من وحي الكلمات .. متناثرات السياسة

روني علي

الحزب الكردي؛ وضمن استحقاقات المرحلة ومخاضاتها، والتحولات الكبيرة التي تطرأ على موازين القوة من جهة، ومرتكزات الفعل السياسي من جهة أخرى، لم يزل يعتمد على الارتجال، وينتهج المواربة أو اللحظية، أو الركون إلى تداعيات حدث بعينه في بناء الموقف، ومرد ذلك يعود بالدرجة الأساس؛ إلى ابتعاده عن قراءة المعادلة السياسية من منظور معرفي، أو عدم امتلاكه لأدوات المقاربة بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، كونه قد أجهض من الداخل بفعل ما يجري فيه من صراعات مشوهة، وأجندات تهدف الحفاظ على الموقع والمركز، بل إلى جعله – الحزب – شكلاً من أشكال المحاصصة بين مراكز، هي في حقيقتها تعيش هاجس الخوف على ذاتها من الانهيار، إذا ما أخذ الوعي السياسي مداه في الوسط الحزبي،
وعليه فإن النتيجة – ودائماً – تقف عند عتبات الانقسام على الذات أو في الذات نفسه، إذا ما اصطدمت تلك الأجندات بممانعات أو حقائق، فيها شيء من الشرخ أو المس بتوازنات المركز، حتى يتولد فينا، نحن المتابعين أو المنفعلين، إحساس بأن هذه الأداة النضالية – الحزب – ليست سوى مشروعاً لرموزها المتحكمة في خواصرها، وبالتالي فإن الموقف يبقى يترنح ويتأرجح بين مد وجزر، وذلك بحسب نوع العلاقة وحالة الأريحية داخل الجسم الحزبي نفسه ..
  وبما أن المشاريع السياسية ليست بتلك التي تضعنا الحركة الحزبية أمامها، من مواقف متناثرة هنا وهناك، ومتناقضة مع سابقاتها، بل هي كل متكامل، تنطلق من منظومة معرفية تحدد أولويات الفعل، وتؤسس لخيارات، فيها تجسيد لمنهجية سياسية، تتحرك وتتفاعل وفق إحداثيات الوقائع والأحداث والمستجدات، وهذا ما هو غائب عن نطاق الفعل الحزبي الكردي، ربما كان محكوماً علينا أن نعيش تناقضات الموقف، سواء من جهة الطرح الحزبي للقضية الكردية، والتي تأتي مبتورة ومشوهة في الأهداف والمرامي، أو من جهة استحقاقات التغيير والعملية السياسية الدائرة في المنطقة، والتي تؤكد على حقيقة، أن تراكمات هكذا سياسة، وضمن هذه الأطر التي ما تزال تتعربش المستقبل وفق سياقات، هي في مجملها من نتاج تلك الذهنية التي لديها كل الاستعداد لأن تنسف أية محاولة تهدف الخروج من نفق الانكسار، إذا لم تكن على وفاق مع نموذجها في التسلط والتمركز والاستلاب في وعلى كاهل الحزب، سوف لن تقودنا إلى ما ننشده من خطاب متوازن يستند إلى مقوماته، وذلك بحكم أننا لم نمتلك بعد خيارات التغيير في الواقع الحزبي، سواء من جهة الطرح أو من جهة الممارسة، وسواء من جهة الذهنية أو من جهة أساليب التحكم بمفردات الفعل الحزبي، لكوننا لم نزل أسيري أجندات تهدف الحفاظ على ما هو قائم وما هو ممارس، وإن كنا نعي تماماً بأن الوضع الكردي ليس نتاج ذاته فقط، فهناك الجانب الوطني وهناك الجانب الإقليمي، إضافةً إلى الجانب الدولي وموازين القوى السياسية التي تفعل فعلها في رسم السياسة ضمن هذه الخارطة الجغرافية، إضافة إلى العقلية القبلية التي تدار من خلالها السياسية الحزبية، والتي تركن إلى الولاءات والدخول ضمن نطاق أحزمة من هم على شاكلة الرموز، وإن كانوا لا يمتلكون مقومات الرمز وطاقاته ..
   إن مثل هكذا تراكمات واحتقانات، سوف لن تسعفنا في الخروج من النفق، إلا إذا امتلكنا الإرادة في أن نغير البوصلة باتجاهات، تكون على النقيض من دور القاعدة الحزبية على أنها مجرد كومبارس أو صدى لما تقوم بها المراكز المتحكمة بالقرار، وعليه لا بد من القيام بعملية تأهيل للجانب الثقافي ضمن آليات الفعل الحزبي، وذلك بغية الترتيب والتأسيس لمقومات الحزب السياسي، الذي يتمكن من ربط المسائل ببعضها البعض عبر جدلية واقعية، قوامها الفكر وأساسها الواقع، وإلا فإن الزمن سيأخذ مجراه دون أن نتمكن من الالتحاق بركبه، ودون أن نكون قادرين على لملمة مفردات الخطاب السياسي المبعثرة هنا وهناك، في سياق منهجية سياسية تحلل الواقع وتطرح الحلول وفق فلسفة تأخذ بالحسبان؛ أن الثقافة هي الركن الأساس في أي فعل سياسي .

 

المصدر : جريدة خويبون العدد – 7

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…