خوشناف سليمان
تشهد منطقة شرق الاوسط ميلاد قوة اقتصادية جديدة، ألا وهي تركيا والتي باشرت بالتوجه والانفتاح على أسواق الشرق الغنية بالنفط والموارد الأولية، وتبذل في الوقت ذاته جهود مضنية للدخول إلى الاتحاد الأوروبي لم تسفر حتى الآن عن نتيجة إيجابية.
تشهد منطقة شرق الاوسط ميلاد قوة اقتصادية جديدة، ألا وهي تركيا والتي باشرت بالتوجه والانفتاح على أسواق الشرق الغنية بالنفط والموارد الأولية، وتبذل في الوقت ذاته جهود مضنية للدخول إلى الاتحاد الأوروبي لم تسفر حتى الآن عن نتيجة إيجابية.
وقد أبدى المستثمرين الأجانب اهتماماً خاصاً بالإنجازات الاقتصادية لتركيا خلال العقد الأول من هذا القرن، حيث وصفها البعض “بالمعجزة الاقتصادية التركية”.
وفي الواقع فان هذا النجاح الاقتصادي الهائل، المتمثل في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي لهو مثير حقا للإعجاب.
وفي الواقع فان هذا النجاح الاقتصادي الهائل، المتمثل في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي لهو مثير حقا للإعجاب.
فقد إحتلت تركيا من حيث الناتج المحلي الإجمالي المرتبة الخامسة عشرة في العالم في ترتيب أكبر الاقتصادات على المستوى العالمي .ووفقا لإحصائيات صندوق النقد الدولي فقد بلغ إجمالي ناتجها المحلى في عام 2011قيمة قدرها 763,1 مليار دولار ليرتفع في عام 2012إلى 1,1 ترليون دولار.
وللمقارنة، فقد بلغت قيمة هذا المؤشر، لأكبر ثلاثة اقتصاديات في العالم في عام 2011، وهي الولايات المتحدة 15,1 والصين 7واليابان 5,9 تريليون دولار.
ان تحسُّن أداء المؤشرات الاقتصادية الكلية، مثل معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة ، والتي تجاوزت الكثير من مثيلاتها في البلدان المتقدمة ومعظم البلدان النامية، وكذلك ازدياد حصة الفرد الواحد من الدخل القومي الإجمالي التي بلغت حدود 15 ألف دولار وانخفاض معدلات التضخم إلى أقل من 10 في المئة ونمو العمالة، ساعد على خلق أرضية صلبة للتنبؤ ولوضع أسس متينة للتخطيط المستقبلي.
في المقابل يشير البعض الى صعوبات جدية تتعلق بمشاكل الدين والعجز الخارجي، وزيادة الإعتماد على واردات الطاقة، وكذلك تضخيم البيانات في التقارير الرسمية عن مستويات التضخم والبطالة.
رغم ذلك، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار تفوق تركيا في تخطي الآثار الناجمة عن الأزمة العالمية في الفترة 2008-2009، فان الحكومة التركية لا تتطلع بتفاؤل نحو المستقبل وحسب بل قامت بتبني عدد من المشاريع الطموحة سيتم إنجازها حتى عام 2023، في الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية.
وتتلخص جوهرها المسماة باستراتيجية “رؤية 2023” في دخول تركيا في عداد المجموعة العشرة الاولى الأقوى إقتصادياً في العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي من المفروض أن يتجاوز 5 تريليون دولار.
وهي بمثابة الأساس لإعداد خطط المستقبل لمختلف قطاعات الإقتصاد الوطني، وتحدد عموما الأفق الاستراتيجي للدولة التركية.
مما لا شك فيه، إن تطوير قطاع التجارة الخارجية وزيادة مبيعات السلع والخدمات التركية في الأسواق الخارجية سوف يلعب دورا ريادياً في استراتيجية الحكومة.
وهذا أمر بديهي، نظرا لأن الصادرات الى جانب تزايد الطلب المحلي، تعتبر احد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي التركي.
وبعدما بدأت خلال ثمانيات القرن الماضي، بتحرير الإقتصاد والتوجه نحو سياسة الإنفتاح الخارجي، حدث تحول جذري من سياسة إحلال الواردات إلى سياسة التصنيع الموجه إلى التصدير.
