القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: حوار هادئ مع خطاب صاخب.. بخصوص ما قاله السيد جمال حمي في الشاعر جكرخوين.. المحور الأول ـ مَلاكٌ وشيطان؟!

 
الجمعة 31 ايار 2024


د. ولات محمد

قبل أسابيع نشر الكاتب جمال حمي على موقعه الشخصي سلسلة مقالات هدف من خلالها (كما قال) إلى "تصحيح" موقف الناس من الشاعر الراحل جكرخوين، وإثبات أن الشاعر بفكره "اليساري الملحد" أضر بالقومية الكوردية وأنه لم يسهم في نشر الوعي القومي الكوردي كما يظن البعض وغير ذلك من الطروحات التي بموجبها أطلق حكمه الخاص (القاسي) على الشاعر، ما كان موضع إدانة واستهجان من قبل الكثير من الكورد الذين يحبون هذه القامة الأدبية الثقافية الكوردية، كما كان هناك في الجانب الآخر من سوّغَ للكاتب آراءه وأحكامه من منطلق أنها نقد وحرية رأي. 
ما دعاني إلى إطلاق هذا الحوار مع تلك المقالات ليس ما جاء فيها مخالفاً لقناعتي الشخصية (فلكل منا رأيه وقناعته ومعتقده الذي يرتاح إليه)، بل ـ أولاً ـ ما تضمنتْه من مغالطات وتشويه سواء أكان بحق الشاعر جكرخوين نفسه أم بحق الواقع الثقافي الاجتماعي المعرفي السائد في زمنه، وثانياً أن الكاتب أوهَمَ القراء بأن كتاباته تلك تندرج في إطار حق النقد والرأي القائمين على الأدلة والبراهين، وثالثاً أنه بمقاربته للموضوع بتلك الصورة (شكلاً ومضمونا) وقع في تناقض مع منطلقاته الدينية نفسها على نحو صارخ.


