كردستان العراق: كيف السبيل الى ديمقراطية حقيقية ؟

زيور العمر *

توجه الناخبون في إقليم كردستان العراق في 21-9-2013، للمرة الرابعة، منذ مايو (أيار) 1992، إلى صناديق الإقتراع, وذلك بهدف إنتخاب ممثليهم في «برلمان إقليم كردستان».

و رغم أن الانتخابات في الإقليم، كانت في كل مرة، تُجرى في ظروف و أجواء مختلفة، إلا أن طموح الكرد و سعيهم، عموماً، لترسيخ تجربة ديمقراطية حقيقية في أحد أجزاء وطنهم التاريخي، كردستان العراق، كانت تصطدم بجملة من التحديات والإستحقاقات التاريخية، أهمها تجاوز سطوة و هيمنة الأحزاب التاريخية، التقليدية، على مقاليد السلطة، و النفوذ، و الثروة في الإقليم، لصالح بناء مؤسسات وطنية ديمقراطية راسخة ومستدامة، لا ترضخ لإرادة و عقلية و سطوة العشيرة أو الحزب، و السؤال بعد تجربة ما يقرب من عقدين من الإدارة الذاتية: هل ديمقراطية كردستان العراق حقيقة أم وهم؟
من واقع تجربة الإدارة الذاتية في الإقليم، و التي تجاوزت العقدين من الزمن، و في ضوء التجارب و الخبرات البشرية التي تراكمت لدى أبناءه، يبدو للمراقب و المتابع عن كثب لتجربة الإقليم، أن قيادتها، المتمثلة في تحالف الحزبين، الديمقراطي و الإتحاد الوطني، الكردستانيين، عجزت عن الإيفاء بوعودها، في ضمان سير عملية سياسية، تتقدم إلى الأمام، عوضاً عن المرواحة في المكان، جراء إستمرار « التحالف الإستراتيجي»، القائم على تقاسم السلطة و الثروة بين الحزبين، بخلاف التحولات التي تحدث في إتجاهات الرأي العام الكردي، و إنتقاداته و تحفظاته على مظاهر لا تتسم بالعدل و المساواة و الشفافية، و التي كانت من إحدى نتائجها، عرقلة جهود و مساعي توحيد المؤسسات الإدارية و العسكرية و الأمنية للحزبين، في أطر و مؤسسات وطنية، لضمان بقاء المكتبين السياسيين للحزبين كقوتين فعليتين، و على كافة الصعد، السياسية و الإقتصادية و الأمنية.
و بإستثناء الهامش الذي تسنى لأطياف من المعارضة، لخوض الإنتخابات في إقليم كردستان العراق، فإن إجراء إنتخابات في أية بقعة جغرافية، حتى لو كانت حرة و نزيه، لا يعني، بالضرورة، أنها تعكس تجربة ديمقراطية حقيقية، طالما أن العملية السياسية الجارية، لا تستطيع أن تكفل تكافئ الفرص لأبناء الشعب الواحد، و أحزابه، و فعالياته المتعددة، و ضمان ممارسة هذا الحق، في ظل مؤسسات، لا تجسد الإرادة الدستورية و الشعبية، و إنما المصالح و الأهداف و الرغبات الحزبية أو المناطقية.

و يبلغ الامر حداً خطيرا ًفي هذه الأحوال، عندما تتعارض الإرادة الشعبية، و المطالب المشروعة لأغلبية المواطنين، مع مصالح و أهداف الفئة الحاكمة، و هو ما كان ليحدث، مثلاً، لو فازت المعارضة الكردستانية، بقيادة حركة «كوران » بالانتخابات البرلمانية، و حازت على أغلبية المقاعد في برلمان الإقليم، و السؤال الذي يتبادر الى الذهن : كيف يمكن لحزب في المعارضة أن يدير حكومة، في بلد أو كيان فيدرالي، لا يملك مؤسسات و أطر و إدارات وطنية، و إنما مؤسسات تابعة لخصومه من الاحزاب الأخرى ؟ هذه هي مشكلة إقليم كردستان العراق التي تجعل تجربتها، و واقعها السياسي إنموذجاً فريداً، لجهة إنقسام مجتمعها بين قوى، تكبح محاولات الانتقال إلى الإدارة الوطنية الديمقراطية، خشية ضياع إمتيازاتها المكتسبة بفعل عوامل متعددة.


لذلك كان من الأولى على قيادة الإقليم، و على قوى المعارضة، أن تسعى إلى الانتهاء من صياغة الدستور النهائي، و إقراره، و الاتفاق على ميثاق وطني كردستاني، يضمن الانتقال الهادئ و السلمي من الإدارة الثنائية، الى الإدارة الأحادية أو الموحدة، الدستورية و الشرعية، بحيث يتحول الإقليم، جراء هذه الترتيبات، من إقليم تديره مؤسسات حزبية، إلى إقليم تديره مؤسسات وطنية، يكون واجبها السهر على رعاية مواطنيها، و تأمين إحتياجاتهم المادية و المعنوية، و ضمان حرياتهم المكفولة حسب القوانين و بنود الدستور، و إلا  فإن إية تجربة سياسية خارج نطاق المؤسسات الوطنية، و المبادئ الدستورية الضامنة لسير عملها، لن تعدو أكثر من إدعاء عبثي، لا يستقيم مع العمل الديمقراطي، و النظام المؤسساتي، الذي يطمح المواطن الكردستاني إلى تحقيقهما في العملية السياسية القائمة في إقليم كردستان.


و عليه، فإنه مازال من المبكر، في ضوء العراقيل التي تعترض العملية السياسية، الحديث عن ديمقراطية حقيقية في إقليم كردستان العراق، رغم كل محاولات المعارضة الكردستانية، الى حد الآن، لجهة إعطاء برلمان الإقليم، السلطة التشريعية الفعلية، و كلمة الفصل في إقرار الدستور، و مراقبة عمل مؤسسات الإقليم الفيدرالية، التي ما تزال « الإتفاقات الإستراتيجية » بين قطبي الحكم في الإقليم، تعترض محاولات ترسيخ وجودها في حياة المواطنين، باعتبارها، إي تلك الإتفاقات، كفلت للحزبين الحاكمين الإستئثار بالسلطة، و التحكم بأغلب وسائل الإعلام،  و تقاسم الثروة و النفوذ بينهما، أمنياً و عسكرياً و إقتصادياً، و ذلك من خلال إحتفاظ كل حزب بقواته العسكرية، و مؤسساته الأمنية، و سطوة مكتبه السياسي على مركز القرار السياسي في المنطقة الخاضعة له في الإقليم، ناهيك عن المعابر الحدودية التي تُثتثمر وارداتها، القانونية و الغير القانونية، من أجل ضمان إستمرار هذه الهيمنة.
و إلى أن تتحق إرادة الشعب الكردستاني في العراق، في تجسيد تجربة ديمقراطية حقيقية، و بناء مؤسسات وطنية حاضنة لطموحات و مصالح أبناءه، فإن المطلوب من المعارضة و هيئات المجتمع المدني، على ضعفها، ممارسة الضغط من أجل توحيد الإدارات الكردية في الإقليم، و تخفيف قبضة الحزبين الحاكمين عليها، و ووضع حد لنظام المحاصصة السياسية و العسكرية و الأمنية في الإقليم.

و إلا فإن تجربة الإقليم لن تتعدى كونها عملية سياسية مشوهة، لن تخلف إلا المزيد من خيبة الأمل.
* كاتب كردي سوري 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…