ريوان ميراني
يقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي:
إذا الشعبُ يومًا أراد الحياةَ
فلا بُدّ أن يستجيبَ القدرْ
ولا بُدّ لليل أن ينجلي
ولا بُدّ للقيد أن ينكسرْ
انطلاقًا من هذه الأبيات التي تدعو الشعوب إلى الحرية وكسر قيود الطغيان، يمكن القول إنَّ شعب كوردستان اختار في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر 2017 أن يتوجه إلى صناديق الاقتراع، ليُعلن رغبته في أن يكون سيِّد نفسه، وأن يرى علمه يرفرف بين أعلام الأمم، وقد ارتوى بدماء أبنائه الزكية. وعندما طُرح سؤال الاستفتاء: هل تؤيد أن يكون إقليم كوردستان دولة مستقلة؟، جاءت الإجابة ساحقة: أكثر من 90% قالوا “نعم”، بنسبة مشاركة تجاوزت 70%. كان ذلك تعبيرًا صريحًا عن حلم الاستقلال الذي رافق الكورد لعقود طويلة.
منذ أن رُسمت خارطة العراق الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، وضُمَّت أجزاء من كوردستان إليها قسرًا وفق مصالح القوى الكبرى آنذاك، عاش الكورد محطات قاسية من الاضطهاد على يد الأنظمة المتعاقبة في بغداد، من الحكم الملكي مرورًا بالجمهوري، ووصولًا إلى نظام البعث سيِّئ الصيت. ولم يتنفس الشعب الكردي الصعداء إلا بعد سقوط النظام البائد عام 2003، على أمل أن يكونوا شركاء حقيقيين في الوطن. لكن سرعان ما ظهرت الخلافات مع بغداد، التي تجاهلت دور الكورد في دعم العملية السياسية بعد 2003، ولم تتوقف الأزمات من قطع الموازنة ورواتب الموظفين، وتعطيل تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الخاصة بالمناطق المتنازع عليها، وصراعات سياسية واقتصادية متكررة. هذه التحديات دفعت القيادة الكوردستانية إلى طرح خيار الاستفتاء كخطوة نحو ممارسة الحق المشروع في تقرير المصير.
غير أنَّ الاستفتاء قوبل برفض واسع. فالحكومة العراقية اعتبرته غير دستوري، واتخذت إجراءات مشددة مثل حظر الطيران الدولي وغلق المنافذ الحدودية بالتنسيق مع دول الجوار. تركيا وإيران رفضتاه بشدة خشية انتقال آثاره إلى أقليات قومية داخل أراضيهما. أمَّا المجتمع الدولي فاختار الحذر، داعيًا إلى الحوار بين بغداد وأربيل، من دون الاعتراف بالاستفتاء.
ينظر القانون الدولي إلى الاستفتاءات في إطار مزدوج: فمن جهة، تنص المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها، بما يشمل اختيار شكلها السياسي بحرية. ومن جهة أخرى، يؤكد القانون على سيادة الدول ووحدة أراضيها. لذلك لا يحظى أي استفتاء بالشرعية الدولية إلا إذا جرى وفق الدستور الداخلي للدولة الأم أو نال اعترافًا دوليًا واسعًا. وفي حالة كوردستان، ورغم النتيجة الكاسحة، فإن الاستفتاء الأحادي الجانب جعله غير ملزم دوليًا، كاشفًا عن التناقض الدائم بين الطموح القومي والمشروعية الدولية.
يبقى استفتاء كوردستان لعام 2017 محطة فارقة في التاريخ السياسي الكردي. فقد جسَّد حلمًا مشروعًا للشعب في الاستقلال، لكنه اصطدم بجدار صلب من التعقيدات القانونية والسياسية. وإذا كان حق تقرير المصير مبدأً راسخًا، فإن تحويله إلى دولة فعلية يتطلب أكثر من أغلبية شعبية؛ يحتاج إلى توافق داخلي، قبول إقليمي، واعتراف دولي. وهكذا يظل الحلم الكردي بالاستقلال حاضرًا، وإن كان مؤجَّلًا، يرفرف في الوجدان بانتظار لحظة تلاقي الإرادة الشعبية مع شروط السياسة الدولية.