الحقوق القومية للكورد السوريين.. كيف السبيل إليها..!

دهام حسن

من حق الشعب الكوردية في سوريا، من حق طليعته الحركة السياسية الكوردية في ظل الظروف الثورية الراهنة، من حقه بحث القضية الكوردية على الصعيدين الوطني السوري، والقومي الكوردي، فعلى الصعيد الوطني السوري تقتضي من الحركة أن تفرش -حسب رؤيتها- مشروع خريطة الطريق في حل المسألة الكوردية مع سائر القوى الوطنية الأخرى، سواء مع القوى المناوئة للنظام، أو مع قوى النظام نفسه، وهنا يعترض سبيل الساسة الكورد أمران مهمان، لا يمكن للحركة السياسية تجاوزهما بسهولة، بل لا بد  أخذهما بالحسبان..

فمن جانب..

ينبغي أن تكون الحركة السياسية الكوردية موحدة، وهنا على الحركة..ألا تستبعد أحدا، فلا تلعب لعبة الإقصاء مع أي فريق أو تنظيم أو حركة جراء حسابات حزبية ضيقة أو خاطئة، حتى لا تضعف ولا تتبعثر جهودها في الخلافات الجانبية الهامشية..
على الحركة أيضا في الوقت نفسه ألا تأخذها النشوة فتنسى الاعتبارات الأخرى وتغدو قومية بنظرة ضيقة  لا تفكك خيوط المسألة بوعي ومعرفة..
على الحركة الكوردية قبل أي شيء في مسألة التحالفات والتوازنات أن تكون بجانبها قوى المعارضة بغالبية تنظيماتها، وأن تكون الحركة على قدر ومستوى عال من المسؤولية عندما تستعرض مع حلفائها أو مع تلك القوى التي من المزمع أن تغدو حليفتها سائر القضايا..
إن النظرة القومية الضيقة تضر بالحركة الكوردية، وأي تناول للمسألة ينبغي أن تضطلع بها كوادر كفوءة فكرا وحنكة وفي ذات الوقت لا بد لها من استيعاب وسلاسة في التناول والمعالجة، فمهمة المحاور هنا بالدرجة الأولى هي كسب الأصدقاء، أصدقاء الكورد للوقوف إلى جانب قضيتهم العادلة، بعيدا عن أجواء التحدي أو التنفير، ولابأس هنا من الاستئناس برأي المثقفين الكورد ومشاركتهم مع السياسيين في ظروف تقتضيها الحالة فحسب.
عندما نحاور أو نفاوض فريقا غير كوردي في البلاد في المسألة القومية الكوردية، علينا أن ننظر لهذا الفريق المحاور كحليف ننشد معا قيم الحرية والديمقراطية والمواطنة والمساواة، علينا أن نكسبه إلى جانب الحقوق القومية للشعب الكوردي، لا ندعه في خانة النفور، علينا أيضا أن نعي أن المسألة وتقبل أحدنا للآخر، ليست أيضا بهذه السهولة أن يقبل منك ما تطرحه الآخرون، فعلينا أن نعي أنه منذ قرن على أقل تقدير ألهبت الشعارات القومية الجياشة المشاعر القومية لدى الإنسان العربي بوجه خاص في مصر وبلاد الشام، حيث لعبت تلك المشاعر حافزا إيجابيا حماسيا للتحرر من نير السلطان العثماني من جانب، كما أن تلك المشاعر لاسيما بعد أن تشكلت الأحزاب القومية لعبت أحزابها فيما بعد لعبت دورا سلبيا عنصريا في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي انتهت في عام 1945 من جانب آخر، فالنزعة القومية والوحدة العربية بأية صيغت كانت ولدت عند الإنسان العربي شيئا من الاستعلاء، ربما لم تقدر مشاعر الآخرين فانعكست تلك المواقف سلبا على مستقبل العلاقات مع القوميات الأخرى، لكن هذه مسألة أخرى لن نمضي فيها خوضا الآن..
الشيء الذي ينبغي فهمه وتقديره هو أن الواقع والظروف في طريقهما إلى التغيير بعد حلول الثورة التي نعيشها ونشهد فصولها، فلا يمكن الحكم بالعقلية السابقة، فالثورات هي القوة المحركة للتاريخ، هي قاطرة التاريخ حسب تعبير ماركس، وستغدو الحكومة أية حكومة كانت، ستغدو بالمفهوم الجديد: (الحكومة الأفضل هي الحكومة التي تحكم لفترة أقل) فالحكم مفسدة ويفسد حتى الصالحين كما يقول سبينوزا، فالنظم الاستبدادية ستسقط سواء أكانت يمينية أم يسارية.؟! بسبب عجز تلك النظم من تطوير شرعيتها، والملاحظ أيضا أن الأنظمة الشمولية تخرّب كل المؤسسات فتعمل على احتوائها، وتفقدها هويتها واستقلاليتها وتجعلها تابعة، من هنا تكون الثورة إسقاطا للأغلال ومن بعد تستدعي الثورة أيضا المضي قدما نحو آفاق الحرية لأن (الثورة هي حرب الحرية ضد أعدائها) حسب تعبير روبسبيير، والثورة بالآخر ليست سوى حالة لتحسين مصير الجماهير الغفيرة الثائرة، والسير بها نحو المساواة، فلا بقاء للحرية دون مساواة حقيقية..
تجاوزنا ربما لب موضوعنا عن المسألة الكوردية، لهذا في ختام المقال نلخص ما المطلوب من الحركة الكوردية فعله أو طرحه في هذا السياق..
– على الحركة الكوردية أن تعي أن الحل السياسي السلمي الديمقراطي للمسألة الكوردية هو مسعى الشعب الكوردي، وهو الحل المنشود، ومن هنا يأتي الحوار من حيث الشكل والزمن، والرفض أو القبول يحدده الواقع السياسي وإفرازات الثورة الدائرة..
– من حق الحركة الكوردية أن تمضي إلى أي طرف محاور بفريق واحد، وبكلمة موحدة، دون تخوين أو استبعاد أي طرف، فهي التي ستحدد البوصلة، مع الإدراك أن المسألة ليست سباقا بين الأخوة الأعداء لمن يفوز بالكعكة أولا..
– الفريق المحاور ينبغي أن يكون على قدر من الوعي والمعرفة والقدرة على التحاور، يتمتع بطول بال وأناة، عليه أن يعي واقع المسألة بأبعادها السياسية والقومية والدينية، فضلا عن واقع الشراكة الوطنية، والتاريخ المديد الذي جمع بين هذه العناصر الوطنية على مدى عصور وقرون..
– علينا أن نعلم أننا لا نحاور خصما بل هو شريك لنا، حليف للحق الكوردي، وهنا يتوجب عليه أيضا أن يكون مناصرا لمشروعية الحق الكوردي، هذا ما ينبغي أن نتوقعه من هذا الشريك التاريخي، وبالتالي من السهل أن يصلا إلى قواسم مشتركة عند رسم الخطوط الأساسية في خارطة الطريق..
– على الكوردي أن لا يتوهم أنه وحده على حق، والآخر على البطلان، عليه ألا يفكر بروح عدائية أو انتهازية تجاه الآخرين وأن يكون متفهما للواقع متفائلا بالتاريخ..
– على الساسة الكورد أن لا يتخلفوا عن قراءة ما يجري على الساحة الدولية من تحولات وتبدلات، عليهم أن يعرفوا أن المسألة القومية مسألة تاريخية فهي كما ظهرت في عصر ما في ستختفي يوما ما، لتحلّ محلها تجمعات إنسانية ضخمة كما تشهدها الولايات المتحدة وأوربا..

– لكن في كل الأحوال هذا لا يحول دون مطالبة الحركة السياسية الكوردية بحقوق الكورد المشروعة، وعلى الصعيد الشخصي فأنا جدا متفائل بأن الأخ الشريك الآخر سوف يتفهم هذه الحقوق وسيقر بها دون أن يخسر أحدهما الآخر على أساس المواطنة كخصلة جامعة لكليهما..

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…