وهي سياسة إقتصادية تقوم على الاستغناء عن الواردات أو تخفيضها من خلال إقامة صناعات وطنية بديلة عنها.
وقد حققت الصادرات التركية نموا مذهلا حقا، حيث ازدادت خلال العقد الأول من القرن الحالي بمقدار أربعة اضعاف وفقا لتقرير منظمة التجارة العالمية(WTO) و سجلت خلال أزمة 2008 مستويات بلغت 132 مليار دولار، وارتفعت في عام 2012 لتُسجل رقما قياسيا فقاربت مستوى 152 مليار دولار أمريكي.
وبذلك جاء تصنيف تركيا في حجم الصادرات العالمية لعام 2012المرتبة ال03.
في حين احتل الصين (10.4٪) والولايات المتحدة الأمريكية (8.4٪) وألمانيا (8.3٪) المراكز الثلاثة الاولى في هذه القائمة.
الميزة الأساسية للاقتصاد التركي هي تنوع الأنشطة الاقتصادية ومهارة ورخص اليد العاملة وتوفرها، وإرتفاع حصة المنتجات ذات المستوى التكنولوجى المتوسط العالي في بنية الصادرات، والتي تحل تدريجيا محل السلع المنخفضة القيمة.
يتوزع النشاط الاقتصادي على عدة قطاعات إنتاجية وخدماتية منها الخدمات (السياحة والقطاع المالي) ذات القيمة المضافة للاقتصاد نحو 62% والزراعة والصناعة نحو 24% والعقار والبناء %8 من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2011.
“استراتيجية التصدير لتركيا حتى عام 2023”
يمثل هذا النجاح الهائل للصادرات بداية مرحلة جديدة، يمكن في إطارها إعادة تحويل إقتصاد تركيا المبني على التصدير، وخطوة لإعادة النظر في أوضاعها الآنية وآفاقها المستقبلية.
ولذا تم في عام 2011 إعداد ونشر “استراتيجية التصدير حتى عام 2023″ تحت إشراف ورعاية مجلس المصدرين الأتراك (TІM).
تقوم الاستراتيجية، التي شاركت في تحضيرها وإعدادها ممثلون عن مختلف الوزارات والمعاهد والشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية، على هدف الحكومة البعيد المدى القاضي برفع حجم الصادرات التركية إلى 500 مليار دولار حتى عام 2023.
وقد آُعلن عنها في أبريل عام 2011 وبحضور رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، الذي قال ” إن هدفنا المتمثل بزيادة الصادرات الى 500 مليار دولار في عام 2023، لم يعد يُعتبر حلماً، بل انها مهمة واقعية قابلة للتنفيذ، نظرا للنجاح الذي حققناه على مدى السنوات الثماني الماضية.”
المحاور الاساسية للاستراتيجية
الهدف الرئيسي، كما ذكرنا، هو زيادة حجم الصادرات إلى 500 مليار دولار الى عام 2023، بغرض تحقيق طموحات تركيا بالإنضمام الى مجموعة العشرة الاولى الأقوى إقتصاديا في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
وفقا للاستراتيجية، يمكن تحقيق هذه الزيادة في حال التوصل الى معدلات نمو اقتصادية سنوية قدرها 12.8٪.
وبذلك ستصل حصة تركيا في التجارة العالمية إلى1,5 ٪.
تتمثل مهام الخطة الرئيسية في زيادة حجم الإنتاج الصناعي التركي وتحسين نوعيتها التكنولوجية لتكون قادرة على التنافس في الأسواق العالمية، من خلال بناء وتكوين هوية تجارية خاصة بها وفريدة من نوعها وكذلك الى زيادة وتنويع بنية التصدير مع التركيز على الأسواق الجديدة الواعدة.
ومن المقرر تنفيذ المشروع على مرحلتين أساسيتين: الاولى وتشمل الفترة 2009-2013 وهي مرحلة التخطيط الكلي والثانية 2014-2023 وفيها يجب الإنتقال الى مرحلة التخطيط القطاعي وسوف يساهم في تطبيق المشروع الوزارات والمؤسسات الحكومية والشركات التجارية، وباشراف ورعاية مباشرة من الدولة وتستند على توقعات واتجاهات نمو الاقتصاد العالمي والتجارة والأسواق الدولية.
