أيّ سوريا نريد؟

د. محمود عباس

نحن لا نبحث عن شعارٍ بديلٍ فحسب، بل عن دولةٍ للجميع، ليست الجمهورية العربية السورية، بل الجمهورية السورية التي دمّرها نظامُ الأسد المجرمُ البائد.

 نبحث عن مشروعٍ وطنيٍّ جديدٍ يعيد تعريفَ مفهومِ الدولة بعد أن فقد معناه بين استبدادِ السلطة المجرمة وفوضى المعارضة العروبية والمنظمات الإسلامية التكفيرية.

نريد سوريا مدنية اتحادية لا مركزية، تُبنى على دستورٍ عادل يقرّ بالتعدد القومي والديني والثقافي، ويكفل المشاركة الحقيقية في القرار السياسي، لا التمثيل الشكلي ولا المحاصصة الطائفية.

سوريا التي نريدها لا يُعاد فيها إنتاج النظام الأمني بوجهٍ جديد، ولا تُستنسخ فيها منظمات تكفيرية إرهابية تمارس دور المربّعات الأمنية للنظام المجرم البائد، بل تكون دولةً حديثةً تُؤسَّس على فصل السلطات، واستقلال القضاء، وضمان حرية الرأي والتنظيم.

دولةٌ لا تقف فوق المواطن، بل تُوجَد لخدمته وصون كرامته، تُقيم العدل لا الخوف، وتُمارس السلطة بوصفها مسؤولية وطنية لا امتيازًا سلطويًا.

نريد دولة قانون، تُحاسَب فيها الحكومة أمام البرلمان، وليس برلمان معين ومنتخب من قبل رئيس السلطة التنفيذية أحمد الشرع، بحيث ترتعب فيما إذا حاولت أن تحاسب وزيرا أو أي فرد من السلطة التنفيذية.

دولةٌ تُنتخب سلطتها التنفيذية بإرادة الشعب الحرّة، لا تُفرض تحت مُسوّغاتٍ زائفة كما يُروَّج اليوم من قبل هيئة تحرير الشام بشعارها المخادع (من ربح الحرب يحكم ويدير الدولة).

فالجميع يعلم كيف جرى التخلّص من المجرم بشار الأسد ليُستبدل به أحمد الشرع، المدرج على قوائم الإرهاب، مع منظمته هيئة تحرير الشام، التي فُرضت على السوريين بالتحالفات التي جرت بين أمريكا وإسرائيل وروسيا وسخرت تركيا للمهمة.

سوريا تُدار بعقلٍ سياسي حديث لا بعقيدة تكفيرية، وخلافة الدولة، كالخلافة الأموية. دولة تتعامل بندّية مع العالم، وتبني علاقاتها على المصالح المتبادلة لا على الارتهان على مصالح تركيا وقطر.

نريد سوريا فيدراليةً تعدديةً، تحفظ لكل مكوّنٍ حقَّه في إدارة شؤونه ضمن إطار الوطن الواحد، وتُصان فيها الهوية الكوردية والعربية، والعلوية والدرزية، والآشورية والسريانية وسواها، باعتبارها ثراءً للوطن لا تهديدًا له.

وكان على جميع هذه الأطراف، وفي مقدمتها قيادة قوات قسد والإدارة الذاتية والحراك الكوردي بمختلف توجهاته، أن تكون أكثر وضوحًا وحزمًا في تأكيد هذا المطلب المشروع، بوصفه الضمانة السياسية والأخلاقية الوحيدة لبناء سوريا عادلة ومتوازنة.

دولةٌ لا يهيمن فيها حزبٌ واحدٌ ولا طائفةٌ واحدة، دولةٌ تفصل بين الدين والسياسة وفق المفهوم الجمعي للعقل الشرقي الإسلامي، وتفصل بين الدين والدولة كما هو الحال في المفهوم الغربي الحديث.

إنّ سوريا الجديدة لن تُبنى بقرارات تركيا وقطر، وذهنية الفرقة الناجية، والمذهب الوهابي وعلى مفاهيم أبن تيمية. بل بإرادة السوريين أنفسهم حين يدركون أن السياسة ليست إدارة السلطة، بل إدارة الاختلاف، وأنّ الوطن لا يقوم إلا على عقد وطني جديد يُعيد الثقة بين مكوناتها القومية والأثنية، بين الكورد والعرب، والعلويين، والدروز، والمسيحيين.

 

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

18/10/2025م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…