تأمل في سوريا: بين الفوضى والأمل

بوتان زيباري

أيتها الأرض التي شهدت مولد الحضارات، وارتوت بدماء الشهداء، وذرفت دموع الأبرياء… يا سوريا، يا أمَّ التاريخ وأخت الجغرافيا، كم حملتِ على ظهركِ من جراح، وكم احتملتِ في قلبكِ من أحلام!

ها هي أصوات أبنائكِ تعلو من كل فج، تبحث عن خلاصٍ من ظلام الفوضى، وتنشد نورًا في ظل ديمقراطية تعددية، تلملم فيها شتات الهُويات تحت سماء اتحادية. فهل يُعقل أن تبقى أرضكِ ساحةً للصراع، وأن تظل روحكِ أسيرةً لسياسات التفرقة والتمزيق؟

الكوردي والعربي، الآشوري والأرمني، التركماني والعلوي، الدرزي والإسماعيلي، المسيحي والإيزيدي… كلهم ألوانٌ في لوحة واحدة، كلهم نغماتٌ في سيمفونية واحدة. فهل يُقبل أن تُسرق منهم ألحانهم، وأن تُكسر أوتارهم؟ أم أن الوقت قد حان ليعزفوا معًا لحن الحرية، لحن المساواة، لحن السلام؟

لقد أثبتت المناطق الكوردية أن التعايش ممكن، وأن الوحدة ليست حلمًا بعيدًا، بل هي واقعٌ يمكن أن يزهر حتى في أقسى الظروف. ولكن، ما قيمة الزهرة إن لم تكن في حديقة محمية؟ وما قيمة التعايش إن لم يكن مدعومًا بدستورٍ عادل، وقوانينٍ تضمن للجميع حق الحياة، وحق الكرامة، وحق الحلم؟

أيها العالم، ألا ترى أن سوريا ليست مجرد أرض، بل هي رمزٌ لتاريخ البشرية؟ ألا تشعر أن مستقبلها هو مرآة لمستقبل الإنسانية؟ فإن سقطت سوريا، سقط معها الأمل في التعايش. وإن نهضت، نهض معها حلم العدل والسلام.

فهل نتركها تُدفن تحت أنقاض الحروب، أم نمد لها يد العون لتبني من جديد؟ هل نسمح للظلام أن يبتلعها، أم نشعل معها شمعة الأمل؟
السويد
16.02.2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي*   نوروز، العيد الإيراني العريق والكبير، كان منذ القدم رمزًا للتجدد والفرح والارتباط بالطبيعة. يُحتفل بهذا العيد مع بداية الربيع، في الأول من فروردين حسب التقويم الهجري الشمسي (الموافق 20 أو 21 مارس)، وهو متجذر في الثقافة الفارسية وحضارة إيران التي تمتد لآلاف السنين. في عام 1404 الشمسي، الذي يبدأ يوم الجمعة 21 مارس، سيحتفل الإيرانيون…

شكري بكر مع بداية انطلاقة الثورة السورية، صدرت عدة بيانات باسم الإجماع السياسي الكوردي وسبعة عشر حزبا. وأقرت تلك الأحزاب الذهاب لعقد مؤتمر كوردي لتأطير النضال السياسي الكوردي في سوريا، والتعامل مع المستجدات على الساحة السورية بوحدة الصف والكلمة في تقرير المصير للشعب الكوردي في سوريا. إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن انسحابه من الإجماع الكوردي، وغرّد نحو إعلان مجلس…

إبراهيم اليوسف   لا يفتأ بعض شركاء الوطن أن يسأل بين الفينة والأخرى، أنى تم انتهاك بحق من هم مقربون منهم، قائلين: أين الحقوقيون والكتاب الكرد الذين لا يدينون هذا الحدث أو ذاك؟، منطلقين من فكرة واقعية أن هكذا قضايا لا يمكن أن تجزأ، بل هناك من يتجاوز مثل هذا السؤال غير البريء ويعنف الآخر- الكردي- كما أن هناك من…

حسن صالح   البارحة ٢٣آذار حضرت ندوة للدكتور زيدون الزعبي، على مدرج جامعة روج آفا بقامشلو ، بدعوة من شبكة الصحفيين الكرد السوريين. عنوان المحاضرة: الهوية الكردية في الإعلان الدستوري السوري. أقر الدكتور زيدون بأن الإعلان لا يلبي طموحات الشعب الكردي وبقية المكونات، لكنه إنتقالي ويمكن للمعارضين أن يشاركوا في لجنة إعداد الدستور الدائم لتلافي النواقص. وكانت لي المداخلة التالية…