المحمودكية و العتمانكية في الذهنية الكردية

  علي علي

ليس بخافٍ على أحد مدى بشاعة القمع الممنهج الذي مارسه النظام على مدى عقود، و فضلاً عن ذلك فإنه احتكر كافة مجالات الحياة السياسية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، و ترك حيزاً ضيقاً في بعض المجالات ” لتتصارع ” فيه كل الفعاليات المجتمعية فبات الحصول على فرصة عمل أو وظيفة تستند إلى الولاءات و المحسوبيات بدلاً من الكفاءات المهنية و العلمية، و أصبح ممارسة حق من حقوق الإنسان الطبيعية لا بد أن يكون على حساب حرمان آخرين منه مما أدى إلى ازدياد الأنانية، و الانتهازية – الوصولية، و انتشار ظاهرة الكسب الغير مشروع، و ساهم في تعويم الفساد و نشر ثقافة الإفساد.

ذلك كله سبب اختلالاً في مفهوم المواطنة لدى غالبية الجماهير و غيبهم عن الاهتمام بالشأن العام و بالتالي اللامبالاة بمصير الشعب و الوطن فأصبح الناس غير عابئين بمصير البلد، و ما يتعرض له الآخرون من بني جلدتهم من إجحاف، أو ظلم و اضطهاد.
فيما يخص الجانب الكردي فقد اعتمدت السلطات السورية منذ ستينيات القرن الماضي اسلوباً خاصاً للتعامل مع الكرد يهدف إلى إعاقة تطور المجتمع الكردي و تشتيت شمله، و تشويه بنيته من جهة، و عزل الشعب الكردي عن محيطه الوطني لحشره في قوقعة ضيقة من جهة ثانية، فعمد لممارسة أنواع و مستويات عديدة من الاضطهاد، و العقاب الفردي و الجماعي بحقه برز ذلك في حرمانه من أبسط حقوقه القومية و الإنسانية، إصدار العديد من القوانين و المراسيم و الإجراءات التي استهدفت الكرد أرضاً و شعباً، و التعامل مع الشأن الكردي برمته و كل ما يتعلق بالكرد باعتبارات أمنية بحته، و اعتباره شأناً يمس بالسيادة الوطنية، و يهدد أمنه و وحدته لذلك ربط كل ما يخص الحياة الاجتماعية و الحاجات اليومية بموافقات أمنية لا حصر لها، فباتت حالات الزواج و الولادة و تسمية المواليد الجديدة، الدراسة في المدارس و المعاهد و الجامعات مسائل أمنية يقتضي التدقيق فيها.


هذه الممارسات العنصرية وجدت قبولاً بل حاضنةً شعبية – لأسباب كثيرة – لدى الكثير من أطياف المجتمع السوري، و لم تلق التنديد أو الاستنكار سوى من قلة قليلة من الذين يتمتعون بقيم أخلاقية عالية، أو يمتلكون حساً وطنياً راقياً، فجعلت الحياة نفسها عبئاً ثقيلاً على الكثير من الفئات في المجتمع الكردي، و أثرت في نفسية الإنسان الكردي، و سيكولوجيته التي أثرت بدورها على حركته السياسية، و غالبية الحراك السياسي – الثقافي، و المجتمعي فكرست ثقافة التشرذم و التناحر التي تميز بها المجتمع الكردي سواءً في عهده القبلي أو عهده الراهن و ما الصراعات ( المحمودكية و العتمانكية ) الشهيرة في التاريخ الكردي إلا خير مثال على تلك الثقافة، كذلك التناحر بين التكتلات الكردية في عهود الأمراء، و في الثورات الكردية قديماً و حديثاً، أو سلوكيات التكتل التي خلفت التقسيم و التشتيت في الأحزاب الكردية حتى بلغت حداً لا يتقبله أي منطق.


