القسم العربي |  القسم الثقافي   القسم الكوردي أرسل مقال

تقارير خاصة | ملفات خاصة |مقالات | حوارات | اخبار | بيانات | صحافة حزبية | نعي ومواساة | الارشيف

 

بحث



القسم الثقافي




























 

 
 

مقالات: هموم الديمقراطية وهمُّ الفيدرالية في العراق.. قراءة في كتاب: الفيدرالية والتحول والديمقراطي في العراق لـ: پاله باوانى

 
الجمعة 15 ايلول 2023


إبراهيم محمود

إذا سألتَ أيَّ كردي ممّا يعانيه وهو في وضعية التجزئة، وأي حل يكون دواء لهذا الداء الوبيل. لربما كان الجواب الوحيد الأوحد: الديمقراطية. فبغياب الديمقراطية، كان حرمان الكرد من كيان سياسي يشملهم جميعاً. وبغياب الديمقراطية، كان استمرار الكرد خاضعين لأنظمة مستبدة لم تدَّخر جهداً في إنزال الويلات فيهم، من التهجير، السلب، النهب، الإبادات الجماعية المختلفة.
وبغياب الديمقراطية تتضاعف الشكاوى وتزداد إيلاماً وتوتيراً للأوضاع القائمة، وذلك جرّاء تنامي العنف والاستبداد والقمع المركَّز ضدهم، وحتى في لاشعورهم .
ولا بد أن موضوعاً كهذا، يشكل " بيضة الديك " لكل الذين يرون في هذا الداء " التجزئة " التاريخية، السياسية، الاجتماعية، والثقافية، ما يشغلهم، وبصيغ استقطابية لشواغل كثيرة .
وللكرد سهم وافر في هذا التناول المتعدد الجوانب لموضوع الديمقراطية وطبيعتها في المنطقة.


ولعل الذي انشغل به الباحث الكردي پاله باواني، في كتابه الفيدرالية والتحول والديمقراطي في العراق، المنشورات البدرخانية، دهوك،2023، وبغلاف فني أنيق" حيث العنوان جاء بالكردية، بحرفها العربي، متصدراً الغلاف الخارجي "، وفي قسمين تناصفا الكتاب، الأول بالكردية " اللهجة البادينية ، الحرف العربي " والثاني بالعربية، تعبيراً عن الواقع المأساوي، ورغبة في أن يصل الكتاب إلى من يعرف اللغتين، وما في ذلك من تشهير في واقع التجزئة بالذات، دون ذلك لكان هناك لغة واحدة، تسمّي كياناً سياسياً واحداً، كردياً ، ولما كان مثل هذا الكتاب بالذات.وهناك إضاءة للكتاب من قبل الباحث الكردي نوزت دهوكي، وهو يثمّن في تقديمه لكتاب صديقه محتوى كتابه. لم؟ لأن الفيدرالية تفرض نفسها، ليس في إقليم كردستان العراق وحده، وإنما في الأجزاء الأخرى كذلك كونها الحل الوحيد الأوحد لمشكلة المشاكل في المنطقة، حيث نقرأ له بداية( كتب الباحث في واحدة من أهم الموضوعات التي تشغل بال المجتمع العراق بشكل عام، وفقهاء القانون والنخبة السياسية العراقية إلا وهي موضوع ( الفيدرالية والتحول الديمقراطي في المجتمع العراق . ص 180 ) .
تلك إشارة مفهومة ومحورية في الكتاب، لأنها مقروءة ومسموعة حيثما تقابل اثنان من المعنيين بهذا الموضوع ثقافياً، وعلى الصعيد السياسي وما لذلك من تشعبات وهموم ومحن وتجارب تاريخية مريرة على خلفية من تعرض الكرد للتجزئة وأهوالها المتتالية وتبعاتها الجانبية .
وفي الفيدرالية، ما يكون عن طريق التجمع ( بانضمام عدة ولايات أو أقاليم إلى بعضها البعض لإقامة دولة واحدة . ص182 ) ، وما يأتي بالتفكيك، حيث يجري ( تحويل الدولة من دولة بسيطة أو إلى دولة مركبة . الصفحة نفسها ).
لاحقاً نجد توضيحاً للحالة الأولى في أمثلة مختلفة، مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا، كندا، وجنوب أفريقيا...إلخ، وللحالة الثانية، في أمثلة مختلفة، مثل: الاتحاد السوفيتي السابق، دولة الهند، البرازيل، يوغسلافيا، وكولومبيا..) وليزيد الكاتب هذه الفكرة الأخيرة توضيحاً، بقوله، عن ( أن الدولة الفيدرالية المزمع إقامتها في العراق بعد انهيار دولة العراق البسيط ذات النظام الدكتاتوري الشمولي هو تطبيق النموذج الثاني...ص207 ) .