اضافة الى ذلك تتضمن الاستراتيجية خطط لإنشاء بما تسمى ب”القطاعات الجديدة”، أي بالترافق مع زيادة إنتاج صناعات تركيا التقليدية وتوسيع أسواق مبيعاتها، العمل على زيادة نسبة منتجات التكنولوجيا الفائقة والمنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الإنتاج الكلي، وتشمل صناعات الطيران والفضاء، والصناعات الحربية، و الالكترونيات وأنظمة الإتصالات، والأجهزة والمعدات الطبية، والطاقة المتجددة، والتقنيات البيئية وهلمجرا.
ولأجل تنفيذ الإستراتيجية في الواقع العملي يجب إعتماد خطوات إضافية ملزمة، كما يعرضها رئيس مجلس المصدرين الأتراك محمد بويوكاكشي:
– ان تكون إستراتيجية إقتصادية وطنية شاملة ومتكاملة؛
– إدراج أهداف زيادة الصادرات في الخطط الخمسية لمؤسسات الدولة؛
– إدراجها في اجندة مجلس التخطيط الأعلى؛
– تشكيل مجموعات عمل لإنجاز المشروع وإفتتاح مكاتب وظيفتها ضمان دور ومسؤوليات مختلف الوزارات والمؤسسات.
الطموحات والواقع:
في الواقع، تثير هذه الإستراتيجية الطموحة حقا، العديد من الإستفسارات، مرتبطة بعضها بالأوضاع الداخلية، وغيرها بالأسواق الدولية:
فيما يتعلق بالجانب الأولى، يمكن التساؤل هل يمكن الإقتصاد التركي حقا تحقيق هذا الإختراق النوعي، وبالأخص الإنضمام خلال السنوات القريبة القادمة الى مجموعة العشرة الأولى في العالم، وزيادة الصادرات بمقدار أربعة أضعاف لنفس الفترة الزمنية؟
رغم التفوق الإقتصادي الملحوظ، يجب التنويه في هذا الصدد الى جملة من الصعوبات والعراقيل المزمنة التي تعاني منها البلاد، وهي مرتبطة بعجز الموازنة العامة ومشكلة الدين الخارجي، وقلة مواد الخام وحاجة تركيا الماسة والدائمة إلى الإيرادات الخارجية، والعجز المتزايد والمستمر في ميزان التجارة الخارجية، وارتفاع حجم الواردات التركية من الطاقة المتزايدة طردا مع تزايد الاستهلاك ووتائر النمو الاقتصادي، وانخفاض قيمة العملة التركية، قلة المبالغ المخصصة للبحث والعمل التجريبي مقارنة بالدول المتقدمة والخ.
وقد جاء، في هذا الصدد، تقييم مماثل لوكالة موديز للتصنيف الائتماني حول تركيا، وخاصة إعتمادها الكبير على التجارة العالمية وعلى تدفق الاستثمارات الأجنبية، الأثر السلبي لأسعار الطاقة المرتفعة، وكذلك تزايد الصعوبات في تسديد القروض بالعملة الأجنبية، الخ.
الى جانب ذلك هناك قضايا سياسية داخلية تواجهها تركيا منذ عهد كمال أتاتورك، من أهمها على الاطلاق القضية الكردية، التي باتت مشكلة تاريخية مزمنة تنخر جسدها وترهق ميزانيتها وتعيق تنميتها الشاملة.
لقد أدركت تركيا وزعمائها هذه الحقيقة وترسخت لديهم قناعة مفادها إستحالة تحقيق بما تسمى استراتيجية “رؤية 2023” دون إيجاد تسوية شاملة لهذه المشكلة.
دونها لا يمكن تحقيق الاستقرار الداخلي المنشود واللازم لإنجاز تلك الإستراتيجية الطموحة.
وفي هذا السياق تأتي جهود تركيا الحثيثة في تحسين علاقاتها مع إقليم كردستان العراق، بعد تعاظم حجم التبادل التجاري مع الإقليم وبلوغ قيمته في عام 2012 الى نحو 8 مليار دولار، وسط توقعات بالإرتفاع في نهاية عام 2013 إلى أكثر من 11 مليار دولار، وكذلك فتح باب الحوار مع قادة حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان.
