في جدوى نقد “سلطة الإدارة الذاتية” وممارساتها..؟

اكرم حسين 

يحتدم النقاش بين الفينة والأخرى حول جدوى نقد “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا، في ظل انقسام واضح بين من يعتبرها مشروعاً سياسياً واجتماعياً ضرورياً لإدارة المنطقة وحمايتها  ، وبين من يراها نموذجاً سلطوياً يتزايد ابتعاده عن قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة ،  والسؤال الذي يُطرح بإلحاح: هل ما زال النقد مُجدياً ؟ وهل يمكن أن يُسهم في تصويب المسار، أم أن الإدارة تمضي في نهج أحادي لا يأبه برأي المجتمع واحتجاجاته؟ واقلها الزيادة الأخيرة في  اسعار المحروقات ؟.

تُعلن “الإدارة الذاتية” أنها تسعى لحماية السكان وتنظيم المجتمع وتقديم الخدمات على أسس ديمقراطية وتشاركية، تضمن تمثيلاً عادلاً لمكوناته، وتعزّز العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين، وتُحرّر الفرد من سلطة الدولة القوموية التقليدية. لكن واقع الحال يُثير تساؤلات جدية: هل تم تحقيق هذه الأهداف فعلاً؟ وهل يشعر المواطنون بأن هذه الإدارة تُمثلهم وتعمل لأجلهم، أم أن الهوة بين الخطاب والممارسة آخذة بالاتساع؟

تتجلى في الحياة اليومية،  مشكلات متعددة ، تراجع في الخدمات الأساسية، غياب الشفافية، تنامي الفساد والبيروقراطية، وفرض ضرائب ورسوم دون خطة واضحة أوعادلة  ، والأهم من ذلك، غياب  المشاركة السياسية، ما يجعل الناس يشعرون بأنهم مغيَّبون عن القرار، ومجرد متلقين لسياسات تمس حياتهم ومعيشتهم دون أي دور فعلي.

التحول الأبرز في تجربة “الإدارة الذاتية”، هو تمركز القرار في يد نخبة ضيقة مرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي، في بنية لا تتقبل أوتتعامل مع النقد أو التنوع من منطلق ايجابي  !. هذا الواقع أنتج فجوة عميقة في الثقة، وأسهم في بروز مظاهر استبداد، حيث يتم تهميش حتى الموالين حين يبدون رأياً مختلفاً، فما بالك بالمعارضين؟ وبدلاً من أن تكون الإدارة مشروعاً مفتوحاً للمجتمع، تحولت إلى سلطة تسعى لتكريس ذاتها، أحياناً على حساب المبادئ التي تأسست عليها.

ومع كل هذه التحديات، يبقى النقد ضرورة وليس ترفاً. صحيح أنه لا يُغيّر الواقع بشكل ملموس ، لكنه يخلق مساحة للمساءلة، ويمنع الانجراف الكامل نحو السلطوية. حين يكون النقد صادقاً، موضوعياً، ومسؤولاً، يمكن أن يكشف الثغرات ويُثير الأسئلة الجوهرية، ويضغط باتجاه تصحيح بعض المسارات، خاصة إذا صدر من داخل المجتمع ومن نخب تعرف طبيعة العقليات التي تُمسك بزمام القرار.

لكن ، لكي تُحدث “الإدارة الذاتية” قطيعة حقيقية مع الأنظمة القمعية التي طالما عارضتها، لا بد لها أن تكون بالفعل  إدارة من الشعب ولأجله، لا مجرد سلطة جديدة بأدوات قديمة ، وهذا يتطلب إعادة هيكلة مؤسساتها، وفتح المجال أمام القوى المعارضة، واحترام الإعلام المستقل، والتخلي عن سياسة فرض الأيديولوجيا الواحدة، وتوفير بيئة تسمح بالتداول والمسائلة .

إن نقد “الإدارة الذاتية” لا يعني معاداتها، بل هو تعبير عن تصويب المسار لمشروع بدأ بوعد كبير، لكنه اليوم يقف عند مفترق طرق حاسم ، إما أن يتحول إلى تجربة ناجحة في الديمقراطية وإدارة المجتمع ، أو أن يسقط في فخ استبداد جديد باسم الشعب……؟!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

علي جزيري يُحكى أن (حسان) ابن رئيس «الجمهورية السورية» شكري القوتلي تأخر عشر دقائق عن الدوام المدرسي ذات يوم، بيد أن مدير المدرسة (جودت الهاشمي)، أنّبَهُ وأعطاه كتاباً ممهوراً بختم المدرسة، يطلب فيه ضرورة إحضار ولي أمره، ولبى حسان حينئذ أمر المدير، لكنه عاد إلى البيت مكسور الخاطر، فاستغربت والدته عودة ابنها الوحيد في ذاك الوقت المبكر، وحين…

صلاح بدرالدين مدخلالى جانب الانشغال اليومي بامور وشؤون الكرد السوريين كمهام لها الاولوية من خلال النضال في سبيل رفع الاضطهاد القومي، والاجتماعي، والسياسي عن كواهلهم، واستعادة حقوقهم القومية، والمساهمة في النضال الوطني العام من اجل الديمقراطية، والتقدم، ومواجهة الاستبداد، كان الهم القومي – الكردستاني – لم يفارق مشاعر جيلنا والذي من قبلنا، ليس كموقف سياسي عابر…

إبراهيم اليوسف الوطن في أرومته قبل الخريطة في حبرها أحدهم   لم يبدأ مشروع “الشرق الأوسط الكبير” من مقاعد البيت الأبيض، بل تسرّب ببطء من: غرف التفكير، مراكز البحوث، خرائط الجيوبوليتيك، وأقلام من ظنّوا أن المنطقة لا تستحق حدودًا ثابتة، وفق تصورات القطب الثاني الموازي بل المعادي للاتحاد السوفياتي السابق، كقطب قوي عملاق، قبل انهياره التاريخي. إذ إن…

شيرزاد هواري   تشهد منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة تصعيدات عسكرية متسارعة تقودها إسرائيل، مدعومة من حلفائها التاريخيين، في مشهد يشي بتحولات استراتيجية عميقة. هذه التطورات لم تأتِ من فراغ، بل تبدو كحلقة متقدمة من مسار طويل ابتدأ منذ ما يزيد عن قرن، مع توقيع اتفاقية سايكس – بيكو التي قسّمت إرث الإمبراطورية العثمانية على أسس استعمارية، دون أدنى…