مظاهر فرض السلطة و إدراتها من قبل أميين كما حدث في قرى عفرين و قامشلو، الانتشار الفوضوي للسلاح، ومحاولة كسب بعض المكتسبات الفردية عن طريق التشليح و الترهيب باسم الحزب.

 
هذه الممارسات خلقت ردة فعل سلبية تجاه نشاط الحزب بالأخص من قبل الفئات المثقفة والواعية من مجتمعنا الكردي ومن قبل المجتمع الحزبي الذي كان في مهمة التوثيق و التنديد وضبط النفس فقط دونما أي استفادة أو استثمار سياسي لخطأ حزب الاتحاد الديمقراطي القاتل.

  القاعدة و القيادة استراتيجيتان مختلفتان
ضعف القيادة الواضح سياسيا وإداريا وتشتتها ما بين عدة أشخاص وواجهات وعناصر ارتباط مع قنديل وعدم القدرة على استيعاب توسّع القاعدة الشعبية بعد رفع الحظر من قبل النظام بالاضافة إلى تنوع المصادر المؤثرة على قرار هذه القيادة ما بين قيادة مركزية في قنديل و تحالفات سرية مع السليمانية وأوامر مباشرة من النظام، أدى إلى تورّط الحزب و غوصه أكثر و أكثر في المستنقع الذي وضع نفسه فيه، فعقد عدة تحالفات و اتفاقيات مشبوهة تم فضحها في آنها وبعضها فُضح لاحقا.

مثل هذه التحالفات من العَصِي على القاعدة الجماهيرية الحديثة –بعد شرعنة الحزب بعثياً- أن تستوعبها، الأمر الذي شكّل شرخاَ عميقاً بين القاعدة و القيادة، ما إنعكس فلتاناً تنظيمياً و أفعالاً همجية في عفرين و كوباني وعامودا و قامشلو وديرك بمبادرات ذاتية من الشباب الأمّي الذي تم تسليمه السلاح بناءً على كرهه للأحزاب فقط دون وجود أي ايمان ايديولوجي أو وازع أخلاقي.

أكبر دليل على الفلتان التنظيمي هو عدم قدرة القيادة على إحتواء الأحداث المتسارعة على الأرض حتى الآن، و تشتت التصريحات ما بين القيادات الميدانية والأبواق و المسؤولين الحزبين، بالاضافة إلى استمرار التصعيد الميداني من قبل العناصر الغير منضبطة المدججة بالسلاح.

هذه الأمور أدت إلى نفور من قبل بعض القيادات والمنظرين والمثقفين “الآبوجيين” من هذه الأحداث و نقدها بأشد العبارات، والتنديد و طلب المحاسبة وإعادة دراسة الواقع، علما أن هؤلاء النخب لطالما عرفوا بقوة تبريراتهم لأفعال الPYD و ال YPG.

   نهاية محتمة:
قد لا تكون الأحزاب الأخرى قادرة على إنهاء أو تعديل مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي لأسباب عدة منها عدم الرغبة بتسليحها و اقتصار عملها على الثقافي بالإضافة إلى عدم وجود الخبرة اللازمة أو القيادة العسكرية القادرة على إدارتها في حال قررت رفع السلاح، والتجارب الفاشلة التي أنتهت على أيدي لجان حماية الشعب في ظل تهرّب الأحزاب من الاقرار بمسؤوليتها أو اشرافها على بعض الكتائب المسلحة، أما السبب الرئيسي في عدم قدرة الأحزاب المناهضة لحزب الاتحاد الديمقراطي على فرض نفسها هو الخوف، الخوف على المكستبات الشخصية، الخوف على الحياة، الخوف من المبادرة و تفضيل البقاء في ظل الأحداث، الخوف من الفشل.

 
في ظل واقع ضعيف خائف للأحزاب اللاآبوجية، كان من حسن حظهم هذه الفوضى التنظيمية التي بدأت بنهش جسم الاتحاد الديمقراطي من الداخل، و التي ستكون بلا شك السبب الرئيسي في سقوط هذا الحزب تنظيميا بعد أن سقط شعبيا و فكريا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…