فيما يخص الجانب الثاني، تُطرح هنا أسئلة كثيرة، مثل، كيف ستنعكس أوضاع الاقتصاد العالمي السلبية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية على الإستراتيجية التركية؟ كيف سينعكس بما يسمى ب”الربيع العربي” وسقوط وتغيير أنظمة الحكم في شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟ وفي السياق ذاته مدى تأثير تصاعد حدة التصارع السياسي الداخلي في سوريا وأزمة برنامج إيران النووي؟ الى اي مدى تستطيع تركيا تطبيق مبادئ سياستها الخارجية، وفق نظرية أحمد داود أوغلو المثالية، المبنية على سياسة “صفر” المشاكل مع دول الجوار، مع الأخذ بعين الإعتبار طابعها الحيادي ازاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والأوضاع في سوريا ومدى إنعكاس ذلك على خططها الإقتصادية التوسعية ؟ إلى أية درجة تستطيع تركيا تعزيز واستعادة مواقعها على خلفية المنافسة الشرسة للاعبين الدوليين الكبار في مناطق شمال أفريقيا والشرق الأوسط الساخنة بعد وصول النخب السياسية الجديدة الى سدة الحكم فيها؟
وللمقارنة، فقد بلغت قيمة هذا المؤشر، لأكبر ثلاثة اقتصاديات في العالم في عام 2011، وهي الولايات المتحدة 15,1 والصين 7واليابان 5,9 تريليون دولار.
ان تحسُّن أداء المؤشرات الاقتصادية الكلية، مثل معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة ، والتي تجاوزت الكثير من مثيلاتها في البلدان المتقدمة ومعظم البلدان النامية، وكذلك ازدياد حصة الفرد الواحد من الدخل القومي الإجمالي التي بلغت حدود 15 ألف دولار وانخفاض معدلات التضخم إلى أقل من 10 في المئة ونمو العمالة، ساعد على خلق أرضية صلبة للتنبؤ ولوضع أسس متينة للتخطيط المستقبلي.
في المقابل يشير البعض الى صعوبات جدية تتعلق بمشاكل الدين والعجز الخارجي، وزيادة الإعتماد على واردات الطاقة، وكذلك تضخيم البيانات في التقارير الرسمية عن مستويات التضخم والبطالة.
رغم ذلك، اذا ما اخذنا بعين الاعتبار تفوق تركيا في تخطي الآثار الناجمة عن الأزمة العالمية في الفترة 2008-2009، فان الحكومة التركية لا تتطلع بتفاؤل نحو المستقبل وحسب بل قامت بتبني عدد من المشاريع الطموحة سيتم إنجازها حتى عام 2023، في الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية.
وتتلخص جوهرها المسماة باستراتيجية “رؤية 2023” في دخول تركيا في عداد المجموعة العشرة الاولى الأقوى إقتصادياً في العالم من حيث حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي من المفروض أن يتجاوز 5 تريليون دولار.
وهي بمثابة الأساس لإعداد خطط المستقبل لمختلف قطاعات الإقتصاد الوطني، وتحدد عموما الأفق الاستراتيجي للدولة التركية.
مما لا شك فيه، إن تطوير قطاع التجارة الخارجية وزيادة مبيعات السلع والخدمات التركية في الأسواق الخارجية سوف يلعب دورا ريادياً في استراتيجية الحكومة.
وهذا أمر بديهي، نظرا لأن الصادرات الى جانب تزايد الطلب المحلي، تعتبر احد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي التركي.
وبعدما بدأت خلال ثمانيات القرن الماضي، بتحرير الإقتصاد والتوجه نحو سياسة الإنفتاح الخارجي، حدث تحول جذري من سياسة إحلال الواردات إلى سياسة التصنيع الموجه إلى التصدير.
وهي سياسة إقتصادية تقوم على الاستغناء عن الواردات أو تخفيضها من خلال إقامة صناعات وطنية بديلة عنها.
