هل أَفِلَ نجم المجلس الوطني الكردي؟ قراءة في خطاب التجييش

أكرم حسين
مع تسارع التحولات في المشهد السوري عامة، والكردي على وجه الخصوص، تصاعدت في الآونة الأخيرة أصوات تُشكّك بجدوى المجلس الوطني الكردي وفاعليته السياسية، بل وتذهب إلى حد القول إنه بات خارج معادلة الحلول المنتظرة. هذا الخطاب برز بشكل أوضح بعد توقيع اتفاقية ١٠ اذار  ٢٠٢٥ بين الرئيس الانتقالي احمد  الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي ، حيث رأى البعض أنها تؤسس لمرحلة جديدة لا مكان فيها للمجلس ، استناداً إلى منطق القوة الميدانية وشرعية السلاح. وفق هذه الرؤية، فإن أي تسوية سورية مقبلة ستكون حكراً على القوى العسكرية وحدها، فيما تُقصى الكيانات غير المسلحة إلى موقع المتفرج.
غير أن هذا الخطاب، المنتشر عبر بعض المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، يعكس في جوهره نزعة إقصائية متسرعة تقوم على قراءة ضيقة للعمل السياسي ومفهوم الشرعية. إذ يتم تجاهل حقيقة أن المجلس الوطني الكردي ليس جسماً طارئاً أو تكتيكياً، بل هو حصيلة مسار نضالي طويل خاضته الأحزاب والحركات القومية الديمقراطية الكردية، دفعت خلاله أثماناً باهظة دفاعاً عن الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا. فمنذ تأسيسه عام 2011، مثّل المجلس إطاراً سياسياً معبّراً عن الصوت الكردي في صفوف المعارضة السورية، وطرح بوضوح مطالب الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي، وضمان المساواة في إطار دولة ديمقراطية لامركزية.
إن اختزال الشرعية السياسية في معيار القوة المسلحة يعد تبسيطاً مضللاً؛ فالتجارب السورية خلال العقد الماضي أوضحت أن القوى العسكرية، رغم سطوتها الميدانية، يمكن أن تتراجع أو تتلاشى إذا افتقرت إلى الدعم الدولي أو أخفقت في بلورة مشروع سياسي جامع ومقبول. لان الشرعية المستدامة تُبنى على قاعدة التمثيل الشعبي، والوضوح في الرؤية السياسية، والقدرة على إقامة علاقات متوازنة وطنياً وإقليمياً، وهي مقومات ما زال المجلس الوطني الكردي يحتفظ بها رغم التحديات الكبيرة التي تواجهه.
صحيح أن المجلس يمر بمرحلة حرجة تتطلب مراجعة شاملة وإصلاحات عميقة وإعادة تموضع سياسي، إلا أن ذلك لا يعني نهايته. فكل كيان سياسي يمر بدورات صعود وهبوط، والمعيار الحقيقي لفاعليته يكمن في قدرته على النهوض واستعادة المبادرة في اللحظات المفصلية ، وبالتالي فإن الدعوات التي تتحدث عن أفول المجلس تتجاهل امتداده الشعبي وصلاته الوطنية والإقليمية، وخاصة مع إقليم كردستان، كما تنطلق من منطق إلغائي يختزل السياسة في أحكام نهائية مسبقة ، والحال أن المرجعية الوحيدة التي تحدد الشرعية والتمثيل هي إرادة الشعب، لا من يمتلك السلاح.
إن إقصاء المجلس لمجرد كونه غير مسلح لا يُفرغ السياسة من مضمونها المدني فحسب، بل يُكرّس عسكرة القرار ويجعل القضية الكردية أسيرة مشاريع ضيقة لا تحتمل التنوع ،  وهو نهج لا يخدم المصلحة الكردية ولا المستقبل السوري. لذلك فإن المرحلة الراهنة تتطلب خطاباً واقعياً عقلانياً يؤكد على التكامل بين القوى الكردية، وبناء قواسم مشتركة لشراكة حقيقية، بدلاً من الانزلاق إلى خطاب الإلغاء والتجييش.
وعليه، فإن المجلس الوطني الكردي، برصيده السياسي وتجربته وعلاقاته وامتداده المجتمعي، ما يزال رقماً مهماً وشريكاً حقيقياً لا يمكن تجاوزه في أي عملية سياسية جادة تهدف إلى إنصاف الشعب الكردي ضمن سوريا ديمقراطية تعددية، تحترم التنوع وتصون وحدة البلاد .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…