جوان يوسف
الصراع في سوريا أخذ منحى سلحفاتيا مؤلما، يكاد لا يرى المرء أية تحولات ذات معنى على مدار أكثر من 28 شهرا، لكن الواقع يشي بغير ذلك، فرغم البطء حدثت تغيرات عميقة في المجتمع السوري، وكل شيء تغير على مدى السنتين والنصف لكن بإيقاع مخيف ومرعب، طبيعة الصراع بين المعارضة والسلطة، العلاقات بين المكونات الدينية والقومية وبالأخص العلاقة الطائفية، حركية المجتمع المدني وديناميكيته، طبيعة النظام، وأخيرا الاستقطابات الدينية والقومية.
بينما كانت معركة السلطة والمعارضة في بداية الثورة تركزت على سحب الشرعية السياسية واحتكار إرادة الشارع من كلا الطرفين، لم تعد هذه الشرعية ذات معنى أمام الحالة الانقلابية للشعار السياسي من قبل السلطة التي لم تجد في الحراك المدني غير الإرهاب ولا بد من استئصاله، الأسد يا من حرق البلد، ولا من قبل المعارضة التي لم تجد في النظام إلا احتلالا يجب طرده بكل مرتكزاته على غرار حروب الاستقلال، مما جعل حدود التحرك محكومة بمنظار وحيد وهو النفي والنفي المضاد دون أن يترك أي طرف خيارا للطرف الآخر.
بينما حدود العلاقة الدينية/ الطائفية كانت مستقرة ظاهريا على مدى عقود، انفجرت بصورة أقرب إلى الفجائية الدرامية، وانهار التصالح الهش بين المكونات الدينية والطائفية التي نظمتها نصوص قانونية ودستورية ورسختها القوة الخفية المرعبة التي كانت تمتلكها الدولة ومؤسساتها السلطوية، إلى حالة مرعبة من الإقصائية تنطوي على الكثير من العنف، وبرز خطاب طائفي من كلا الطرفين، وضع المجتمع ككل في المواجهة السافرة، وربما الأهم في ذلك كله دخول الطائفية في الجدل السياسي وعودة الدين ليأخذ مكانا في التصورات السياسية لمستقبل سوريا، وربما من المفيد هنا أن نشير إلى نمو الخطاب الطائفي في أوساط المعارضة بوضوح أكثر، وخصوصا في المجموعات العسكرية، أما التوسع المطرد للخطاب الإسلامي، وإن كنا نفهمه في سياق الدمار الهائل والقتل اليومي، فإننا نعتقد أنه تحول خطير يشي بغلبة الوعي الطائفي على مسار الثورة، وهذا ما يفسر دعوات تطبيق الشرعية الإسلامية في بعض المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإسلامية المتطرفة.
مقابل هذا الإفراط في القوة من قبل السلطة، تقدمت الديناميكية الاجتماعية، وأعطت أشكالا من المرونة لم تكن متوقعة في ما مضى، بجودتها وحيويتها، فقد برزت شبكة من الدفاعات الاجتماعية النشطة والشجاعة، وأسست بسرعة ركائز عمل مدنية لم تكن المعارضة نفسها تتخيلها، من شبكات المساعدة والحماية والتضامن الاجتماعي، وساهمت بقوة في إبقاء أسوأ أشكال العنف تحت السيطرة حتى الآن، وهو ما يبعث قليلا من الأمل في نفوس المراهنين على ديناميكية المجتمع المدني.
من المؤكد أن هذه الديناميكية ستشهد مزيدا من التحدي أمام إصرار النظام في المزيد من التوغل في العنف، وأمام زحف الأصولية على كثير من الجبهات وإصرارها على استئصال كامل النظام، بل وطائفته التي باتت هدفا مشروعا لها، إلا أن هذه الديناميكية الاجتماعية تبقى أملا خافتا يحتاج إلى الدعم والمثابرة من القوة السياسية والمدنية كي تحافظ على ديمومتها.
ويبدو أن هناك علاقة عضوية بين اشتداد الصراع والانتماء إلى الهويات الأولية، فالانتماء إلى الطائفة العلوية بدأ يأخذ منحى صريحا في الصراع، على الرغم من أنها لم تعبر يوما في خارطة الانتماءات السورية عن هوية دينية، بل شبكة من الامتيازات والمصالح وفرتها طبيعة النظام سابقا وطبيعة الصراع حاليا الذي اتخذ منحا طائفيا تصعيديا.
وفي ذات السياق علو وتيرة الخطاب العنفي والطائفي ودعوات الدمج القسري للهويات المحلية أو الدعوات الإقصائية لها، تدفع الجماعات للبحث عن حواضن، كانت مضمرة سابقا، قد تكون دينية أو طائفية أو قومية وتأخذ امتدادها خارج الحدود الوطنية بتزايد حدة الصراع.
