دولة كُردستان ما بين أتاتورك وأردوغان والخديعة

مرفان كلش

بعد الحرب العالمية الأولى، وبالخصوص في بدايات النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي، أوشكت لعبة الأمم حينها أن تؤسس دولة كُردية، كما أسست دولًا عربية عديدة في المنطقة. ولأهمية كُردستان بالنسبة لما تمّ تسميته لاحقًا بالجمهورية التركية، عمل أتاتورك لأجل ذلك بحنكة ودهاء، فتمكّن من خداع الكُرد والغرب معًا. وهذه قصة طويلة لست بصددها الآن. وساعده في ذلك قيام الثورة الروسية، وتأكد انتصارها الحتمي بعد عام 1920، فخاف الغرب من تداعياتها على أوروبا والمنطقة معًا، ما أدى به إلى القبول بشروط أتاتورك بمنع قيام دولة كُردستان المستقلة على حدودها التاريخية. فتمّت تجزئة الجغرافيا الكُردية الخاضعة لسيطرة الأتراك إلى ثلاثة أجزاء؛ ضُمّ قسم منها إلى العراق، وقسم آخر إلى سوريا، بينما تُرك القسم الأكبر لتركيا. وهكذا تمّ لأتاتورك ما أراده، بالتوافق مع فرنسا وبريطانيا أساسًا.

اليوم، وبعد قرن من تلك المؤامرة الظالمة، هناك احتمال قيام شرق أوسط جديد، يتمّ فيه رفع بعض الظلم الواقع على الكُرد. وقد أدركت الدولة العميقة في تركيا حقيقة ذلك، فأخذت تتحرك لخداع الكُرد مرة أخرى، من خلال ما تسميه مشروع السلام والقضاء على الإرهاب، تمنح من خلاله للكُرد ما لا يزيد عن عشرة بالمئة من حقوقهم كأقلية وليس كشعب يعيش على أرضه التاريخية. فوجد أردوغان ضالته في ذلك، ليتمكّن من كسب أصوات الكُرد لصالح مشروعه الخاص بتعديل الدستور بغية الترشح والفوز بالرئاسة مرة ثالثة، وغايته الأخرى توريث الحكم لأحد أفراد عائلته بطريقة أو بأخرى، خوفًا من الهزيمة والمحاكمة لاحقًا بتهم عديدة تشمله مع بعض أفراد عائلته، وبالتالي دخولهم الحتمي إلى السجن.

فهل سيتمكّن الكُرد هذه المرة من الإفلات من فخ أردوغان والدولة العميقة؟

وهل ستسمح لعبة الأمم الجديدة في المنطقة لتركيا وأردوغان بالنجاح كما فعلت مع أتاتورك؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…