فواز عبدي
تقول نشرات الأخبار العربية أن عمر ياغي الأردني-الفلسطيني-السعودي فاز بجائزة نوبل للكيمياء!! لكن الحقيقة هي أن الذي فاز هو عالم الكيمياء الأمريكي عمر ياغي.
فعمر ياغي الفلسطيني الذي ولد في الأردن عام 1965 هاجر الأردن والبلاد العربية عام 1980، أي حين كان في الخامسة عشرة من عمره.. هاجر عن بيئة تضيق بأحلامه، إلى فضاء يمكنه أن يتنفس فيه..
هاجر يحمل معه شغفاً في الكيمياء ولغة إنكليزية ضعيفة.. لكنه كان يحمل شيئاً أثمن من اللغة: إرادة المعرفة، وألاّ يخاف من السؤال.
في أمريكا درس وحسّن لغته وبحث وابتكر إلى أن استطاع أن يغير وجه الكيمياء..
درس في جامعات أمريكا؛ جامعة ألباني وجامعة ألينوي ونال درجة الدكتوراه بإشراف بروفيسور أمريكي وتابع أبحاثه في جامعة هارفرد تحت إشراف بروفيسور أمريكي أيضاً.. وبعدها عمل مدرسا في أشهر الجامعات الأمريكية ومختبراتها حتى صار اسماً يُذكر في تاريخ العلم…
ثم بعد كل هذا، منحته السعودية جنسيتها! بعد أن صار عالِماً معروفاً عالمياً..
لكن، ماذا لو لم يهاجر ياغي إلى أمريكاّ؟!
ماذا لو بقي في العالم العربي؟!
ربما –وفي أفضل الحالات- كان سيصبح مدرساً متميزاً معروفاً في مدينته..
وربما كانوا سيكرمونه في يوم المعلم “العربي”!
ثم يطلبون منه زيادة في عدد ساعات التدريس على حساب البحث والتجريب..
وربما كان يمنع من السفر إلى الخارج لحضور مؤتمرات عالمية بحجة “الميزانية لا تسمح”، ولا أحد كان سيعرف مصيره فيما لو أنه فكر خارج المنهج!!
في عالَم تُبنى فيها المختبرات على الولاءات لا على الكفاءات، يصبح العالِم مهدداً بالإقصاء.. –وللإقصاء في مثل هذه العوامل أشكال عديدة متعددة، أبسطها الطرد من الوظيفة-!!
إذن، الذي فاز بجائزة نوبل هو عمر ياغي الأمريكي..
أما عمر ياغي العربي فقد غادر منذ زمن بعيد.. هاجر باحثاً عن مكان يحضنه ويرعى أحلامه..
اختار أن يصبح أمريكياً لا رغبة في هوية جديدة –رغم شرعية الرغبة-، بل بحثاً عن حرية، بحثاً عن فضاء يسمح له أن يكتشف، لا أن يبرر ويبرر ويبرر..
ربما لم يغادر ياغي وطنه فحسب، إنما غادر استعماراً داخلياً؛ استعماراً يعتبر الطاعة فضيلةً والسؤالَ جريمةً.. والاجتهادَ خروجاً عن الإمام ورِدَّةً تستوجب العقاب!
ياغي ليس استثناء.
ياغي نموذج لمن ولد في بيئة ضيقة واضطر إلى الهجرة باحثاً عن مكان يتسع لعقله وأحلامه.. لمن أراد اكتشاف نفسه في لغة أخرى غير لغته التي احتكرتها الأنظمة ورفعتها سيفاً على من لا يتحدث بها حتى غدت لغة هيمنة، لا وعاء للمعرفة.
هو ياغي آخر في الكيمياء أو في الأدب أو في الفن أو في الموسيقى….
احتفلوا بياغي كما تشاؤون، لكنْ تذكروا شيئاً واحداً:
كل مبدع يولد بينكم، يضع مع أول سؤال يخطر له: تذكرةً بأي اتجاه بعيداً عن العرب، قريباً من أحلامه.
والسؤال الجوهري:
هل على العرب أن يحتفلوا به لأنه منهم، أم عليهم أن يعتذروا له لأنهم لم يكونوا له!؟
ملاحظة: المعلومات عن سيرة عمر ياغي الشخصية، مأخوذة من المواقع الإلكترونية.