وقد حققت الصادرات التركية نموا مذهلا حقا، حيث ازدادت خلال العقد الأول من القرن الحالي بمقدار أربعة اضعاف وفقا لتقرير منظمة التجارة العالمية(WTO) و سجلت خلال أزمة 2008 مستويات بلغت 132 مليار دولار، وارتفعت في عام 2012 لتُسجل رقما قياسيا فقاربت مستوى 152 مليار دولار أمريكي.
وبذلك جاء تصنيف تركيا في حجم الصادرات العالمية لعام 2012المرتبة ال03.
في حين احتل الصين (10.4٪) والولايات المتحدة الأمريكية (8.4٪) وألمانيا (8.3٪) المراكز الثلاثة الاولى في هذه القائمة.
الميزة الأساسية للاقتصاد التركي هي تنوع الأنشطة الاقتصادية ومهارة ورخص اليد العاملة وتوفرها، وإرتفاع حصة المنتجات ذات المستوى التكنولوجى المتوسط العالي في بنية الصادرات، والتي تحل تدريجيا محل السلع المنخفضة القيمة.
يتوزع النشاط الاقتصادي على عدة قطاعات إنتاجية وخدماتية منها الخدمات (السياحة والقطاع المالي) ذات القيمة المضافة للاقتصاد نحو 62% والزراعة والصناعة نحو 24% والعقار والبناء %8 من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2011.
“استراتيجية التصدير لتركيا حتى عام 2023”
يمثل هذا النجاح الهائل للصادرات بداية مرحلة جديدة، يمكن في إطارها إعادة تحويل إقتصاد تركيا المبني على التصدير، وخطوة لإعادة النظر في أوضاعها الآنية وآفاقها المستقبلية.
ولذا تم في عام 2011 إعداد ونشر “استراتيجية التصدير حتى عام 2023″ تحت إشراف ورعاية مجلس المصدرين الأتراك (TІM).
تقوم الاستراتيجية، التي شاركت في تحضيرها وإعدادها ممثلون عن مختلف الوزارات والمعاهد والشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية، على هدف الحكومة البعيد المدى القاضي برفع حجم الصادرات التركية إلى 500 مليار دولار حتى عام 2023.
وقد آُعلن عنها في أبريل عام 2011 وبحضور رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، الذي قال ” إن هدفنا المتمثل بزيادة الصادرات الى 500 مليار دولار في عام 2023، لم يعد يُعتبر حلماً، بل انها مهمة واقعية قابلة للتنفيذ، نظرا للنجاح الذي حققناه على مدى السنوات الثماني الماضية.”
المحاور الاساسية للاستراتيجية
الهدف الرئيسي، كما ذكرنا، هو زيادة حجم الصادرات إلى 500 مليار دولار الى عام 2023، بغرض تحقيق طموحات تركيا بالإنضمام الى مجموعة العشرة الاولى الأقوى إقتصاديا في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
وفقا للاستراتيجية، يمكن تحقيق هذه الزيادة في حال التوصل الى معدلات نمو اقتصادية سنوية قدرها 12.8٪.
وبذلك ستصل حصة تركيا في التجارة العالمية إلى1,5 ٪.
تتمثل مهام الخطة الرئيسية في زيادة حجم الإنتاج الصناعي التركي وتحسين نوعيتها التكنولوجية لتكون قادرة على التنافس في الأسواق العالمية، من خلال بناء وتكوين هوية تجارية خاصة بها وفريدة من نوعها وكذلك الى زيادة وتنويع بنية التصدير مع التركيز على الأسواق الجديدة الواعدة.
ومن المقرر تنفيذ المشروع على مرحلتين أساسيتين: الاولى وتشمل الفترة 2009-2013 وهي مرحلة التخطيط الكلي والثانية 2014-2023 وفيها يجب الإنتقال الى مرحلة التخطيط القطاعي وسوف يساهم في تطبيق المشروع الوزارات والمؤسسات الحكومية والشركات التجارية، وباشراف ورعاية مباشرة من الدولة وتستند على توقعات واتجاهات نمو الاقتصاد العالمي والتجارة والأسواق الدولية.
اضافة الى ذلك تتضمن الاستراتيجية خطط لإنشاء بما تسمى ب”القطاعات الجديدة”، أي بالترافق مع زيادة إنتاج صناعات تركيا التقليدية وتوسيع أسواق مبيعاتها، العمل على زيادة نسبة منتجات التكنولوجيا الفائقة والمنتجات ذات القيمة المضافة العالية في الإنتاج الكلي، وتشمل صناعات الطيران والفضاء، والصناعات الحربية، و الالكترونيات وأنظمة الإتصالات، والأجهزة والمعدات الطبية، والطاقة المتجددة، والتقنيات البيئية وهلمجرا.
ولأجل تنفيذ الإستراتيجية في الواقع العملي يجب إعتماد خطوات إضافية ملزمة، كما يعرضها رئيس مجلس المصدرين الأتراك محمد بويوكاكشي:
– ان تكون إستراتيجية إقتصادية وطنية شاملة ومتكاملة؛
– إدراج أهداف زيادة الصادرات في الخطط الخمسية لمؤسسات الدولة؛
– إدراجها في اجندة مجلس التخطيط الأعلى؛
– تشكيل مجموعات عمل لإنجاز المشروع وإفتتاح مكاتب وظيفتها ضمان دور ومسؤوليات مختلف الوزارات والمؤسسات.
الطموحات والواقع:
في الواقع، تثير هذه الإستراتيجية الطموحة حقا، العديد من الإستفسارات، مرتبطة بعضها بالأوضاع الداخلية، وغيرها بالأسواق الدولية:
فيما يتعلق بالجانب الأولى، يمكن التساؤل هل يمكن الإقتصاد التركي حقا تحقيق هذا الإختراق النوعي، وبالأخص الإنضمام خلال السنوات القريبة القادمة الى مجموعة العشرة الأولى في العالم، وزيادة الصادرات بمقدار أربعة أضعاف لنفس الفترة الزمنية؟
رغم التفوق الإقتصادي الملحوظ، يجب التنويه في هذا الصدد الى جملة من الصعوبات والعراقيل المزمنة التي تعاني منها البلاد، وهي مرتبطة بعجز الموازنة العامة ومشكلة الدين الخارجي، وقلة مواد الخام وحاجة تركيا الماسة والدائمة إلى الإيرادات الخارجية، والعجز المتزايد والمستمر في ميزان التجارة الخارجية، وارتفاع حجم الواردات التركية من الطاقة المتزايدة طردا مع تزايد الاستهلاك ووتائر النمو الاقتصادي، وانخفاض قيمة العملة التركية، قلة المبالغ المخصصة للبحث والعمل التجريبي مقارنة بالدول المتقدمة والخ.
وقد جاء، في هذا الصدد، تقييم مماثل لوكالة موديز للتصنيف الائتماني حول تركيا، وخاصة إعتمادها الكبير على التجارة العالمية وعلى تدفق الاستثمارات الأجنبية، الأثر السلبي لأسعار الطاقة المرتفعة، وكذلك تزايد الصعوبات في تسديد القروض بالعملة الأجنبية، الخ.
الى جانب ذلك هناك قضايا سياسية داخلية تواجهها تركيا منذ عهد كمال أتاتورك، من أهمها على الاطلاق القضية الكردية، التي باتت مشكلة تاريخية مزمنة تنخر جسدها وترهق ميزانيتها وتعيق تنميتها الشاملة.
لقد أدركت تركيا وزعمائها هذه الحقيقة وترسخت لديهم قناعة مفادها إستحالة تحقيق بما تسمى استراتيجية “رؤية 2023” دون إيجاد تسوية شاملة لهذه المشكلة.
دونها لا يمكن تحقيق الاستقرار الداخلي المنشود واللازم لإنجاز تلك الإستراتيجية الطموحة.
وفي هذا السياق تأتي جهود تركيا الحثيثة في تحسين علاقاتها مع إقليم كردستان العراق، بعد تعاظم حجم التبادل التجاري مع الإقليم وبلوغ قيمته في عام 2012 الى نحو 8 مليار دولار، وسط توقعات بالإرتفاع في نهاية عام 2013 إلى أكثر من 11 مليار دولار، وكذلك فتح باب الحوار مع قادة حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان.
