عوامل انتصار الثورات و الانتفاضات في منطقتنا ؟

  زارا مستو
zarakobani@hotmail.com

 إن طبيعة العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية القائمة في مجتمعنا تعود جذورها إلى الثقافة الموروثة من حضارة البداوة الصحراوية التي تقوم على التحكم والتسلط والاستبداد, فضلا عن تكبّل عقلنا بأنموذج فكري شمولي معلّب جاهز مستورد لا يختلف كثيرا عن النموذج القائم لدينا, “فالشموليّة (مذهب السلطة الجامعة) شكل من أشكال التنظيم السياسي يقوم على إذابة الأفراد والجماعات والمؤسسات كلّها في الكل الاجتماعي (الشعب أو الدولة) عن طريق العنف والإرهاب , ويمثل هذا الكل قائد واحد يجمع في يديه السلطات كلها”(1), بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي نعيشها,
 ممّا أدى إلى خلق ثقافة ممزوجة وموروثة بين الاستبداد والحكم الشمولي تتسم بطابعها الشرقي العربي, فإن هذه الثقافة فرضت علينا نمط معين من التفكير, فإن الأنظمة العربية لا تزال تتعاطى و تتعامل وتحكم هذه الشعوب وفق هذه الثقافة, وبالتالي ساد الفساد المالي والسياسي والاجتماعي في هيكلية الدولة والمجتمع، وبقي الإنسان عاجزاًوغير قادر على مواكبة التغيرات,

إنّ هذه العوامل جعلت منطقتنا عصية على التغيير والتطوّر لمدة طويلة حتى وصل البعض إلى اقتناع بأنّ هذه الشعوب ميتة غير قابلة للحياة إلا أن ما حدث مؤخراً في هذه المنطقة من انتفاضات وثورات غيّرت اليقين, ورسّخت وفرضت قناعات جديدة تؤمن بإرادة هذه الشعوب في التغيير والتحوّل الديمقراطي, وهذا سببه تنامي الوعي الاجتماعي والسياسي لدى الجيل الجديد بفضل الثورة الإعلامية التي حققت التواصل والاحتكاك بين الشعوب, والاطلاع على إنجازات الغرب في مجالات عدة, يرى الأستاذ مصطفى إسماعيل أنّ” الثورات أسقطت العاصفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اليقين الأعظم الذي ورد مراراً في كتابات صمويل هنتنجتون وبرنارد لويس وتشارلز كوارثمر وإيلي قدوري وفؤاد عجمي وفرنسيس فوكايما.

وهي أنّ البلدان العربية ستبقى بمنأى عن التحول الديمقراطي او الإصلاح الديمقراطي.

ومرد ذلك في تنظيراتهم كتابتهم إلى منظومة القيم الثقافية والدينية والمجتمعية… وقد بلغ الامر بـ ” صمويل هنتجتون “في كتابه ” الموجة الثالثة “… تناول بالبحث والدراسة عمليات التحول الديمقراطي في 35 دولة , لم تكُ من بينها دولة عربية”(2)
إذاً,النظم الشمولية المستبدة المتحجرة ستنهار أغلبها في منطقتنا, وستكون بداية مرحلة النظم الديمقراطية التيتدعو إلى التعددية وحق الاختلاف والتداول السلمي للسلطة وحرية التعبير والتفكير، وحقوق الإنسان, كما حدث في أوروبا الشرقية في نهاية القرن الماضي.
وإذا أردنا أن نقف على بعض ما تتسم به هذه الانتفاضات والثورات التي تحصل في منطقتنا, وعوامل انتصارها, فإننا نستخلص:
1- هذه الثورات والانتفاضات هي وطنيّة شعبيّة تقوم بها فئات الشعب كلها, فإنّ غالبية الشعب- إن لم نقل كلّه – يطالب بتغيير النظم القائمة التي فشلت في إدارة بلدانها بتحقيق طموحاتها في حياة حرّة مرفّهة كريمة, فهذه الثورات لا تُختزل في فئة معينة أو جيل معيّن, وإن كان طابعها شبابياً, بل الأعمارجميعها, بعكس ما يدعي البعض بأنها شبابية خالصة.
2-  هذه الثورات والانتفاضات تضمّ وتساهم فيها القوميّات والطوائف والمذاهب كلّها, لا تنحصر في عرق أو طائفة أو مذهب محدّد… الخ.

في مصر كان الأقباط جزءاً من الثورة, وفي ليبيا أيضا انضمّ الأمازيغ إلى الثورة, وفي سوريا الأكراد هم جزء مهم من الانتفاضة, وهذا ما أكّده الدكتور برهان غليون:” بتصوري الشيء المهم بين الثورة أن الأكراد اختاروا طريقهم واختاروا طريق الانخراط في سوريا وفي المواطنة السورية بشكل واضحوهم من المشاركين الرئيسيين والمتحمسين في الثورة”(3)
3-  إن التيارات الفكرية كلها منضوية تحت رايتها, من العلمانيين والإسلاميين والقوميين واليساريين والديمقراطيين والليبيراليين…, لا تنحصر في تيّار معيّن فقط, فالمؤتمرات المعارضة التي كانت تنعقد تثبت ذلك.
4-  هي ثورات وانتفاضات داخليّة ليست أجندة ومؤامرات خارجية غربية أو عربية كما تدّعي هذه الأنظمة, بل أتت كحالة طبيعية إثر الأوضاع السياسية الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي تعانيها هذه الأوطان, بل يسميّها البعض بأنها ثورة عبيد يطالبون الحريّة.
5-  إن مساندة الغرب لهذه الثورات تأتي لضمان مصالحها, وهي تنطلق وتتعامل مع هذه الثورات والانتفاضات وفق هذا المبدأ, ولذا هي تطالبها بالرحيل حفاظا على مصالحها في النهاية كما حصل في ليبيا عندما غير روسيا والصين وتركيا موقفهم.

لأنهامقتنعة بأن النصر لصالح الشعوب لا محال.
6-  وسائل الإعلام والتواصل كالنت والفضائيات والجوال بما يحتويه من تقنيات التصوير… حيث غدت هذه  التقنية الجديدة الحديثة أقوى سلاح تحارب به الأنظمة المتحجرة المتسلطة, وقد لعبت هذه الوسائل دورا مهما في فضح ممارسات وجرائم الأنظمة, وغدت هذه الوسائل أداة التواصل بين المنتفضين, ووسيلة الضغط على الأنظمة, وتحريض الرأي العام العالمي عليها, وقال عبد السلام جلود الشخصية الثانية في النظام الليبي والمنشق حاليا رأى “العالم تحرك بعد بث الاعلام جرائم الإبادة في ليبيا”(4)
7-  بنية هذه الأنظمة غير قابلة للتحديث أو التغيير أو الإصلاح , ولذلك وصلت الشعوب إلى مرحلةبأنها لا بدّ من كسر الجليد, وانتقال إلى مرحلة جديدة من أجل بناء دولة مدنيةديمقراطية تعددية تؤمنبحياة كريمة حرة إذنالت هذه الشعوب نصيبها الكافي من الذل والهوان,والقتل والاعتقال على مر العقود بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية واحتكارها للثروة والسلطة والمال وما قام به البوعزيزي كان ردا طبيعيا على هذه الحال.

يقول شاكر النابلسي”أن وجود هذه الأنظمة الدكتاتورية ضد مصالحه المستقبلية، وأنها غير قادرة على الإصلاح والتغيير.

فطبيعتها وتركيبها ضد الإصلاح وضد التغيير، الذي هو مخالف لطبيعتها ووجودها”(5)
إن المنطقة ستمر بمرحلة انتقالية قلقة بعض شيء بعد انتصار هذه الانتفاضات والتخلص من هذه الأنظمة إلى حين تشكيل تجربة مثقلة بثقافة ديمقراطية, وهذا يحتاج إلى مناهج جديدة لتعليم الناشئة أسس ومبادئ ديمقراطية, يقول الأستاذ صلاح يوسف :”رغم سقوط صدام ومبارك والقذافي إلا أن الديمقراطية ما زالت بعيدة، ذلك أن الديمقراطية لا تقوم إلا بوجود إنسان حر كامل الإرادة يفكر باستقلالية بعيداً عن وهم القداسة وخرافاتها، وهو ما يحتاج إلى مناهج جديدة للناشئة تعلمهم تفهم حرية الاعتقاد وحق الاختلاف بعيداً عن سلوكيات القطيع الهمجية”(6)
نعم, التحديات ستكون كثيرة في المستقبل, إذا كان البعض يعتقد بأنّ القوى الكبرى الخارجية ستكون العائق الأوحد لاستقرار وتطوير هذه البلدان, أستطيع القول إن موروثنا الفكري مليء بالتحديات, وليس أقل خطرا ولذلك علينا أن نبحث عن حوامل ومرتكزات جديدة تجعلنا أن نواكب الدول الديمقراطية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-    الطاغية, أ.د.

إمام عبد الفتاح إمام.
2-    إنها الموجة الرابعة للدمقرطة  الأستاذ مصطفى إسماعيل” باخرة كورد” النت”.
3-    نقلا عن صفحة فيسبوك لقناة العربية بتاريخ 2582011
4-  في برنامج «مدار الوسط» الذي يبث على “الوسط أون لاين” العدد 2435 | الخميس 07 مايو 2009م الموافق 12 جمادى الأولى 1430ه
5-    هل نهاية الدكتاتوريات القروسطية مسألة وقت فقط؟شاكرالنابلسي الحوارالمتمدن – العدد: 3432 – 2011 / 7 /
6-    تعليق للأستاذ صلاح يوسف في صفحته على فيسبوك.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…