في مكاشفة المحتوى
لا تنقص الكاتب خبرة عملية في معاينة الخريطة السياسية والتاريخية للعراق، والوضع السياسي والاجتماعي والثقافي لهذا البلد الذي يعيش تحت وطأة العنف منذ أكثر من قرن، مع ولادة ما يُسمى بـ" العراق الحديث ". ولا تنقصه تلك الثقافة النظرية التي تفيده وتعزّز رؤيته في تنوير تلك المفاهيم ذات الصلة بالفيدرالية، ولماذا الفيدرالية، وكيف؟ وأين تكمن نقائصها عراقياً .
وما يستهل به المقدمة، يظهِر ذلك، وبوضوح( إن عملية بناء الديمقراطية في ظروف انتقالية معقدة، لا سيما بعد انهيار الدكتاتورية ونظام الحزب الواحد. بناء الديمقراطية عملية مثبطة ولكنها ضرورية.ص188 ).
وليس هناك ما هو أكثر تكراراً من كلمة الفيدرالية، وموضوعة الديمقراطية وبنيتها.
إن الحديث تالياً عن أن ( العراق مجتمع تعددي لا شك بأن المجتمعات التعددية هي تلك المجتمعات التي تتكون من أكثر من عرق أو قومية أو طائفية أو أقلية أنطولوجية، تختلف عن بعضها من حيث اللغة أو الدين أو الطائفة أو الطائف أو الثقافة، فهي مجتمعات معقدة التركيب ودرجة تعقيدها تختلف باختلاف حجم التنوع الموجود فيها من جهة، وباختلاف درجة حماس أو ولاء أفرادها في التمسك والتعصب بخصوصياتهم من جهة أخرى . ص 192 ) .
لا شك أن هذه الكلمة تمثّل فكرة محورية عن عموم الكتاب، وما يأتي من توضيح لمفاهيم لازمة، مثل: القومية، الطائفة، الأقلية.. صص 193-203 ..يشكل أكثر من خلفية تاريخية، اجتماعية، سياسية، تاريخية ومذهبية كذلك للكتاب بالذات.
إذ يمكن الحديث عن العراق من منطلق قومي، وكيف تعاش القومية، وطائفي، وجذور الطائفية ولعبتها السياسية في العراق، والأقلية، وموقعها الاجتماعي وكيفية التصرف بها ..
وحديث الكاتب عن الفيدرالية، يأتي من باب التذكير، بأن هناك تجارب قائمة في العالم، في مقدور النظام السياسي، ليس في العراق وحده، وإنما في الدول التي تقاسمت كردستان بالذات، الاستفادة منها، إذا أرادت لنفسها، ولشعوبها استقراراً، وأمناً وتعايشاً سلمياً .
الفيدرالية التي يلتقي في متن معناها: الاتفاق، المعاهدة، التعاقد، الارتباط، والاتحاد..إلخ " ص 204-205.." وما ينبني كنموذج سياسي معمول، في الفيدرالية تجمعاً، أو تفكيكاً، كما ذكرنا، تعزيز لهذا المفهوم المركَّب.. وأن عدم وجود فيدرالية في العراق تاريخياً، ناشىء من حالة التأجيل لحقيقتها الفعلية، ومن باب التهرب من استحقاقاتها السياسية.
ما يتوقف عنده الباحث باواني، جهة شروط إنجاح النظام الفيدرالي في العراق،ومن ذلك: الشرط الحضاري والسيكولوجي، ثم الديمقراطية، والتعددية الحزبية..ثالوث : عُقَدي  متكامل . وحين نقرأ جهة الديمقراطية ( لا نغالي إذا قلنا بأن النظام الفيدرالي لا يمكن أن ينمو ويستمر من دون وجود نظام ديمقراطي، لأنه الضمان الوحيد طبعاً . ص 209 ) . ففي ذلك إقرار، ليس بغياب أرضية الديمقراطية كرافعة سياسية صحية للفيدرالية، وهي المدخل إلى نشوء مجتمع تعددي سوي . وما ذهبت إليه جهة التأكيد على أن الديمقراطية بوصفها هموماً، والفيدرالية هماً،إنما تأكيد على أن الديمقراطية ما أن تعزز حضورها بالقول والفعل، حتى ينبني مجتمع تعددي، وتكون الفيدرالية محققة بالفعل، أي تالياً تكون، وبصورة ديناميكية، أي حصيلة ما تقدم طبعاً .