فيما يخص الجانب الثاني، تُطرح هنا أسئلة كثيرة، مثل، كيف ستنعكس أوضاع الاقتصاد العالمي السلبية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية على الإستراتيجية التركية؟ كيف سينعكس بما يسمى ب”الربيع العربي” وسقوط وتغيير أنظمة الحكم في شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟ وفي السياق ذاته مدى تأثير تصاعد حدة التصارع السياسي الداخلي في سوريا وأزمة برنامج إيران النووي؟ الى اي مدى تستطيع تركيا تطبيق مبادئ سياستها الخارجية، وفق نظرية أحمد داود أوغلو المثالية، المبنية على سياسة “صفر” المشاكل مع دول الجوار، مع الأخذ بعين الإعتبار طابعها الحيادي ازاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والأوضاع في سوريا ومدى إنعكاس ذلك على خططها الإقتصادية التوسعية ؟ إلى أية درجة تستطيع تركيا تعزيز واستعادة مواقعها على خلفية المنافسة الشرسة للاعبين الدوليين الكبار في مناطق شمال أفريقيا والشرق الأوسط الساخنة بعد وصول النخب السياسية الجديدة الى سدة الحكم فيها؟
امام هذه التحديات والمخاطر الخارجية والداخلية الجمة، أدركت النخبة التركية قواعد اللعبة السياسية وبدأت تستخدم قوة نفوذها الإقليمي والدولي واستغلالها من اجل بناء تحالفات إقليمية ودولية لا يمكن للوهلة الاولى الجمع بينها.
وفي هذا الإطار بالذات تجري مساعي تركيا نحو تعزيز وتوطيد علاقاتها الإستراتيجية مع روسيا، التي تحتل المركز الأول في قائمة البلدان ذات الأولوية للصادرات التركية بمقدار 24 نقطة (من مجموع 24 نقطة ممكنة) وتعتبر في الوقت ذاته، مقارنة بشركاء تركيا الآخرين، “جزيرة أمان واستقرار”، سيُمثل التوجه نحوها تعويضا للاتجاهات السلبية الأخرى.
وقد مثل قرار إنضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2011، عامل حسم لإنجاز طموحات أنقرة وموسكو في زيادة حجم التبادل التجاري بينهما من 30 مليار دولار في عام 2011 إلى 100 مليار دولار الى نهاية عام 2014.
وفي هذا السياق أيضاً، تأتي سياسة «تصفير المشكلات مع دول الجوار» التي تقتضي ضمن ما تقتضيه التعاون الوثيق مع موسكو، حتى لو كانت على حساب توجهها الأوروبي-الأطلسي وحلفائها الغربيين التقليديين.
ان كلتا الدولتين تملكان مواقع حساسة وسط منطقة أفرو-أوراسيا ومتاخمة لمناطق الأزمات الأزلية مثل الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان.
ولكلاهما طموحات بالهيمنة الجيوسياسية وبفرض نفوذهما الجيوسياسي على المنطقة.
وفي هذا الإطار بالذات تجري مساعي تركيا نحو تعزيز وتوطيد علاقاتها الإستراتيجية مع روسيا، التي تحتل المركز الأول في قائمة البلدان ذات الأولوية للصادرات التركية بمقدار 24 نقطة (من مجموع 24 نقطة ممكنة) وتعتبر في الوقت ذاته، مقارنة بشركاء تركيا الآخرين، “جزيرة أمان واستقرار”، سيُمثل التوجه نحوها تعويضا للاتجاهات السلبية الأخرى.
وقد مثل قرار إنضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2011، عامل حسم لإنجاز طموحات أنقرة وموسكو في زيادة حجم التبادل التجاري بينهما من 30 مليار دولار في عام 2011 إلى 100 مليار دولار الى نهاية عام 2014.
وفي هذا السياق أيضاً، تأتي سياسة «تصفير المشكلات مع دول الجوار» التي تقتضي ضمن ما تقتضيه التعاون الوثيق مع موسكو، حتى لو كانت على حساب توجهها الأوروبي-الأطلسي وحلفائها الغربيين التقليديين.
ان كلتا الدولتين تملكان مواقع حساسة وسط منطقة أفرو-أوراسيا ومتاخمة لمناطق الأزمات الأزلية مثل الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان.
ولكلاهما طموحات بالهيمنة الجيوسياسية وبفرض نفوذهما الجيوسياسي على المنطقة.