في خضم الثورة السورية التي استطاع النظام أن يسيرها حسب مشيئته، و لدرايته بكوامن السيكولوجية الكردية يبدو أنه ( أي النظام ) تمكن من تمرير ألاعيبه على بعض ” السياسيين و قادة الأحزاب الكردية ” للإيقاع بالكرد في شباك أجنداته بنفس الخصوصية التي تميز بها تعامله مع القضية الكردية على مدى سنين، فتمكن إلى حد كبير من عزل الحراك الكردي عن الحراك السوري العام من جهة، و ذرع بذور الفتنة و الاقتتال في المناطق الكردية سواءً بين الكرد أنفسهم، أو بين الكرد و المتعايشين معهم من جهة ثانية مستنداً في ذلك على شبكة علاقاته الدولية و الإقليمية التي تسير بعض الجهات السورية و الكردية أيضاً في فلكها، و من الأنانية التي ذرعها في المجتمع السوري عامةً و تناقضاته، فبعد المحاولات الحثيثة من قبل بعض الغيورين على القضية الكردية للم الشمل الكردي متجاوزين إرث الماضي الثقيل بجانبه السلبي و التي أسفرت عن تأسيس المجلسين الكرديين، و الهيئة الكردية العليا التي لا يمكننا الادعاء بأنها الحالة الأمثل، كذلك لا يمكننا تجاهل الظروف التي أحاطت بولادتها، أو العقبات التي تعترض طريقها، أو الأخطاء التي تعتري مسارها.

يبدو أن العقلية ( المحمودكية و العتمانكية ) التي لا تزال تحكم سلوكيات البعض في الواقع الكردي تسعى للانقضاض على هذا الإنجاز فقط لأنه لا يشبع غرائزهم، فهم ينظرون إلى أي عمل كردي بمنظار مصالحهم الأنانية الخاصة، و يبررون ممارساتهم بإبراز الجوانب السلبية من كل عمل مشترك، أو ممارسات هي من وحي النظام و تدبيره بقصد الإيقاع بين الكرد و إلهائهم لحين التفرغ – إن استطاع – من خصومه الأكثر تهديداً لكيانه، أو التركيز على التناقضات الهامشية التي يمكن تأجيلها لصالح توجيه الأنظار نحو التناقص الأساسي مع المنظومة المعادية لتطلعات الكرد و حقوقهم المشروعة.

 
إن طبول الحرب باتت تقرع في المناطق الكردية و بيد البعض ممن يدعون أن حنكتهم السياسية جنبت هذه المناطق ويلات الحرب و الدمار حتى الآن، فمن غير المقبول أن يتم التعامل مع شأن داخلي كردي بطريقة تعامل السلطة مع الشعب أو طريقة اعتراض الشعب على ممارساتها.

علينا قبول الواقع الكردي على علاته، و السعي لحل المشاكل بالحوار و التفاهم على مبدأ التنازلات المتبادلة لأن عدم تقديم التنازلات لبعضنا البعض يستجلب الكوارث علينا جميعاً، و حينها لن يكون هناك من رابح، فليس أمام الكرد خيارات عديدة في هذه الظروف العصيبة التي يتهدد فيها وجوده على أكثر من صعيد، و يتم معاداتهم و استهدافهم من أكثر من جهة، علينا التنبه لمحاولات جر الكرد إلى معارك لا تخدم قضيتهم مثلما تم جر السوريين إليها و بيد إخوانهم في القومية و الدين، أو ممن أدعوا أنهم أصدقاء الشعب السوري، و إنهم حريصون على مصلحة الشعب السوري و دماء أبناءه، علينا ألا نرهن إرادتنا لقرارات الآخرين و مصالحهم – أياً كانوا هؤلاء الآخرين – مثلما ارتهنت إرادة الكثير من السوريين.

إنها صفارات إنذار لكل الغيورين للوقوف بحزم في وجه هذه المحاولات فإن أضخم الحرائق تبدأ من أصغر الشرر.
……………………………………………….
علي علي ( دلدار قامشلوكي )

   18/10/2013م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…