مام في الشام برؤية عربية (4)

مصطفى عبد الوهاب العيسى

إن حديث مام جلال عن لجوئه لمنزل روشن بدرخان خوفاً و قلقاً و حنيناً للقمة الأهل يُشعرك بمدى البساطة والطبيعة التي عاشها في دمشق كطالب جامعي قبل أي شيء آخر ، وهو ما حصل مع كثير من السياسيين العرب في تلك الفترة ، كما نبه حديثه لجزئية هامة وهي مدى تأثر روشن بدرخان بالوسط الكردي السوري والسوري عموماً في دمشق ، و هو ما يعرفه كل غريب قصد دمشق يوماً .

إن اهتمام روشن بدرخان الخاص به و نظرتها المستقبلية التي تنبأت بمستقبل سياسي هام لهذا الشاب ، والعلاقة التي أقل ما يمكن وصفها بالتاريخية بين امرأة ولدت في اسطنبول وعاشت في دمشق و رجلٍ ساقه القدر من جبال الكرد في السليمانية إلى دمشق ، يمكن أن تعطينا الجرأة بأن نقول بأنها إن لم تكن الأهم فهي من أهم مراحل حياة مام جلال .

إن النظر من الأعلى لسيرة حياة مام جلال بشكل كامل كان يُمكن فهمها أو التنبؤ بها بمجرد أن ترى شاباً و طالباً جامعياً يؤثر بشاعر و مثقف كبير بحجم جكرخوين و يُساهم في إقناع شخصية أكاديمية مرموقة مثل نور الدين زازا ( الحاصل على الدكتوراه حينها ) .

قال مام جلال في إحدى مقابلاته مع صحيفة الحياة اللندنية بأنه لا يخشى الاغتيال و بأنه مؤمن لا يخاف إلا ممن خلقه و استشهد بالآية القرآنية : (( إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون )) ، و هو ما تداوله محبوه بشغف لدلالته على إيمان هذا السياسي الذي كانت تهاجمه بعض الأطراف الإسلامية ، و لكن من يقرأ مام في الشام بدقةٍ و تمعن سيجد أو يقرأ بين السطور إيماناً لا يقل عن الإيمان الذي صرح به في مقابلته مع الحياة اللندنية .

أرى ، و قد أكون مخطئاً ، بأن شاباً لاجئاً كردياً عراقياً في الشام يوجه مطالبه عن طريق كمال رفعت حينها ( 1957 ) لزعيم جماهيري مثل جمال عبد الناصر و يؤمن بفرصة الاستجابة لمطالبه و مطالب شعبه من قبل الرئيس جمال عبد الناصر فيها ما لا يخلو من الإيمان بالله بعد العمل بالأسباب ( والتي وافق عليها طبعاً جمال عبد الناصر كما ذُكر في سلسلة مام في الشام ) .

لقد كان لدعوة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إلى حل القضية الكردية حلاً سلمياً عادلاً ، و دعم الحكم الذاتي لكردستان العراق ، و وقوفه ضد الحرب على الشعب الكردي أثرٌ كبيرٌ جداً في تحويل مسار القضية الكردية لقضية عالمية أو ذات أولوية في الشرق الأوسط على أقل تقدير بسبب كاريزما جمال عبد الناصر عالمياً وتأثيره الكبير عربياً ، وهنا لا أود طبعاً القول بأن موقف الرئيس جمال عبد الناصر الإيجابي بُني بتأثير من لقاءات و رسائل مام جلال فقط ، ولكن يمكن أن يكون دوره في إبراز الصورة الجميلة للشعب الكردي أمام جمال عبد الناصر من جهة و طرحهُ لمواضيع متعلقة بإيجاد شكل من أشكال التعاون العربي – الكردي و محاولة إقناع الرئيس عبد الناصر بلقاء الشخصية الكردية الأبرز حينها ( الملا مصطفى البارزاني ) في موسكو من جهة أخرى قد لعبا دوراً محورياً في موقف الزعيم العربي الأوحد في ذلك الوقت من القضية الكردية والنظر إليها بشكل عادل لا يختلف مع أهدافه القومية و أحلامه في الوحدة العربية .

وخلاصة القول في ما سبق بأن شبكة العلاقات الهامة والواسعة التي عمل عليها مام جلال مع الوسط العربي كان لها أثر ملموس في جذب انتباه و ود الرئيس جمال عبد الناصر والتأثير في موقفه من القضية الكردية ( وموقف زعيم بحجم جمال عبد الناصر أعتقد بأنه لا يحتاج منا شرحاً عن مدى تأثيره في الشارع العربي ) ، كما أن مجرد لقاء جمال عبد الناصر وعقد ذلك المؤتمر في بيروت ( للتعريف بالقضية الكردية ) لتوضيح أمرين اثنين للأمة العربية ( و ذلك بنصائح ثمينة من جمال عبد الناصر كما يقول مام جلال ) كان له دور كبير في نقل القضية الكردية لنطاق أوسع .

إن تعريف الوسط العربي بأن الكرد هم شعب أصيل يسكنون بلادهم كردستان منذ آلاف السنين ، و بأنهم ليسوا شعباً طارئاً وليسوا معادين للعرب بل إخوة لهم ، و أن الحركة القومية الكردية تعادي الانفصالية ولا تريد تقسيم العراق كان له الأثر البالغ في وقوف الكثير من العرب إلى جانب القضية الكردية منذ ذلك الوقت .

إن حضور مام جلال لمؤتمر الاشتراكية العربية عام 1967 في الجزائر ( وحينها كان الكردي الوحيد ) وهذه الاستجابة الفعلية كما يذكر الكاتب علي شمدين التي قام بها مام جلال بإصداره لكتاب كردستان والحركة القومية الكردية كان لها من الأثر ما لا يجب أن يغفل عنه الكرد في ما آلت إليه القضية الكردية لاحقاً .

فأيُّ دور بارز كان هذا الذي يلعبه شاب في منتصف الثلاثينات فقط في التعريف بقضية ، و طرحها ، و كسب الأنصار ، و حشد الآراء و الجماهير حولها !

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…