عبدالجابر حبيب
الحرية و التعايش:
في صمت الشوارع، حيث تتراقص أشعة الشمس على جدران المنازل المهجورة، وتتنفس الأشجار بين شقوق الأرصفة، يظهر الوطن كلوحة حية: مزيج من الضوء والظل، من الصمت والحركة، من الاختلاف والتلاقي. كل زهرة في البستان تحمل لونها الخاص، وكل نهر يجد طريقه بحرية، كذلك البشر: لهم أفكارهم، معتقداتهم، ورؤاهم.
الوطن للجميع:
الوطن لا يُحتكر بفكر واحد، ولا يزدهر إلا حين يُسمح لكل اختلاف أن يجد مكانه. كل إنسان يحق له أن يؤمن بما يشاء، والدين لله، والوطن للجميع؛ شعار يبدو بسيطاً، لكنه مفتاح الحياة المشتركة، وشرط التعايش السلمي بين كل الأطياف. فالتعصب والتطرف لا يصنعان إلا الانقسام والكراهية، بينما الحوار والاحترام المتبادل يزرعان الجذور الصلبة للوطن الحقيقي.
حين يفشل التلقين والإكراه:
سوريا اختبرت على مدى نصف قرن قوة التلقين والأيديولوجية القسرية. من خلال مؤسسات مثل طلائع البعث، حاولت الدولة أن تزرع الولاء منذ الطفولة، معتقدة أن النفوس الصغيرة ستكبر مطيعة للأيديولوجية.
لكن الأطفال حين كبروا، صار كثير منهم يلعن ما تلقوه، ويرفض ما فرض عليهم. صور الرؤساء، الأقوال، الكتب المدرسية، كل ذلك ذاب في سلال النسيان والتهميش.
الدرس هنا واضح: حتى أقوى الأيديولوجيات، مهما امتلكت من أدوات، لا تستطيع إجبار القلوب الحرة على الإيمان بما لا تؤمن به. كما قال جون لوك:
“التعليم الذي يفرض الإيمان لا ينتج إلا التمرد لاحقًا.”
الإيمان الحقيقي لا يُزرع بالقوة، بل بالحرية، بالفهم، وبالحوار الصادق. تجربة طلائع البعث تؤكد أن الأيديولوجية القسرية تفشل في النهاية، حتى مع أقواها وأصحاب السلطة.
اساس النهضة:
سوريا لن تنهض بالرصاص، ولن تُبنى على الانتقام، ولا على حصار الأفكار. الطريق الحقيقي للنهضة يكمن في:
فتح نوافذ الحوار بين جميع الأطياف، ليصبح كل صوت مسموعاً وكل فكرة محترمة.
الاستفادة من تجارب الماضي لتجنب تكرار الفشل، لأن التاريخ مرآة صادقة لمن يريد التعلم.
التركيز على القيم المشتركة التي تجمعنا، لا على الخلافات التي تفرقنا.
كما قال غاندي:
“السلام لا يتحقق بالقوة، بل بالمقاومة السلمية والفهم المتبادل.”
الوطن يتسع للجميع، والشراكة الوطنية هي أساس سوريا القادمة، سوريا السلام والكرامة. لنجعل لغة الدولة الحوار والمواطنة والمصير المشترك، لا الإكراه أو القمع. حين يصبح الحوار لغة المجتمع، والاحترام متبادلاً، يصبح الوطن مكاناً آمناً يسكنه الجميع بالحرية والعدالة والمواطنة الكاملة.
عبرة الماضي:
من تجربة الماضي تعلمنا أن فرض الأيديولوجيات لا ينجح، وأن التعايش الحقيقي يقوم على الاحترام المتبادل، والحوار الصادق، والشراكة الوطنية الحقيقية. حينها فقط، يمكن أن يصبح الوطن حاضناً لكل أبنائه، مزدهراً بالسلام والكرامة، قادراً على المستقبل.
الوطن للجميع، والحوار طريقه، والحرية قلبه، والمواطنة أساسه. حين ندرك ذلك، يصبح كل حجر في الشارع، وكل ضوء على جدار المنزل، وكل زهرة في البستان، رمزاً للحرية، والتنوع، والأمل.