من المؤكد أن النظام لن يغير من سلوكه ولا استراتيجيته لأنه يدافع عن وجودة الأقلوي، لذا يبقى العبء الأكبر على عاتق المعارضة التي تعتبر نفسها الأكثرية سواء بالمعنى الديني/ الطائفي أو بالمعنى السياسي، للقيام بعمل أسطوري لتخفيف ظواهر العنف الانتقامي، مترافقة مع إعادة النظر في خطابها الاستئصالي، ودعواتها لإسقاط النظام وكل مرتكزاته وإعادة صياغة خطابها بما ينسجم مع التعدد القومي والديني والإثني، وتقديم ضمانات سياسية واجتماعية للطائفة العلوية أولا، وللكرد ثانيا، وثالثا للمسيحيين، ولا يكفي القول بشعارات وحدة سوريا أرضا وشعبا، لأنها تكاد تكون صارت في مهب الريح، سوريا اليوم داخل نفق حرب أهلية قد تمتد لسنوات طويلة، والشعارات التي ترددها المعارضة فقدت رونقها ووظيفتها.
بينما حدود العلاقة الدينية/ الطائفية كانت مستقرة ظاهريا على مدى عقود، انفجرت بصورة أقرب إلى الفجائية الدرامية، وانهار التصالح الهش بين المكونات الدينية والطائفية التي نظمتها نصوص قانونية ودستورية ورسختها القوة الخفية المرعبة التي كانت تمتلكها الدولة ومؤسساتها السلطوية، إلى حالة مرعبة من الإقصائية تنطوي على الكثير من العنف، وبرز خطاب طائفي من كلا الطرفين، وضع المجتمع ككل في المواجهة السافرة، وربما الأهم في ذلك كله دخول الطائفية في الجدل السياسي وعودة الدين ليأخذ مكانا في التصورات السياسية لمستقبل سوريا، وربما من المفيد هنا أن نشير إلى نمو الخطاب الطائفي في أوساط المعارضة بوضوح أكثر، وخصوصا في المجموعات العسكرية، أما التوسع المطرد للخطاب الإسلامي، وإن كنا نفهمه في سياق الدمار الهائل والقتل اليومي، فإننا نعتقد أنه تحول خطير يشي بغلبة الوعي الطائفي على مسار الثورة، وهذا ما يفسر دعوات تطبيق الشرعية الإسلامية في بعض المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإسلامية المتطرفة.
مقابل هذا الإفراط في القوة من قبل السلطة، تقدمت الديناميكية الاجتماعية، وأعطت أشكالا من المرونة لم تكن متوقعة في ما مضى، بجودتها وحيويتها، فقد برزت شبكة من الدفاعات الاجتماعية النشطة والشجاعة، وأسست بسرعة ركائز عمل مدنية لم تكن المعارضة نفسها تتخيلها، من شبكات المساعدة والحماية والتضامن الاجتماعي، وساهمت بقوة في إبقاء أسوأ أشكال العنف تحت السيطرة حتى الآن، وهو ما يبعث قليلا من الأمل في نفوس المراهنين على ديناميكية المجتمع المدني.
من المؤكد أن هذه الديناميكية ستشهد مزيدا من التحدي أمام إصرار النظام في المزيد من التوغل في العنف، وأمام زحف الأصولية على كثير من الجبهات وإصرارها على استئصال كامل النظام، بل وطائفته التي باتت هدفا مشروعا لها، إلا أن هذه الديناميكية الاجتماعية تبقى أملا خافتا يحتاج إلى الدعم والمثابرة من القوة السياسية والمدنية كي تحافظ على ديمومتها.
ويبدو أن هناك علاقة عضوية بين اشتداد الصراع والانتماء إلى الهويات الأولية، فالانتماء إلى الطائفة العلوية بدأ يأخذ منحى صريحا في الصراع، على الرغم من أنها لم تعبر يوما في خارطة الانتماءات السورية عن هوية دينية، بل شبكة من الامتيازات والمصالح وفرتها طبيعة النظام سابقا وطبيعة الصراع حاليا الذي اتخذ منحا طائفيا تصعيديا.
وفي ذات السياق علو وتيرة الخطاب العنفي والطائفي ودعوات الدمج القسري للهويات المحلية أو الدعوات الإقصائية لها، تدفع الجماعات للبحث عن حواضن، كانت مضمرة سابقا، قد تكون دينية أو طائفية أو قومية وتأخذ امتدادها خارج الحدود الوطنية بتزايد حدة الصراع.
من المؤكد أن النظام لن يغير من سلوكه ولا استراتيجيته لأنه يدافع عن وجودة الأقلوي، لذا يبقى العبء الأكبر على عاتق المعارضة التي تعتبر نفسها الأكثرية سواء بالمعنى الديني/ الطائفي أو بالمعنى السياسي، للقيام بعمل أسطوري لتخفيف ظواهر العنف الانتقامي، مترافقة مع إعادة النظر في خطابها الاستئصالي، ودعواتها لإسقاط النظام وكل مرتكزاته وإعادة صياغة خطابها بما ينسجم مع التعدد القومي والديني والإثني، وتقديم ضمانات سياسية واجتماعية للطائفة العلوية أولا، وللكرد ثانيا، وثالثا للمسيحيين، ولا يكفي القول بشعارات وحدة سوريا أرضا وشعبا، لأنها تكاد تكون صارت في مهب الريح، سوريا اليوم داخل نفق حرب أهلية قد تمتد لسنوات طويلة، والشعارات التي ترددها المعارضة فقدت رونقها ووظيفتها.
* كاتب سوري