أمين عمر
في نشرة أخبار النظام جاء الخبر “إستشهاد كوكبة من حماة الديار في مواجهات مسلحة مع إرهابيين” ، والخبر ذاته نشرته الثورة و تنسيقياتها” أحد الأبطال الكرد يرفض إطلاق النار على المتظاهرين العزل ويقتل عدد من الشبيحة اثناء محاولته الانشقاق ثم يستشهد بشرف وكرامة ” بين الخبرين دمعة أم الشهيد تسيل على ثمانٍ وعشرون عاماً، ذاكرة دموع الأم هي أكثر الكائنات ذاكرة للوفاء، كانت دموعها تسيل للخبر الثاني، أما الخبر الأول فمر عليها ككذبة من سلسلة الاكاذيب اليومية لما يسمى بالنظام، فكيف تصدقه وهي الأم ، أم الشهيد، كيف تصدقه، والكردي يلد كارهاً للظلم معارضاً لنظم الاستعباد، يلد ثائراً والثورة لا تلد إلا به.
أم الشهيد لا زالت تنتظره عند المساء، بعد مرور عشرة سنوات من إنتصار الثورة ..
لازالت تنتظر كل مساء على طرف القرية تمعن النظر في البعيد ..البعيد عساه كان خبراً كاذباً ، عسى من دفن كان شبيهاً بإبنها فملامحه كانت غير واضحة، فالوحوش وحدها تستطيع نهش الآخرين وإبنها كان في الحرب لا في الغابة، فقط رائحة العطر والدم كانت هي ذاتها تشبه الشهيد.
أم الشهيد لازالت تنتظره كل مساء عساه يعود، وبعد أن يهبط الظلام، يمر عليها أصدقاء الشهيد ويمسكون يديها ويقودونها للمنزل… قد يأت غداً فجراً..
قد يأتي مساءاً.
كل مساء تنتظره كي تزفه عريساً كما كان الموعد في آذار حيث موعد تسريحه من الجيش، قِدور الحناء السبعة المعجونة بدموع شقيقات الشهيد ل “ليلة الحناء” لازالت تختمر كي يزيد احمرار أيادي الصبايا ولا بد إنها ستزيد إحمرار إصبعة الشهيد أكثر من الدم الذي اشبع الكفن، بدلة العرس التي فصلت بإزراره الستة حسب رغبة الشهيد لليلة الزفاف لازالت مكويّةً في الخزانة، لم يتجرء الغبار والسنين من العبث بها أو الإقتراب منها.
علبة العطر التي جاءته من رفيقه الذي يسكن باريس لازالت مليئة كما هي، عندما غادر بعد إنتهاء إجازته الأخيرة، أوصاني الحفاظ عليها، كي يتعطر بها ليلة عرسه، كان يقول هذه العلبة باريسية “كجي” كان يقول لي “كجي” يقلد والده مازحاً، حافظي عليها كي لا يراه أحد سأستعملها ليلة العرس وأعُطيك الباقي إن تبقّى منها شيء.
لم يستعملها إلا يومٍ واحدٍ، لقد عطرني بها يومها قائلاً تعطّري “كجي” فهذا الرجل الذي يسمى والدي يحب العطور كإبنه ..احذري منه..إنه كإبنه له عشرة عيون لا ترون منها إلا إثنتين، لقد غادر وترك العطر في عهدتي.
ألبوم صوره لازال بجانب علبة العطر فيها صوركم كلكم يا أحبتي، على غلاف الألبوم ، هناك صورة للبرزاني وهو على حصانٍ أبيضٍ ينظر للشمس أو ربما الشمس تنظره، وبعدها صورةٌ لظاظا..في الصفحة الثانية والثالثة والرابعة أكثر من ثلاثين صورة لإردوان زاخوي و أياز يوسف ومحمد شيخو..قال لي تحت كل صورة هناك صورة لك “كجي ” لقد خبأتها كي لا يخطفها الشياطين أصدقائي هم صغار لكنهم كالشياطين، مكتبته لازالت كما هي ..لازلت اقترب منها حذرةً، فكلما كنت أقترب منها كان يقول لي، إعتبري هذا المكان كقطعة عسكرية ..دعوها..
