إنتفاضة الكورد سبقت الربيع العربي

نوري بريمو

في خضم هذه الراهن السوري المصيري الممهور بمواصلة الثورة حتى إسقاط نظام البعث والإتيان بنظام بديل ديمقراطي إتحادي لامركزي ينصف كافة شعوب بلاد الشام ويحقق الفدرالية لكوردستان سوريا، تمر ذكرى إنتفاضة 12 آذار 2004م التي سبقت الربيع العربي والثورة السورية، التي خاضها شعبنا الكوردي دفاعا عن مناطقه التي تعرضَتْ حينها لحملة عسكريتارية شعواء باغتت الديار بشرارة ملعب القامشلي وإمتدت إلى باقي المناطق، أمام أعين باقي السوريين الذين وقفوا موقف المتفرج السلبي من تلك الحملة السلطوية التي إستهدَفتْ تخويف شارعنا لإركاعه لمخطط شوفيني يرمي لمسح الكورد من الخارطة وإنكار وجودهم كثاني أكبر قوية في البلاد وصهرهم في بوتقة المخططات العنصرية التي عفا عليها الزمن.
في حين إستطاع الجانب الكوردي المُعتدى عليه عبر الأزمان، أن يعكس تلك الآية لصالحه وأن يقلب السحر على الساحر!، إذ أدرك على الفور خلفيات السيناريو البعثي وأبدى قدراً من العقلانية حيال ذلك الهجوم الجنجويدي الذي غزا ديارنا الآمنة وأدخل السكان المدنيين وجها لوجه في أتون مواجهات عنفية أفشَلتْ الرسالة الأمنية للنظام الذي أراد فرض هيبته وسطوته، مما أدى إلى إستشهاد العشرات وجرح المئات وإعتقال الآلاف من بنات وأبناء الكورد الذين وحّدوا كلمتهم وتضامنوا مع ضحايا المجازر الجماعية التي إرتكبها جلاوزة النظام بحق أهالي القامشلي وسَري كانيه وكوباني وعفرين وغيرها من المناطق الكوردية التي تحوّلت خلال عشرة أيام ساخنة إلى ساحة موجهات حقيقة فرضتها الأجهزة الأمنية والعسكر والمجموعات البعثية المسلحة التي إقتنصت الفرصة وصبّت بجام حقدها على متظاهري تلك الإنتفاضة الدفاعية المشرِّفة.
إنّ إنتفاضة آذار 2004 التي سطّر ملامحها شعب كوردستان سوريا، كانت عبارة عن ردة فعل طبيعية على تلك الغزوة الشوفينية التي أرادها النظام أن تكون بمثابة رسالة دموية غايتها الإنقضاض على إرادة شعبنا وثني عزيمته ولوي عنق حركته السياسية التي اجتمعت فورا وتوافقتْ فيما بينها وإحتكمت للخيار الوقائي والتهدئة وعدم الإنزلاق إلى دوامة العنف التي فتحت جرحا نازفا في جسدنا الذي كان مثخناً بالجراح جرّاء التعامل الأمني مع قضيتنا ومحاولات تعريب الكورد التي يتباهى بها العروبيون مع الأسف الشديد!، علماً بأن سوريا كانت وستبقى أحوج إلى إجراء تغيير ديمقراطي جذري كي تصبح دولة عصرية يتم فيها تداول السلطة ويسودها دستور يقرُّ بالتعددية والشراكة ويُنصف الجميع ويحترم الحق والعدل والقانون.
ورغم أنّ الأجواء الدولية والإقليمية والداخلية لم تكن مساعدة حينها وحالتْ دون تحقيق إنتفاضة غرب كوردستان لمكاسب ظاهرية!، ورغم أنها استبشرت وسبقت الثورة السورية بسبع سنوات تلذذ خلالها نظام البعث بنشوة الإنتصار المؤقت عليها، إلا إنتفاضتنا لم يتم وأدها وإستطاعت أن تحقق العديد من الأهداف الجوهرية التي جعلتها تكاد تخترق ظرفها الزماني والمكاني، ولذلك يمكن إعتبارها نقلة ثورية في معادلة الحراك الكوردي ومحطة مفصلية أثمرت إنجازات ميدانية يمكن إدراجها في اطار النوعية وليس الكمية، ولعلّ أبرز ما يُمكن أن يُقال هو أنّ إنتفاضة كوردستان سوريا (12 آذار 2004) حققتْ مايلي:
1 ـ إستطاعت أن ترسم خارطة الوجود القومي الكوردي بدماء الكورد الذين تضامنوا وتظاهروا بشكل علني في كافة المناطق الكوردستانية الملحقة بسوريا ما بعد سايكس بيكو 1916م، علما بأن النظام ظل يضلل العالم على مدى عقود ولم يعترف بوجد الكورد!.


2 ـ أعطت دفعاً للإنسان الكوردي ليتجرأ ويصمد في وجه اسطورة القبضة الأمنية التي انسحبْ حينها من جبهة الجولان وإستقدَمَتْ جحافل جيشها وكتائب حفظ نظامها إلى المناطق الكوردية التي ثار أهلها وهدّموا جدار الخوف وتصدّوا للغازين وردّوا كيدهم وحاولوا منعهم من استباحة الأرض التي لطالما إحتضنت أبناءهم وأجدادهم منذ أقدم العصور.
3 ـ أعادت الحيوية لوحدة حال الأشقاء الكوردستانيين وتعزيز صلات قرباهم وتمتين أواصر علاقاتهم الأخوية الصميمية التي وصلت إلى ذروتها أثناء الإنتفاضة حينما جرى ترجمتها عبر الدعم الإعلامي والمظاهرات والبيانات التي صدرتْ في إقليم كوردستان وفي باقي أجزاء كوردستان وفي المهجر.
4 ـ بُعَيد مرور ساعات قليلة من استشهاد الشبان الكورد في ملعب القامشلي بالرصاص الحي الذي صوبته نحوهم قوات الأسد، تلاقى مسئولو الأحزاب الكوردية وشكلوا فيما بينهم قيادة مشتركة تحت اسم (مجموع الأحزاب الكوردية) إختارت خيارا وقائياً لعدم نضوج مستلزمات ومقومات مواصلة الإنتفاضة آنذاك، ولكي لا يستفرد النظام بالكورد في ظل غياب وتفرّج قوى المعارضة السورية التي أدارت ظهرها لما يحدث، مع إحترامنا لعدد من المعارضين الذين بادروا وتحمّلوا مسؤولية ومخاوف زيارة المناطق الكوردية الساخنة والإلتقاء بالأطراف المعنية لتهدئة الأوضاع قدر الإمكان.
5 ـ نجحت في استعطاف الرأي العام العالمي وتوسيع دائرة أصدقاء الشعب الكوردي في كل مكان.

وبناء عليه فإن إنتفاضة 12 آذار 2004 المجيدة، حققت نجاحات لا يُستهان بها في وقت لم يكن يتجرأ فيه أي إنسان سوري بالنطق ولو بكلمة حق واحدة في وجه نظام الأسد الآيل حاليا إلى السقوط بفعل الضربات الموجعة التي يتلقاها وبفضل الملاحم البطولية التي سجلها أكثر من مئة ألف شهيد سوري لبوا نداء الثورة وسقطوا قربانا لتحرير البلد من سلطة البعث المصر على عدم الإعتراف بقرب هزيمته عاجلا أم آجلاً.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…