ماذا يريد – الابراهيمي – ؟

صلاح بدرالدين

 منذ أن خلف – الأخضر الابراهيمي – سلفه – كوفي أنان – كمبعوث دولي في متابعة ملف الأزمة السورية أراد اظهار سلوك طريق – شكلي – مغاير في ادارته وأسلوبه مشوب بالكتمان الشديد ومحاولة التمظهر بالاستقلالية والمهابة حتى عن من كلفوه بمهام الوساطة والادعاء أحيانا بعدم الاكتراث بتوافقات – موسكو وواشنطن – حول الشأن السوري لأنه ينطلق من قناعاته بحسب زعمه ثم سرعان مايهرول نحو موسكو ويجتمع بالمسؤولين الامريكان والأوروبيين في جنيف ودبلن ويعود الى الاعلان عن ضرورة ايجاد حل يباركه المجتمع الدولي
 هذه الازدواجية خلقت الانطباع السلبي الأول حول صورة الرجل في أنظار غالبية السوريين أما المأخذ الآخر على أدائه فهو القفز – كما سلفه – من فوق الثوابت الأساسية في أي حل والتي وضعتها الجامعة العربية في مبادرتها الأولى وأصبحت أساسا مقبولا من جانب مجلس الأمن وهي : ( وقف اطلاق النار من جانب البادىء الأول بالاعتداء والهجوم كخطوة أولية وهو النظام وسحب جيشه وآلياته العسكرية من المدن والمناطق السكنية واطلاق سراح السجناء والمعتقلين والقبول بالتظاهرات السلمية وتاليا وبعد تنفيذ كل ذلك يأتي الحوار بعد الاتفاق على جدول أعماله وآلياته وضماناته ) وقد وصل الأمر به الى التساوي بين الضحية ( الشعب السوري ) والجلاد ( النظام ) والمطالبة بأن يحذوا الثوار حذوه ويتجاوزوا كل الثوابت السالفة ذكرها ويشترك بعضهم في حكومة معدلة يترأسها أحد أعمدة النظام وبوجود الطاغية وتحكم كل فروع الأمن والمخابرات واستمرارية كل مؤسسات النظام وقواعده وبناه وخطابه وثقافته وسياساته لقد أثبت – الابراهيمي – بنهجه هذا أنه فعلا من افرازات النظام العربي الرسمي منذ أن كان جزءا من النظم العسكرية والأمنية الجزائرية مرورا بمسؤولياته في جامعة الدول العربية ومازال الابن البار للمؤسسة العربية الرسمية ويمت بصلة القربى حديثا الى مصالح الدوائر الحاكمة في العالم والمتحكمة بمصائر الشعوب وبالتالي لم ولن يشعر يوما بأنه جزء من أهداف ثورات الربيع في سبيل الحرية والكرامة التي قد تطيح يوما بنظام بلاده المتعاطف مع رديفه الأسدي .

    كما يظهر لايريد المعنييون بالملف السوري وخاصة أنظمة الجامعة العربية وأعضاء مجلس الأمن ومبعوثيهم أن يفهموا او أنهم يعلمون ولكنهم يتجاهلون أن الثورة السورية كأحد أهم روافد ثورات الربيع هي حدث غير عادي وظاهرة موضوعية تاريخية مستمرة ليست سلطة موازية لسلطة الاستبداد حتى تتحاور معها وتتقاسمها السلطات وهي قامت وتطورت من حركة سلمية اصلاحية محدودة الى انتفاضة ثورية وطنية شاملة من أجل اسقاط هذا النظام وليس التحاور معه أو اصلاحه المستحيل أو المشاركة معه في حكومة ائتلافية فالثورة الشبابية السورية التي وبمرور الزمن احتضنتها الجماهير الشعبية الواسعة في المدن والريف ومنحتها الشرعية الوطنية لم تقم على أساس برامج بل بصورة عفوية واذا كانت لديها تصورات بشأن تفكيك سلطة الاستبداد وبنود الدستور القادم ومعالم النظام السياسي الديموقراطي التعددي البديل فانها لم تضع لها خططا من أجل التفاوض مع الحاكم الا في حالة التسليم والاستلام وتقديم القتلة والمجرمين الى القضاء العادل واذا كان البعض وبينهم الابراهيمي يعيرها بسلبية هنا أو جحيم هناك ويرمي عليها الشبهات بالتوازي مع تلفيقات النظام الاعلامية نقول نعم تشهد ثورات العالم جميعها خلال مساراتها مظاهر عرضية غير مرغوبة والثورة السورية بمسيرتها الأطول لاتشذ عن هذه القاعدة العامة في مرحلة اسقاط النظام ولكنها كفيلة بتجاوزها وحل اشكالاتها لتسير العملية كما يريدها ويقررها الشعب السوري المترفع عن كل أشكال العنصرية والطائفية البغيضتين والمتمسك بمبدأ اعادة بناء دولته الديموقراطية التعددية التشاركية بين كافة مكوناته القومية والدينية والمذهبية المتعايشة بأمان ووئام وعلى قاعدة التسامح والسلم الأهلي والوحدة الوطنية .
    على هؤلاء أن يعلموا أن بناء المجالس واعادة بناء وتمويل الائتلافات وتلميع هذه الجماعة أوتلك ومحاولة خلق وانتاج من يتقن لغة الدبلوماسية والحوار في صفوف المعارضات لن يغير من الأمر شيئا فالسورييون اتخذوا قرارهم والثوار في طريقهم لدك عرش الاستبداد وهم خير من يتقنون الدبلوماسية الرفيعة في المرحلة الآنية ونقول لهم لقد أخطأتم بحق شعبنا منذ اندلاع ثورته مرتين : الأولى عندما بذلتم الجهد والمال وأشرفتم على الولادة القيصرية ” للمجلس الوطني السوري ” وسلمتم أمره للاسلام السياسي ورأس حربته الاخوان المسلمون واعترفتم به علنا ثم يستدرك بعضكم الآن أن الثورة السورية تحولت سلفية وقاعدية وارهابية تماما كما فعلتم في أفغانستان ابان موجة الجهاد والثانية عندما تحاولون الآن التنكر للأهداف الحقيقية للثورة وتمرير صفقات وتطبيق أنصاف حلول بحيث يتم الحفاظ على بنية النظام ومؤسساته تجاوبا مع مصالح اقليمية ودولية المتعارضة بهذا الشأن مع مصالح الشعب السوري التواق الى التغيير وذلك عبر الوليد المعدل ” الائتلاف الوطني ” وشراكة ” هيئة التنسيق ” بحسب المقترحات الايرانية الروسية المعدة منذ أكثر من عام والتي باركتها تفاهمات روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ويحملها الابراهيمي كمايتردد في مختلف الأوساط .
    اذا كنتم جادون في مخططكم وسائرون في مشروعكم تجاه القضية السورية فمن حق شعوب المنطقة وخاصة شعوب بلدان الربيع العربي أن تتوجه اليكم بأصابع الاتهام في تواطئكم بالتآمر على ثورات تونس ومصر واليمن واجهاضها وافراغها من المحتوى الثوري وتركها يتيمة ولقمة سائغة لتعبث بها جماعات الاسلام السياسي ولم يعد خافيا أن تجاهل المجتمع الدولي والقوى الفاعلة فيه لمعاناة الشعب السوري وحرمانه من الدعم والاسناد ليس له أي تفسير سوى استخدام ذلك للضغط عليه للرضوخ لشروط نظام الاستبداد ولكن ذلك لن يمر مهما طال الزمن ولابديل للانتصار عاجلا أم آجلا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…