الديمقراطية في بنيتها الفعلية تسمح لكل صوت في أن يمارس حقه الإنساني في الوجود  والكرد حضور قومي، اجتماعي، سياسي ، وثقافي تاريخي بالمقابلـ يلتقون مع المكونات الأخرى.
وما يردُ في المبحث الثالث، جهة : استقراء آراء بعض أعضاء البرلمان العراقي على ضوء الدستور الفيدرالي العراقي، حيث المبحث الأول تناول: المكونات الرئيسية للشعب العراقي، والثاني: الفيدرالية: أصلاً ومنشأ، ومعنى لغوياً وفلسفياً وسياسياً. وكون الباحث كما يقول بداية ( أحد أعضاء مجلس النواب العراقي ، الدورة الحالية ( 2006/ 2010 )، حيث الربط بين آراء مستقاة، وما يأتي في صلب الدستور العراقي، وكيفية تحقيق مفهوم الفيدرالية، كما في استشهاده بما ذهب إليه الدكتور سليم عبدالله أحمد من كلية القانون/ جامعة ديالى وهو عضو بارز في الحزب الإسلامي العراقي وعضو مجلس النواب من كتلة التوافق، قائلاً عن أن ( المشكلة كبيرة تتمثل بتوزيع الصلاحيات بين حكومة الاتحاد وحكومات الأقاليم...و.. إذا كان لا بد من أن تتنازل الحكومة الاتحادية عن صلاحياتها لحكومات الأقاليم فلا ينكن أن يكون في ثلاث مجالات: الدفاع، المالية، والخارجية..ص221 ).
هنا بيت القصيد. ففي مجتمع تكون الديمقراطية العدوَّ اللدود لنظامه، أو من يسوسه، من المستحيل بمكان الحديث عن تلك الآليات الفعلية التي يأتي فيها النظام شفافاً وديمقراطياً. في مجتمع يكون الفساد مفعَّلاً فيه، أي وجه يكون للديمقراطية ؟
بناء عليه، فإن حديث الباحث عن نماذج من دراسات مقارنة للدول الفيدرالية " ص 236 " وحتى  نهاية الكتاب، يكون له جانب استفادة تاريخية، وللاطلاع حصراً، وليس لأن الذين يمكن أن يتعلموا من درس الكتاب، وليعترفوا عن أن هناك خطأ وسوء فهم للفيدرالية، بمقدار ما يكون هناك تجاهل لكل حديث عن أي تجربة خارجية تضع حداً لهذا الانهيار المجتمعي .
وفي هذا المنحى نكون إزاء وضع كارثي، تزداد مشاكله وتستفحل مع الزمن، وما يكون للكرد، ومن خلال المعنيين بهم بالمقابل، من حس المسئولية التاريخية والسياسية تجاه شعبهم، وكيفية مواجهتهم لهذا الجاري منذ أكثر من قرن، لتتم مواجهة الأخطاء بإرادة معرفية وسياسية أوعى.
إن ما أثاره السوسيولوجي العراقي الكبير والراحل فالح عبدالجبار، في كتابه: كتاب الدولة " اللوياثان الجديد " الترجمة العربية، دار الجمل، بيروت، بغداد،2017، شديد الأهمية في هذا المجال ، بالتأكيد، وهو كتاب يشكل رثاء مريراً صادماً للعراق الحالي والقادم " ص 12 "، وبدءاً من " مدخل عام: الدولة- اللوياثان . ص 13 " أي دولة الشر بامتياز .
وإذا كان لي من كلمة أقولها في كتاب باوانى، فهي أنه كتاب يقرأ، ويستحق المناقشة حولها، ليس لأنه أورد كل ما يخص متطلبات العنوان بالذات، وإنما لأنه ينفتح على مختلف الأسئلة التي تنمّي الكتاب، وتمنحه حضوراً أكثر ثراء وغنىً، وأكثر قابلية للمناقشة من جهات شتى أيضاً .
دهوك-15-9/ 2023 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 4


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات