الشعب الكوردي بين حق تقرير المصير ومفاهيم الأقليات.. رأي قانوني

المحامي عبدالرحمن محمد

لا داعي لخلط الأوراق أكثر.
فالكثير من الساسة والمثقفين، إضافة إلى أتباع الأحزاب، لا يميزون ولا يفرقون بين الأقليات القومية والدينية والمذهبية والطائفية من جهة، وبين الشعوب كالشعب الكوردي من جهة أخرى.

في الحقيقة والواقع، الكورد ليسوا أقلية قومية، بل هم شعب يعيش على أرضه التاريخية.
ونتيجة للمصالح الدولية والإقليمية، واتفاقيات مناطق النفوذ والانتداب، تم تقسيم كوردستان وضم جغرافيتها إلى عدة دول، وتوزيع شعبها بينها، دون الأخذ بعين الاعتبار رغبات وإرادة وتطلعات الشعب الكوردي في تقرير مصيره، أسوة ببقية شعوب العالم.

لقد تعرض الشعب الكوردي لمظلومية تاريخية كبيرة، تمثلت في حرمانه من حق تقرير المصير، وهو حق مكفول للشعوب بموجب القانون الدولي، كحق فطري ومكتسب سياسي وحقوقي.
هذا الحرمان حرم الكورد من الاستقلال، ومن إقامة دولتهم الخاصة، ومن التحرر من التبعية والظلم والاضطهاد القومي والوطني والسياسي والحقوقي.

إن مفهوم الشعب أو الشعوب أو الجماعات يرتبط ارتباطاً مباشراً بمبدأ حق تقرير المصير وفق القانون الدولي، بينما مفهوم الأقليات القومية أو الدينية أو المذهبية أو الطائفية لا علاقة له إطلاقاً بحق تقرير المصير.

ولتوضيح ذلك أكثر:
بما أن الكورد شعب يمتلك مقومات وشروط وأركان الدولة، وهي الأرض والشعب والسلطة أو السيادة، فمن حق الشعب الكوردي أن تكون له دولته الخاصة، وأن يقرر مصيره بنفسه، وينال حريته واستقلاله وفق القانون الدولي.

في المقابل، ليس من حق الأقليات القومية أو الدينية أو الطائفية أو المذهبية، كالعَلويين والدروز، المطالبة بحق تقرير المصير، لأن هذا الحق يقتصر على الشعوب التي تتوافر فيها عناصر الدولة.

لقد ارتكبت الأحزاب الكوردية سابقاً خطأً سياسياً وحقوقياً جسيماً بحق الشعب الكوردي، عندما ربطت مصير وحقوق الشعب الكوردي السياسية بمطالب المعارضات في دول محتلي كوردستان.
والحقيقة أنه لا يوجد فرق جوهري بين مواقف وسياسات وممارسات دول محتلي كوردستان ومعارضاتها تجاه القضية الكوردية وحقوق الشعب الكوردي.

اليوم، وللأسف، يكرر البعض الخطأ ذاته، ولكن عن جهل وقصور معرفي، وقلة وعي سياسي وثقافي وحقوقي وقومي ووطني كوردي.
إذ يطرح البعض مفهوم ومصطلح الأقليات على الشعب الكوردي، وهو أمر خاطئ تماماً، ويستوجب الانتقاد والتحذير.

لذلك يجب الابتعاد عن خلط المصطلحات التي لا تنسجم مع واقع وحقيقة القضية الكوردية، وطرح القضية الكوردية وفق القانون الدولي باعتبارها قضية حق تقرير مصير لشعب يعيش على أرض محتلة، وليس مسألة أقليات قومية أو طائفية أو مذهبية أو إدارات محلية ذاتية اللامركزية الإدارية.

ومن المهم التذكير بأن هناك فرقاً جوهرياً بين التعددية السياسية والتعددية العددية، وكذلك بين الأغلبية والأقلية، وهذا ما يجب إدراكه بوضوح عند تناول القضية الكوردية.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين المجتمع الأمريكي من اكثر المجتمعات بالعالم تنوعا من النواحي العرقية ، والثقافية ، والجنسية ، فبخلاف اهل البلاد الأصليين من الهنود الحمر الذين عاشوا الحياة البدائية لقرون غابرة ، والذين انقرضوا بمرور الزمن ، هناك مئات الملايين من مهاجرين من عشرات الانتماءات القومية ، والثقافية لشعوب أوروبا ، وافريقيا ، وآسيا ، وامريكا اللاتينية ، وأستراليا تعاقدوا منذ…

زاكروس عثمان في النقاشات السياسية المتصلة بسوريا، يبرز خطاب إعلامي موجَّه يعتمد على مغالطات لغوية – سياسية تُستخدم لترسيخ رواية السلفية–التكفيرية حول “الدولة الواحدة” و“هيمنة الأغلبية”. ومن أخطر هذه المغالطات ما جاء به الإعلامي السوري فيصل القاسم في مقاله المنشور في صحيفة القدس العربي يوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 بعنوان: «متى حكمت الأقليات في الديمقراطيات؟». يبدأ القاسم مقاله بهجوم حاد…

د. محمود عباس من أخطر الظواهر التي تعيد إنتاج عصور الجهل والظلام في واقعنا السوري الراهن، تلك الموجة المسعورة التي تستهدف المفكرين والكتّاب الأحرار، ومن بينهم الكاتب الكوردي (هوشنك أوسي) وسائر الأقلام الديمقراطية المستقلة، التي تكتب بضمير وطني حرّ، والتي ندينها بأشد العبارات. فالهجمة لا تصدر عن نقد فكري مشروع، بل تُشنّ بأدوات التكفير والتحريض من قبل فلول التطرف وبقايا…

جليل إبراهيم المندلاوي في الوقت الذي صار فيه المقعد النيابي أكبر من صاحبه، وأضيق من أن يتّسع لفكرة الديمقراطية، خرج علينا مشهدٌ يلخّص أزمة السلطة حين تنقلب على أصل معناها، ففي قضاء الدبس الهادئ، استيقظ الأهالي على عرض أكشن سياسيّ حيّ.. حيث اقتحم نائب منتخب بيت مواطن لأنه تجرأ وكتب تعليقا على فيسبوك، عجبا.. يبدو أن الديمقراطية عند البعض تتحسس…