أنا أنظفها بنفسي..
لا ترتبوها ولا تحملوا من هنا شيء..
حتى إن سقطت كل كتب المكتبة على الارض..
لا تلمسوها ..هذه الكتب..هي حياتي..”كجي ” ، مرة واحدة لم يهتم بكـُتبه، وكأنها قاذورات، عندما جرحتُ إصبعي بالسكين وأنا أطبخ له، ركض و رمى كتبه ليخرج من درج المكتبة مطهراً وشاشاً ليداوي إصبعتي.
في ذاك اليوم شعرت إنه أبي وأنا ابنته.
لازالت تنتظر كل مساء على طرف القرية تمعن النظر في البعيد ..البعيد عساه كان خبراً كاذباً ، عسى من دفن كان شبيهاً بإبنها فملامحه كانت غير واضحة، فالوحوش وحدها تستطيع نهش الآخرين وإبنها كان في الحرب لا في الغابة، فقط رائحة العطر والدم كانت هي ذاتها تشبه الشهيد.
أم الشهيد لازالت تنتظره كل مساء عساه يعود، وبعد أن يهبط الظلام، يمر عليها أصدقاء الشهيد ويمسكون يديها ويقودونها للمنزل… قد يأت غداً فجراً..
قد يأتي مساءاً.
كل مساء تنتظره كي تزفه عريساً كما كان الموعد في آذار حيث موعد تسريحه من الجيش، قِدور الحناء السبعة المعجونة بدموع شقيقات الشهيد ل “ليلة الحناء” لازالت تختمر كي يزيد احمرار أيادي الصبايا ولا بد إنها ستزيد إحمرار إصبعة الشهيد أكثر من الدم الذي اشبع الكفن، بدلة العرس التي فصلت بإزراره الستة حسب رغبة الشهيد لليلة الزفاف لازالت مكويّةً في الخزانة، لم يتجرء الغبار والسنين من العبث بها أو الإقتراب منها.
علبة العطر التي جاءته من رفيقه الذي يسكن باريس لازالت مليئة كما هي، عندما غادر بعد إنتهاء إجازته الأخيرة، أوصاني الحفاظ عليها، كي يتعطر بها ليلة عرسه، كان يقول هذه العلبة باريسية “كجي” كان يقول لي “كجي” يقلد والده مازحاً، حافظي عليها كي لا يراه أحد سأستعملها ليلة العرس وأعُطيك الباقي إن تبقّى منها شيء.
لم يستعملها إلا يومٍ واحدٍ، لقد عطرني بها يومها قائلاً تعطّري “كجي” فهذا الرجل الذي يسمى والدي يحب العطور كإبنه ..احذري منه..إنه كإبنه له عشرة عيون لا ترون منها إلا إثنتين، لقد غادر وترك العطر في عهدتي.
ألبوم صوره لازال بجانب علبة العطر فيها صوركم كلكم يا أحبتي، على غلاف الألبوم ، هناك صورة للبرزاني وهو على حصانٍ أبيضٍ ينظر للشمس أو ربما الشمس تنظره، وبعدها صورةٌ لظاظا..في الصفحة الثانية والثالثة والرابعة أكثر من ثلاثين صورة لإردوان زاخوي و أياز يوسف ومحمد شيخو..قال لي تحت كل صورة هناك صورة لك “كجي ” لقد خبأتها كي لا يخطفها الشياطين أصدقائي هم صغار لكنهم كالشياطين، مكتبته لازالت كما هي ..لازلت اقترب منها حذرةً، فكلما كنت أقترب منها كان يقول لي، إعتبري هذا المكان كقطعة عسكرية ..دعوها..
أنا أنظفها بنفسي..
لا ترتبوها ولا تحملوا من هنا شيء..
حتى إن سقطت كل كتب المكتبة على الارض..
لا تلمسوها ..هذه الكتب..هي حياتي..”كجي ” ، مرة واحدة لم يهتم بكـُتبه، وكأنها قاذورات، عندما جرحتُ إصبعي بالسكين وأنا أطبخ له، ركض و رمى كتبه ليخرج من درج المكتبة مطهراً وشاشاً ليداوي إصبعتي.
في ذاك اليوم شعرت إنه أبي وأنا ابنته.
في هذا المساء وككل مساء، مرت مجموعة أصدقاء الشهيد وقد زادوه عشرة اعوام قائلين: أما زلت تنتظره يا أمنا يا أم الشهيد لقد إستشهد وهو في الجنة ..لقد مرت عشرة أعوام وإنت تنتظرينه كل مساء ..قالت لهم إنها عشرة أعوام بالنسبة لكم، لدى أم الشهيد هي فقط عشرة أعوام!! وما عشر أعوام وأنا أم الشهيد، وأنا التي تنتظرهُ كي أزفه عريساً…لقد إنتظرته كثيراً عندما كان صغيراً، عندما كان يأتي متأخراً من اللعب معكم ..كنت أغسله وهو الصبي المشاكس أصفعه على خده أسميها “صفعة القلق” ثم أقبّله مئة قُبلة في مكان الصفعة..كنت أمشط شعره صباحاً ومساءاً وأحضر له أوراقاً وأقلاماً فيرسم و”يشخبط”، كنت أريده متعلماً كي تتراكض الفتيات الجميلات ورائه عندما يكبر، كنت أريده أن يجلس بين الرجال فيكون له قدره ومكانته.
أباه أيضاً مثلكم لم يعد ينتظره بتلك اللهفة، صار رجلاً آخر، لم يعد ينتظره في المساء في الصالون مثلما كان يفعل وهو طالبٌ في الثانوي ويتأخر عند رفاقه، في هذه السنوات العشر الأخيرة إعتاد على تأخيره ، يقول أصبحت اثق به أكثر، فالشهيد لا يخاف عليه، إن تأخر حتى الساعة الثالثة صباحاً لا خوف عليه ، حتى وإن نام خارج البيت، يقول لي اباه تنتظرينه خارجاً كل يوم، لماذا لا تنتظريه هنا معي في البيت هو يعرف البيت جيداً، لا تقلقي سيعرف البيت ولن يتفاجئ لأننا فتحنا باب المنزل من الجانب الآخر، سيعرف حتى دون أن يسأل الجيران، صدقيني يا أم الشهيد ..سيأتي يوماً ويقنعني بحجته كما كان يفعل كل مساء عندما كان يتأخر عند رفاقه، سيأتي وحجته معه، ألا تكفي حجته إنه شهيد، الا يكفي إنه شهيد وأنا لازلت كما أنا، لقد وصلتنا رسالته التي يعشقها، وهي الحرية التي غاب عن البيت ثمناً لها، ألا تستحق الحرية غيابه، تعالي يا إمرأة وانتظريه معي هنا في البيت …سيأتي صدقيني.
أباه أيضاً مثلكم لم يعد ينتظره بتلك اللهفة، صار رجلاً آخر، لم يعد ينتظره في المساء في الصالون مثلما كان يفعل وهو طالبٌ في الثانوي ويتأخر عند رفاقه، في هذه السنوات العشر الأخيرة إعتاد على تأخيره ، يقول أصبحت اثق به أكثر، فالشهيد لا يخاف عليه، إن تأخر حتى الساعة الثالثة صباحاً لا خوف عليه ، حتى وإن نام خارج البيت، يقول لي اباه تنتظرينه خارجاً كل يوم، لماذا لا تنتظريه هنا معي في البيت هو يعرف البيت جيداً، لا تقلقي سيعرف البيت ولن يتفاجئ لأننا فتحنا باب المنزل من الجانب الآخر، سيعرف حتى دون أن يسأل الجيران، صدقيني يا أم الشهيد ..سيأتي يوماً ويقنعني بحجته كما كان يفعل كل مساء عندما كان يتأخر عند رفاقه، سيأتي وحجته معه، ألا تكفي حجته إنه شهيد، الا يكفي إنه شهيد وأنا لازلت كما أنا، لقد وصلتنا رسالته التي يعشقها، وهي الحرية التي غاب عن البيت ثمناً لها، ألا تستحق الحرية غيابه، تعالي يا إمرأة وانتظريه معي هنا في البيت …سيأتي صدقيني.