وكي يكون الحوار معرفياً وموضوعياً سأنطلق في مناقشتي هذه دائماً مما يقوله الكاتب نفسه في كتاباته تلك، ولن أستند إلى ما "قالوا أو يقولون أو قيل" كما يفعل هو في مقاربته لشخصية جكرخوين وأفكاره وحياته. ولما كانت الموضوعات والنقاط التي أثارها الكاتب عن جكرخوين كثيرة وحساسة، ولما كان كم المغالطات والتشويه والتضليل فيها كبيراً، ولما كان من الصعب تناول بعضها وتجاوز أخرى، فقد وجدتني أقف على أبرزها بالحوار والمناقشة الممكنين. ولما كان نشر كل ذلك دفعة واحدة أمراً غير مستساغ، فقد اضطررت إلى تقسيم المقال إلى محاور يعالج كل منها جانباً من طروحات الكاتب ليتم نشرها تباعاً وبالتسلسل بدءاً بالمقال الحالي الذي يتناول عنوان منشوره الأول ومقدمته اللذين يكشفان عن البنية الذهنية التي ينطلق منها الكاتب في مقاربته تلك.
يفتتح السيد حمي سلسلة منشوراته(*) بمقال تحت عنوان: الشاعر الكوردي جكرخوين في ميزان العقل والمنطق والأخلاق. وهو عنوان يشي بالبنية الذهنية والأحكام المسبقة التي يستند إليها الكاتب في مقاربة الشاعر؛ فعندما تضع شخصاً ما "في الميزان" فذلك يعني أنك جعلت من نفسك قاضياً وأن كل ما ستحكم به عليه هو الحق، وإذا كان مقاييس هذا الميزان هي العقل والمنطق والأخلاق فذلك يعني أنك تضع نفسك مسبقاً في موقع القاضي المالك لتلك المعايير وتضع الطرف الآخر في موقع المتهم والمشكوك فيه عقلاً ومنطقاً وأخلاقاً. وهذا يعني بالنتيجة أن الكاتب يقول للقارئ إن لديه "ميزان العقل والمنطق والأخلاق" وإنه سوف يحاكم الشاعر جكرخوين وفق ذلك الميزان. وبطبيعة الحال لن يتوقع القارئ أن تكون النتيجة تحت عنوان كهذا لمصلحة الشاعر الموضوع في الميزان. وهذا يعني أنه حكم على الشاعر سلباً قبل أن يقاضيه. وبذلك يرمي الكاتب سهمه الأول آملاً أو متوقعاً اصطياد القارئ. 
 بعد العنوان يقدم السيد حمي لمقاله بعبارة لرئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري تقول "ما في حدا أكبر من لبنان، الوطن أكبر من الجميع"، ثم يعلق عليها الكاتب قائلاً: "لا أحد أكبر من وطنه ومن شعبه مهما علا شأنه بين الناس، ولا أحد فوق النقد، مادام ليس إلهًا وليس نبيًا معصومًا". وبهذه العبارة يمهد الكاتب لمقاله بمسلّمة لا خلاف حولها، ولكن القارئ سيكتشف لاحقاً أنها "كلام حق يراد به باطل"، إذ يحاول أن يرسل من خلال هاتين الجملتين رسالتين إلى قارئه: 
الأولى، أن الشاعر جكرخوين يرى نفسه أو يراه بعض الناس فوق الوطن، أي ضد المسلّمة المتفق عليها، وبالتالي فهو (جكرخوين) يستحق ما سوف تنزل به وبأنصاره من صفات وتهم، لأنهم يرونه فوق الوطن. وبذلك يجر الكاتب صفة "الوطني" إلى جانبه ليكون الطرف الآخر "غير وطني" ويسهل عليه مهاجمته. غاية الكاتب، إذن، من قول الحريري أن يضع نفسه منذ البداية في موقع الوطني/ الحق/ الملاك ويترك للشاعر ومؤيديه موقع اللاوطني/ الباطل/ الشيطان، كي يدفع القارئ سلفاً نحو الاستسلام لطروحاته، 
 الثانية، أن الكاتب يركب سفينة النقد ليصل إلى غايته، فما سوف يقوله ليس ادعاء أو تهجماً وافتراء على الشاعر، بل هو "نقد"، والنقد حق للجميع كما هو معروف ومسلم به، ولا أحد فوق النقد. ومادام هو وطني فإن نقده سيكون لمصلحة "الوطن" ضد غير الوطنيين الذين يضعون جكرخوين فوق الوطن، ليكون المشهد هكذا: هذا "نقد" من شخص "وطني" يضع مصلحة الوطن فوق كل أحد، وهو موجه إلى شخص يضعه أنصاره فوق الوطن. وكل من يدافع عنه يكون "غير وطني" ويستحق هو وشاعره كل ما سيقوله فيهما لاحقاً. وهذا ما يقوله صراحة في المقطع التالي مباشرة، إذ يصعّد من هجومه وهو ما يزال في مدخل المقال، إذ يكتب:
 "ومن يؤمن بحق الإنسان في ممارسة حرية الرأي والتعبير كحق إنساني كفلتْه له أرقى الديموقراطيات في العالم، لا يمكنه أن يرفض تناول شخصية كوردية عامة مثل الشاعر جكرخوين وغيره (...). ومن يغضب ويثور ويرتفع عنده الضغط ومخزون السكري عند تناولنا شخصية مثل جكرخوين، ويرفض رفضًا قاطعًا انتقاده بحجة أنه رمز وطني، فهو أحد رجلين، فإما أنه ديكتاتور مستبد صغير ويمارس علينا سياسة القمع وكم الأفواه وأنه ضد الديموقراطية وضد حق الإنسان في إبداء الرأي والتعبير، أو أنه يعتبر جكرخون إله ورب لا يجب المساس به أو انتقاده، ولا فرق عندئذٍ بينه وبين من كانوا يتخذون هبل واللات والعزى أربابًا وآلهةً لهم من دون الله". 
وبذلك يقوم السيد حمي ـ قبل أن يبدأ مقاله ـ بممارسة كم هائل من الديكتاتورية والتهديد والعنف اللفظي على قارئه بغية كم فمه منذ البداية وضمان عدم اعتراضه على أحكامه القادمة بخصوص جكرخوين، إذ يضعه أمام خيارين لا ثالث لهما: إذا قبِل (القارئ) بما سوف يقوله ويطلقه من أحكام بحق هذا الشاعر فسيعتبره بمنزلة إنسان جيد وعاقل وموضوعي ووطني وديمقراطي، وإذا اعترض على تلك الأحكام ودافع عن الشاعر فسيكون مجرد ديكتاتور مستبد صغير عدو الديمقراطية وحرية التعبير، ومجرد عبد يعتبر جكرخوين إلهاً ورباً وصنماً (مثل هبل) يمنع المساس به. وبذلك يضع القارئ في الموقع الآتي: أنت معي (يعني أنت وطني ديمقراطي تؤمن بالنقد وبحرية الرأي) أو أنت ضدي (يعني أنت غير وطني ديكتاتور مستبد وعبد لصنم). وهكذا لا يترك للقارئ احتمالاً ثالثاً كأنْ يقول له مثلاً: أنا لا أتفق مع أحكامك يا سيد حمي، بل أحب جكرخوين وأقدر ما فعله، ولكنني لا أعتبره إلهاً ومقدساً. المفارقة المضحكة هنا أن الكاتب يركب الديمقراطية وحق النقد وحرية الرأي ليقول ما يشاء بحق جكرخوين ومحبيه، ولكنه لا يمنح هؤلاء المحبين أي فسحة من الديمقراطية وحق النقد وحرية الرأي كي يختلفوا معه في أحكامه، لأنه يصف أولئك المختلفين معه سلفاً بأنهم عبيد لصنم وديكتاتوريون. 
يظن الكاتب أنه بهذا العنوان الاتهامي لجكرخوين وبهذه المقدمة الهجومية استطاع أن يحاصر القارئ ويجعله في موضع المستسلم وأنه قد ضمن تقبله لآرائه، إنْ لم يكن قناعة فخوفاً ورهبة. وهنا يمضي إلى الكشف عن هدفه من المقال فيقول: "هنا نحاول تحليل شخصية جكرخوين الإنسان"، وحجته في ذلك أن "كل شعوب العالم تسلط الضوء على مشاهيرها لدراستها ومعرفة نقاط الخلل في هذه الشخصيات وتحليلها، ولا أحد يقول: من أنت حتى تتطاول على أسيادك". 
 هنا يعود الكاتب من جديد إلى ممارسة مبدأ "كلام حق يراد به باطل" ووسيلة التلاعب بالألفاظ؛ فتحليل الشخصيات العامة ـ من حيث المبدأ ـ حق طبيعي وهدف نبيل، ولكننا نطرح هنا سؤالين:
الأول: هل هدف الكاتب هو فعلاً تحليل هذه الشخصية بغية فهم سلوكها أم تشويهها والانتقام منها؟ 
 الثاني: هل لدى الكاتب المؤهلات العلمية التي تتيح له "تحليل شخصية" جكرخوين؟ 
صحيح أن تحليل الشخصيات العامية موجود عند "كل شعوب العالم"، ولكن الذين يقومون بهذه المهمة الخطيرة هم علماء نفس واجتماع وفكر، فهل السيد حمي واحد من هؤلاء حتى يقتدي بهم ويسير على خطاهم لتحليل شخصية جكرخوين نفسياً وفكرياً واجتماعياً؟! الجواب: لا طبعاً. ولأنه لا يمتلك تلك المؤهلات ويود تعويض هذا النقص المعرفي فإنه يعود من جديد إلى شن هجوم استباقي على من سوف ينتقدون تحليله ويعترضون على نتائجه ويدافعون عن جكرخوين، إذ يصف من سيفعل ذلك بأنهم "أصحاب العقول الذين تعودوا على عبودية الأشخاص، وهؤلاء لا فائدة مرجوة منهم". 
يظن السيد حمي أنه بهذا الأسلوب قد وضع القارئ في جيبه؛ فإذا وافق (القارئ) على أحكامه التي سيطلقها حول شخصية جكرخوين بعد "تحليلها" فذاك هو المراد، وإذا خالفه واعترض على آرائه فسيحكم حينئذ على نفسه بأنه شخص غير وطني وديكتاتور صغير وعبد حقير اعتاد على عبادة شخص جكرخوين. وبذلك يكون الكاتب في الحالتين قد كسب المعركة التي لم تبدأ بعْدُ والتي اصطنعها هو بنفسه وجعل من ذاته فيها الخصم والحكم، بعد أن اختار لنفسه فيها موقع الملاك وترك لخصومه موقع الشيطان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  
(*) بناء على طلب مني أرسل إليّ أحد الأصدقاء مشكوراً تلك المنشورات التي أحسب أن فاتحتها كانت هذا المقال: "الشاعر الكوردي جكرخوين في ميزان العقل والمنطق والأخلاق" الذي أتبعه الكاتب بمنشورات أخرى سعياً منه إلى تأكيد الأفكار والأحكام التي جاءت فيه وإثبات صحتها. لذلك يُعد عنوان هذا المقال ومقدمته عتبتين لكل الأبواب التي سيطرقها في منشوراته الأخرى لاحقاً.     

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات