قراءة في موقف الشعب الكردي من المرحلة الانتقالية

مسلم شيخ حسن – كوباني

لعقود، ظل حلم الحرية والعدالة والمساواة طموحاً أساسياً للشعب السوري بجميع مكوناته وخاصة الشعب الكردي الذي قدم تضحيات جسيمة في سبيل هذا الهدف. فقد ارتبط النضال الكردي في سوريا تاريخياً بالسعي نحو الاعتراف بالهوية والحقوق القومية والثقافية وبالمطالبة ببناء دولة يسودها العدل والمواطنة المتساوية.

مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، اعتقد الكثيرون أن صفحة جديدة قد فتحت في التاريخ السوري الحديث وأن حقبة من القمع والإقصاء والتمييز قد طويت نهائياً . فقد استبشر السوريون عامة والكرد خاصة بإمكانية بناء نظام ديمقراطي يضمن حقوق جميع المكونات على أساس المواطنة والمساواة أمام القانون.

غير أن ما تلا ذلك تطورات من المرحلة الانتقالية أثار خيبة أمل عميقة في الأوساط الشعبية لا سيما بعد إعلان الحكومة الانتقالية عن قائمة الأعياد والعطل الرسمية في البلاد. ومع كل ما حملته هذه الخطوة من رمزية سياسية وثقافية أعادت هذه الحكومة تسمية يوم 21 آذار عيد النوروز، رمز حرية الشعب الكردي ونهضته – بـ”عيد الأم” كما كان في عهد النظام البائد .

إن هذا القرار لم يكن مجرد إجراء إداري بل اعتبر دليلاً على استمرار الذهنية الإقصائية ذاتها التي حكمت البلاد لعقود. فبدلاً من تبني سياسة جديدة تعبر عن التعددية الثقافية والاعتراف بالتنوع القومي حيث اختارت الحكومة الانتقالية تجاهل الرموز الوطنية التي تمثل شريحة واسعة من المجتمع السوري. وبذلك ، بدا واضحاً أن التغيير السياسي لم يفض بعد إلى تحول فكري أو مؤسساتي حقيقي في بنية الدولة.

إن خيبة الأمل التي يعيشها الشعب الكردي اليوم تعكس وعياً متزايداً بأن إسقاط النظام وحده لا يكفي لتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية. فالثورات، مهما كانت تضحياتها لا تقاس بنتائجها العسكرية أو السياسية المباشرة بل بمدى قدرتها على تغيير الوعي الوطني وبناء دولة تحتضن جميع أبنائها دون تمييز.

وعليه ، فإن استمرار العقلية المركزية والإقصائية في إدارة الدولة السورية يهدد مستقبل الاستقرار الوطني لأنه يعيد إنتاج الأسباب نفسها التي أدت إلى انهيار النسيج الاجتماعي سابقاً. لذا، تتطلب المرحلة الراهنة من النخب السياسية والثقافية تبني نهج جديد يرسخ مفهوم المواطنة الواسعة ويعيد الاعتبار للتنوع كمصدر للثروة والقوة، لا تهديداً للوحدة الوطنية.

إن التجربة السورية بعد سقوط النظام تظهر أن التغيير الحقيقي لا يتحقق بمجرد إسقاط رأس السلطة بل بترسيخ قيم العدالة والمساواة في الوعي الجمعي ومؤسسات الدولة. فالشعب الكردي الذي ضحى بآلاف الشهداء باسم الحرية لا يسعى إلى امتيازات بل إلى الاعتراف المتبادل والسعي إلى التعاون الحقيقي في بناء مستقبل جديد لسوريا  حيث يكون عيد النوروز عيداً وطنياً يوحد ولا يفرق، ويرمز إلى ميلاد وطن حر يتسع للجميع.

9 / 10 / 2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…