تداركاً لكل التأويلات والتفسيرات ..

روني علي

   أعتقد أن الحالة السياسية الكردية في سوريا، في مثل هكذا أجواء ومناخات، حيث الترهل والسكونية، وحيث ضبابية الخطاب السياسي، وعدم الركون إلى نواظم ومحددات فكرية ومعرفية، لا يمكن لها أن تنجو بنفسها، وبالتالي الدخول في معترك الفعل النضالي من بوابة الملاءمة والمواءمة والتفاعل مع الاستحقاات، خاصةً وأن ملامح المرحلة تنبئ بالكثير من الانكسارات الحادة، التي قد تحل وتحصل في ميادين مختلفة من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ..إلخ، وعليه فإن موازين القوى تترنح صوب إعادة إنتاج، أو إعادة ترتيب لمناخات، يستشف منها أنها ستقضي على جملة من المعطيات القائمة والسائدة في النموذج والنمط المتداولين في المنطقة عموماً، والرقع الجغرافية التي تحتضن كردستان وقضية الشعب الكردي على وجه الخصوص

وبالتالي فإن البحث عن الآفاق، والدخول في معالجة ما يمكن أن نسميه بالأزمة، سواء السياسية منها أو الحزبية والتحزبية، حتى نمتلك قدرة التعاطي مع المطلوب سياسياً، وفق معطيات الوجود الكردي كقضية أرض وشعب، ينبغي أن تؤتى من خلال مد جسور التواصل والتفاعل مع الأدوات المعرفية والركائز الفكرية، في خطوة علنا نلامس عبرها جذور الأزمة، ونبحث عن الشكل الأكثر انسجاماً مع مفاهيم المرحلة، والأكثر ترسيخاً لثقافة تمتلك مقومات إخراج الوضع الكردي من كماشة الترهل والتخبط والانطواء ..
وبما أن الانتقال إلى ملامسة الحقائق، والدخول في ترتيبات الوضع المستقبلي للمنطقة، وكذلك طرح الحالة الكردية على أنها جزء أساسي ومهم، ضمن سياقات المشاريع التي تؤسس لخيارات التغيير، إضافةً إلى وجوب طرح الحركة الكردية نفسها على أنها جزء وحامل لهذه الرؤى والمشاريع، تحتاج إلى إعادة النظر في بناء وهيكلية الأحزاب، وكذلك في مفردات الخطاب السياسي الكردي، كان لا بد لنا أن ننطلق من رؤيتنا، بضرورة تنظيف البيت الكردي من الداخل، وإعادة ترتيبه، بحيث يتمكن من إدراك واستدراك ما يجري على الساحة من توازنات في المعادلة السياسية، وعلى المستويين الإقليمي والدولي، من تبلور في استحقاقات سياسية، ينبغي على الكرد أن يحتل لنفسه، ضمن تفاعلاتها، على موطئ قدم، وعليه فإن جل اهتمامنا منصب على واقع الحراك السياسي والحزبي، في تفاعل الكرد مع الوسط والمحيط، لأن المنطق يؤكد؛ أنه لا يمكن لنا أن نمتلك أدوات القوة إذا لم نسعى إلى بناء مقوماته الذاتية منها والموضوعية، وعليه فإن ما نقف عليه عبر مساهماتنا المتواضعة والمتكررة، ليس إلا انطلاقاً من هذه القناعات ..
ولكون التاريخ لا يرحم، وصيرورة التغيير والتطور لا يتوقف على قدرة الكرد أو عدم قدرته في فهم تداعيات المشاريع التي تدك أسس ومفاهيم كل ما نتج عن تفاعل الإنسان مع الفكر والثقافة في مراحل سابقة، ووفقاً لإيديولوجياتها ومعطياتها،   فإن الحاجة والضرورة تستدعيان منا أن نغير في بوصلة التعامل والتفاعل مع مجمل ما يجري، وننطلق إلى المستقبل من بوابة الانفتاح على مكونات ثقافة المرحلة، وبالتالي من أرضية نسف تراكمات العهود الغابرة في الحاضن الكردي، سواء من جهة الخطاب السياسي، أو من جهة مقومات الحزب السياسي وآليات بنائه، إضافةً إلى أدوات البحث عن ترتيب البيت الكردي وآلياته، خاصةً ونحن نعيش اليوم، كحالة قومية، في مواجهة ثقافة متأصلة في وجدان المجتمعات التي تتقاسم العيش معنا، وهي لا تنفك في ترسيخ كل عوامل الشرخ والتقسيم في أوصالنا، وذلك عبر منهجية تعتمدها الأنظمة، وكذلك التيارات السياسية التي تطرح نفسها بمسميات المعارضة، وهي تهدف من ورائها احتوائنا، وتهميش أو طمس حضورنا في مضمار المشاريع التي تهدف إلى إعادة ترتيب المنطقة، وبالتالي اقصائنا عن استحقاقات المستقبل ..
وبما أن الحزب السياسي يشكل إحدى التجسيدات والتعبيرات المدنية في المجتمع، وهو ينبغي أن يحمل أدوات التغيير في وجه ما هو سائد ومتوارث، فإن القناعة التي نبني عليها رؤيتنا عبر وقوفنا على بعض الإشكاليات التي تعترض سبيل الحزب الكردي، ينصب في خانة تصحيح المسار، ويهدف إلى تعميم الحزب، إضافةً إلى ضرورة الارتقاء بالجانبين الفكري والسياسي في المجتمع الكردي، ولا صلة لها بما يحاول البعض الإيحاء من خلالها على أننا نهدف من وراءها المساس ببعض الأطر بذاتها، أو الإساءة إلى بعض الشخوص والرموز دون غيرها، لأن الوقوف على مواطن الخلل والمساهمة في الارتقاء بالحالة الحزبية الكردية، بحيث تمتلك أدوات خطابها، وتساهم في عملية الارتقاء السياسي والمعرفي، يشكل بحسب قناعتنا، مهمة نضالية، كوننا نجسد الأزمة التي تلف الحالة الكردية، في أنها أزمة بنيوية، وإن كنا على قناعة بأن ما تم إنجازه لصالح الارتقاء النضالي، عبر بعض الخطوات العملية في الساحة الكردية، قد يدفع بالحالة الكردية إلى عقلنة السياسة وتوظيف الخطاب، ولكنه في النهاية لا يشكل تغييراً جوهرياً في الواقع الكردي، وذلك لأن الموروثات التاريخية لا تزال تفعل فعلها في آليات العمل السياسي الكردي ..
نعود ونقول؛ أن ما نهدف إليه هو المسار ذاته، وأن ما نحاول تخديمها هي القضية الكردية، ولا حاجة لنا في أن نطعن بطرف أو شخص أو رمز، كما يحاول البعض الإيحاء له أو تأويله، وبالتالي فإن المطلوب منا، وبغية الارتقاء والتواصل مع الحالة الراهنة، هو الدخول في معالجة الأمور استناداً إلى ذهنية تمتلك القدرة في دفع الحالة الكردية إلى حيث استحقاقاتها، وإذا كان من شأن ذلك أن يمس البعض أو يقض مضجع البعض الآخر، فلا حيلة لنا في ذلك، لأن ذلك مرتبط ومرهون بآليات تجسدت في بعض الذهنيات التي لا تزال تشكل عائقاً أمام تطور الكرد، وقد تدافع عن نفسها إذا ما بقيت الأمور على المنوال السائد ..

من  يبدو أن الكلمة في طريقها نحو مقصلة الاغتيال، حيث 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…