هل قرأتَ المقال جيداً؟ إلى الزميل طارق حمو

حيدر عمر
 

النصوص الأدبية، سواء كانت، مقالة أم مسرحية أم قصة أم قصيدة بالأخص، تحتمل تعدد القراءات، و في هذه التعددية يكمن جانب من قيمتها الفكرية و الإبداعية، أما الجانب الآخر من هذه القيمة، فيكمن في بنائها الفني.

و لهذا يتلقاها النقاد، كل واحد منهم، من وجهة نظر المنهج النقدي الذي يؤمن بفلسفته، و بذلك يزداد مقدار الإضاءة الملقاة على هذا النص، مما يجعل محيط إفادته الفكرية أكثر اتساعاً، و قراءتها أكثر إمتاعاً، لِما فيها من بيان يتكئ على المجاز اللغوي و التصوير الفني الذي يحمل القارئ إلى فضاءات من التخيُّل الممتع، لأن هذه النصوص تتوخى الامتاع و الإفادة في آن.
أما ما يُكتَب بالأسلوب العلمي، و المقالة السياسية إحدى تجلياته، فيتسم بالوضوح و الابتعاد، قدر الإمكان، عن ولوج أوجه المجاز، و الاقتراب، ما أمكن، من الواقع، فيكون المنتوج الكتابي أقرب إلى الفهم، و أبعد ما يكون عن الخيال الذي يفتح الأبواب أمام التأويل الذي قد يصيب و قد لا يصيب، لأن غاية هذا النوع من الأسلوب هي الإفادة فقط دون الإمتاع.


كان هذا التمهيد ضرورة لا بد منها لأناقش الزميل الأستاذ طارق حمو في مقالته الموسومة بـ(إلى الأستاذ حيدر عمر)، المنشورة تحت الرابط:
 http://www.pydrojava.net/ar/index.php/relg/637-2013-10-17-12-14-25
يُعَقِّب الزميل  طارق حمو في مقالته هذه على مقالة لي تحت عنوان (ثقافة التملق) منشورة في بعض المواقع الالكترونية، و منها الرابط أدناه:    http://www.welati.info/nuce.php?ziman=ar&id=10585&niviskar=326&cure=1&kijan=
كانت مقالتي بمناسبة استشهاد شرفان، أحد عناصر وحدات حماية الشعب و ابن السيد صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي في غرب كردستان،و فيها عبَّرت عن تقديري و احترامي للشهداء قاطبة، و أكثر من ذلك عبرت عن انحنائي إجلالاً لشهداء الكرد، سواء كانوا من عناصر وحدات حماية الشعب، و شرفان منهم، أو من المدنيين، دون أن أفاضل بينهم، أو أميِّز أحدهم عن غيره.

ثم عرجت على مواقف المعزين للسيد صالح مسلم، و مهدت لذلك بالإشارة إلى أن الكُتَّاب و الأدباء الكرد ” لم يتفاعلوا مع الدم الكردي المراق على مدى عامين و نصف العام باستثناء قلة قليلة لم تتجاوز أصابع اليد الواحدة”.

و ذهبت إلى أن برقيات و بوستات العزاء انهالت على السيد صالح مسلم ” يواسيه أصحابها و يشاركونه في مصابه، و لم يقتصر هذا الأمر على الساسة من قادة الأحزاب الكردية و المنظمات السياسية الذين يُعتبر واجب العزاء، في هذه الحال، من أولوياتهم مهما كانوا مختلفين معه في الرؤى و الأفكار، باعتبار السيد صالح مسلم زميلاً لهم”.
أعتقد أن هذا الكلام بعيد جداً عن غموض المجاز اللغوي، و واضح جداً أيضاً، و لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل، إذ من الجليِّ أنني أصنف فيه المعزين إلى فئتين: إحداهما فئة الكتاب و الأدباء و الأخرى هي فئة السياسيين، وواضح أن هذه الفئة تشمل الرئيس مسعود بارزاني و أحمد ترك مع زملائه البرلمانيين، و الساسة عموماً، رأيت أن العزاء واجب عليهم، كما هو مبين في المقبوس أعلاه من مقالتي.


إذن، هل أُشكِلت عملية فهم مقالتي على زميلنا طارق حمو، فاتهمني بأنني اتهمت السادة رئيس اقليم كردستان الجنوبية و أحمد ترك و زملاءه البرلمانيين و كافة السياسيين ممن عزَّوا السيد صالح مسلم بالتملُّق له؟ إذ يقول في مقالته الموسومة أعلاه: “و أسجل هنا أن الوصف القاسي الذي استخدمه عمر سينطبق على مسعود البرزاني رئيس اقليم كردستان الحنوبية و أحمد ترك و رفاقه البرلمانيين و عشرات الساسة الآخرين كونهم عزَّوا صالح مسلم في ولده الشهيد”.

 هل كان كلامي غامضاً إلى درجة عجز   طارق حمو عن فهمه؟  لا أعتقد ذلك، لأن الكلام واضح جداً في استثنائه رجال السياسة عمن وصفتهم  بالمتملِّقين، و لأن الزميل  طارق حمو يمتلك مقدرة لغوية جيدة، لا تخونه في مثل هذا الموقف.

و لهذا أعيد تأويله الخاطئ إلى أحد سببين، و ليس كليهما مجتمِعَيْن:
الأول: هو أن الزميل طارق حمو لم يقرأ مقالتي جيداً، و إنما مرَّ عليها مروراً سريعاً.

و السبب الثاني هو أن الزميل أراد أن ينال من قناتي لغاية ما.


أستبعد السبب الثاني، لأنني أعرف جيداً أنْ ليس بيننا إلا كل ما هو مبني على الود و الاحترام المتبادل.

و من هنا أدعوه إلى قراءة المقالة جيداً، وهي قراءة أراها كفيلة بأن تدفعه إلى إزالة تلك التهمة عني.
إن تلك القراءة السريعة دفعت زميلنا إلى اتهامي بتهمتين أخريين من العيار الثقيل، هما الوصاية و التخوين ، و كانتا مؤلمتين حقاً، و خاصة التهمة الثانية، إذ قال: “مكتوب الأستاذ حيدر عمر فيه نوع من الوصاية و التخوين”، و جميل منه، أنه أردف معلِّلاً: ” الوصاية: لأنه يطالب الآخرين بعدم الاحتفاء بشرفان.

و التخوين: لأنه يصف مَن يحتفي بشرفان بـ(التملُّق).
أما الوصاية، فربما زميلنا طارق حمو يعرف قبل غيره أنني العبد الفقير لا أملك من أدوات الوصاية شيئاً، فالوصاية تقتضي شيئاً من القوة من أي نوع كانت، تجعل المُوَصّى عليه يغير قناعاته، أو في أضعف الأحوال، يتظاهر بتغيير قناعاته.

و أنا لا أملك هذه القوة، و من ثَّمَّ طالبت الآخرين من الكتاب و الأدباء ألا يوازنوا بين الشهداء الكرد، و يفضلوا أحدهم على غيره.


و أما التخوين، و هي التهمة التي آلمتني كثيراً، فإنني لم أخَوِّن أحداً، و لم أطالب أحداً بألا يحتفي بالشهيد شرفان، بل أشرت إلى الأمر دون مواربة، فميَّزت في فئة المعزين من الكتاب و الأدباء بين طائفتين، يعلم زميلنا قبل غيره، أن أقلام إحاها، دون أن أسمي أحداً بالأسم،ولكن الزميل يعرفهم،  كانت قد صَدِئت، و أزال استشهاد شرفان عنها الصدأ، فكان هذا مبعث تساؤلي، و أما الطائفة الثانية، و هي التي قلت عنها إنها قلة قليلة جداً، فقد قرأت لبعضهم، و تتبَّعت قلب أحدهم، من خلال بعض مقالاته باللغة الكردية، متنقلاً بين الأمكنة التي روى الشهداء تربتها بدمائهم، و افتقدته في عامودا، فهل في هذا شيئ من الوصاية و التخوين؟!
أما عن تقصيري في الكتابة عن الشهداء ممن سبق شرفان و تعزية أوليائهم، فقد أشرت في مقالتي إلى هذا الأمر بوضوح إذ قلت: “لا أعزِّي صالح مسلم وحده، بل أعزي كل الأمهات و الآباء الذين ضحى أبناؤهم و استشهدوا، و لا أميِّز بين هذا الشهيد و ذاك”.

وقد تقاطع هنا موقفي مع موقف الزميل طارق حمو، و قبله مع موقف السيد صالح مسلم في عدم تمييز استشهاد ولده عن استشهاد رفاقه و رفيقاته.
إن أكثر ما يجعلني شبه متأكد من أن الزميل طارق لم يقرأ مقالتي جيداً هو أنه يكرر الفكرة التي أوردتها في مقالتي و إنْ بكلمات أخرى، فيقول: ” كان صالح مسلم هنا هو الظاهرة الجديدة”.

سبحان الله! هل قرأتَ يا زميلي ما قلتُه بالحرف؟ أعيد كتابته لك، فقد سبقتك في تمييز صالح مسلم في هذا المقام إذ قلت: “و إذا كانت الحال تدعوني إلى التمييز، فإنني لا أميِّز الشهيد شرفان، و لا أتغنى باستشهاده ناسياً غيره من الشهداء،(لاحظ جمعي بين شرفان و رفاقه من الشهداء) بل أميِّز السيد صالح مسلم ليس كأب، لأن ثمة آباء آخرين سبق أبناؤهم ابنه في الشهادة، فاتتني كما فاتت غيري تعزيتهم، (و هذا ما أشار إليه صالح مسلم بنفسه في رسالته إلى الشعب الكردي عبر فضائية روناهي)،  أميِّزه عن غيره كرئيس حزب  دفع ابنه نحو الاستشهاد، و هو فعل لم يسبقه فيه أحد من رؤساء و قادة الأحزاب الكردية في غرب كردستان“.

هل أتيتَ فيما ذهبتَ إليه، في هذه النقطة، بما يزيد على ما قلتُه ياصديقي؟
يختتم زميلنا و صديقنا طارق حمو مقالته بإيراد نقطة أخرى يجعلها مأخذاً علىَّ، فيجعلني، بناء عليها، أحد تلاميذ مدرسة ثقافة التملُّق، فيكتب لا مستفهماً، بل متأكداً إذ يقول: “أسأل حيدر عمر: هل كنتَ ستكتب هذه المقالة لو كان ولد رئيس حزبك هو مَن استشهد في ميادين المقاومة، أم كنتَ ستكتب فيه مقالة رثاء و قصيدة أيضاً، و تنسى أن هذا النوع و العزاء هو من ثقافة التملُّق؟
علاوة على أن الزميل طارق يتهمني بالتملُّق على فعل يفترضه هو، و لم أفعله ، فإن هذا يذكِّرني بما كان يراود خيال البعثيين و رجال الأمن، إذ كانوا ينظرون إلى الكردي غير البعثي، بأنه منتمٍ إلى أحد الأحزاب الكردية، فلم يكن،في رأيهم، ثمة كردي مستقل تنظيمياً.

و كنت أعتبر هذه النظرة نوعاً من المرض النفسي الذي يجعل ضحيته شكّاكة أبداً، أرجو و أتمنى أن يكون الزميل طارق بريئاً منها، و أن يكون احتسابه لي، على حزب كردي ما، زلَّةً ليس إلا.
أنا يا صديقي لست منتمياً إلى أي حزب،و ليس من حقك أن تُحَزِّبني لمجرد اختلافنا في وجهة نظر ما، و هذا ليس قدحاً للأحزاب الكردية أو ترفعاً عليها، بقدر ما هو موقع، أراقب منه هذه الأحزاب، و أقيِّم أعمالها من وجهة نظري التي قد تخطئ و قد تصيب، ولكنها لا تسيئ قط إليها، و خاصة الفاعلة منها.

و هذا موقف لا أتردد فيه في الإشارة إلى الأخطاء إن وُجِدت، و هو الموقف نفسه الذي دفعني إلى مواجهة أمين عام أحد الأحزاب في إحدى ندواته قبل ما يقرب من عقدين بالقول الصريح،  إذ اعترف الرجل بأن صِغر حجم حزبهم يحول دون العمل و النضال كما يجب ، فقلت له آنذاك، و لا أزال أقول لكل حزب يعجز عن النضال: حُلَّ نفسك، أو انضم إلى حزب آخر تراه قريبا من قناعاتك و برنامجك السياسي، وجودك هكذا لا يعيق العمل الكردي فحسب، بل يسيئ إليه.

أعتقد أن الزميل طارق يعرف هذه الأحزاب التي يحاول بعضها الآن  أن تخبِّئ عجزها تحت عباءة فاعلية حزب الاتحاد الديمقراطي.
و رغم أني أعرف أن الحقيقة جارحة أبداً، أرجو ألا تكون الإشارة إليها هنا جارحة لأحد.

هذا كان موقفي قبل ما يقرب من عقدين أو يزيد، فما بالك اليوم، و قد تخطيت الكثير من سنيِّ العمر، و لم يبق لي في الحياة ما يستحق التملُّق من أجله؟.


هل مازال في هذا التوضيح وفي مقالتي السابقة ما هو غير واضح، و يحتمل تأويلات متعددة؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…