بين من باع نفسه لشعبه… ومن باع شعبه لنفسه

سمكو عمر لعلي
في صفحات التاريخ، تتمايز الخطوط كما تتمايز المعادن؛ فهناك من صاغ ذاته ذهباً خالصاً بالتضحية، وهناك من لطّخ وجهه ببريق زائف من مالٍ وجاه.
الفئة الأولى هم رجال صدقوا العهد، نذروا حياتهم لقضية شعبهم، فكانوا وقود الثورة وصوت المظلوم. لم يسعوا إلى كرسي أو منصب، ولم ينحنوا أمام فتنة المال، بل قدّموا أرواحهم جسوراً ليعبر عليها الوطن. هؤلاء، وإن خسروا المال، فقد ربحوا ما لا يفنى: محبة الناس وخلود الاسم في ذاكرة الأمة. إنهم الضمير الحي الذي يذكّرنا بأن الأوطان تُبنى بالوفاء لا بالمساومة.
أمّا الفئة الثانية، فهي وجوه تجيد التزيّن بالمظاهر الأنيقة، وتعرف كيف تحيك الخطب والشعارات، لكنها في جوهرها خواء. عملت ليل نهار لا خدمةً للشعب، بل خدمةً للذات. تسلّقت على جراح الوطن، واقتنصت الكراسي لتملأ الجيوب، لا لتصنع مجداً. فخسرت الحبّ الشعبي، وربحت مالاً سرعان ما يتبدّد، وتاريخاً أسود يطاردها مهما تلوّنت.
إن الفرق بينهما هو الفرق بين الثابت والمتزلزل، بين من يزرع بذور الحرية في أرضٍ عطشى، ومن يقتات على عطشها. الأول وإن عاش فقيراً، عاش عظيماً، والثاني وإن اغتنى، ظلّ هزيلاً في أعين التاريخ.
وهنا تبرز الحقيقة السياسية الكبرى: أن الشعوب لا تُقاس بعدد أحزابها ولا بعدّة كراسيها، بل بقدرة رجالها المخلصين على تحمّل الأمانة. وما أشدّ حاجة أوطاننا اليوم إلى أولئك الصادقين، وما أشدّ بلاءها من أدعياء الوطنية الذين لا يرون في الوطن سوى غنيمة.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…