الجماعات الإرهابية المسلحة

ثائر علوان
 

مع بدء حملته العسكرية المكثفة بدأ النظام يكرر جملة واحدة: (الجماعات الإرهابية المسلحة)، دون أن يقدم دليلاً واحداً مقنعاً حتى للمحايدين، بل حتى حلفاؤه لا يصدقون الأمر وكشفوا كذبه وعهر إعلامه، ولكن بغض النظر عن عجز السلطات عن تقديم دليل واحد، سنناقش الأمر بجدية، لعل في الأمر شيئا ملتبساً، إن أي مجموعة إرهابية مسلحة تنطلق لأحد هدفين، إما أن يكون هدفاً سياسياً (حركة سياسية مسلحة) أو هدفاً مادياً (قطاع طرق)،
 وإذا أخذنا بما قاله بشار الأسد حول أربعة وستين ألفاً ونيفاً من المطلوبين للعدالة، ثم أضاف في أحد تصريحاته الأخيرة بأن كل المحتجين هم خارجين على القانون وكان عددهم يقارب الأربعة ملايين في 227 نقطة تظاهر على امتداد الأرض السورية نكون أمام صورة فجائعية مهولة، مجموعات مسلحة يبلغ تعدادها الملايين، ودون النظام أسماء أربعة وستين ألفاً منهم ويلاحقهم، هذا يعني أن عدد الإرهابيين في سورية يفوق عددهم في أنحاء الكرة الأرضية أضعافاً مضاعفة، كيف تسنى لهم أن ينتشروا، وما هي العقيدة السرية التي تجمعهم ولا يدري بها سوى النظام؟! وأي نظام مقاوم وممانع هذا الذي في ظله نما هذا العدد الخرافي من الإرهابيين؟!

ومن أبجديات الجماعات المسلحة أنها تعلن عن نفسها وأهدافها، وتعلن مسؤوليتها عن أية أعمال تقوم بها، حتى لو كانوا عدداً قليلاً، أيعقل أن يكون هناك كل هذا العدد ولا نجد بياناً ولا إعلان مطالب أو أهداف، إنما الدليل الوحيد على وجودها أخبار تأتينا من إعلام معروف بالكذب حتى في نشرات الطقس، نظام يمتلك الدولة ويهيمن عليها ويعجز عن تقديم دليل واحد مقنع، بل إن ما قدمه من أدلة سخيفة تؤكد كذبه بسبب الإخراج السيئ والمضحك، لذلك خسر صدقيته حتى عند حلفائه الراغبين في بقائه، فأغلظوا له القول مثل الموقف الذي أبداه ميدفيدف الرئيس الروسي.
ثم إن أية جماعة على هذا النحو يجب أن تلقى دعماً مباشراً من جهات خارجية معينة، إلى اليوم ضن علينا النظام بمعلومات عن هذه الجهات، مع أن بثينة شعبان قالت لنا في بداية الاحتجاجات أنها ستقدم لنا الحقائق الدامغة خلال أيام، وهذا ما أكد عليه فقيه السلطان الحسون، دخلنا الشهر السادس ومازالت الحقائق لم تكشف!!
هذا إذا افترضنا أن هناك جماعات إرهابية تعمل وفق أجندة معينة، أما إذا كان هؤلاء مجرد قطاع طرق ومخربين، فالأمر محير أكثر، كيف ظهروا في لحظة واحدة في كل الأرض السورية، وأين هي أكذوبة الاستقرار إذن، وفي ظل أمن يحصي على المواطنين أنفاسهم كيف تظهر هذه الآلاف المؤلفة من قطاع الطرق والمخربين، إن كان هذا حقيقياً، فعلى النظام أن يحل نفسه ويعتذر للشعب عن الأكذوبة الكبرى التي اخترعها كحامي حمى العروبة، وهو لا يستطيع حماية الأرض السورية.
العالم اليوم قرية صغيرة، والحقائق لا تخفى حتى على العميان، ومن الممكن تفهم الغباء العظيم الذي تلبس السلطة في ادعائها هذا، ولكن المتعامين عنها سواء بحسن نية، أو سوء طوية لن يملكوا أبداً مسوغاً مقنعاً لعبوديتهم المطلقة لسلطة تكذب طوال الوقت، وتقتل بدم بارد، وتتلذذ حتى بتعذيب الأطفال قبل نحرهم بوحشية..
لا شك لدي أن النظام يعتمد على أمرين أحدهما مألوف ومعروف لكل من أبى أن يصدق الأكاذيب والادعاءات الكبرى التي زعمها النظام، وهو أن النظام يسمسر بكل القضايا المصيرية والمبدئية التي تهم الشعب السوري العظيم، والأمر الثاني يمكن تفهمه لو كان في حدود ما نعلمه من البربرية عبر التاريخ، لكنه يدهشنا بما لا يمكن تخيله من حقد دفين يدفع بجنود النظام إلى التفنن بطرق التعذيب والقتل التي عجز عن تخيلها أعتى الطغاة في عالم اليوم وفي الماضي وربما في المستقبل، هذه النفوس المشوهة كيف تم إنتاجها وتربيتها، لتكون بهذه الوحشية… أي حقد يعتمل في أحشاء هؤلاء الذين بالتأكيد لديهم أسر وأولاد، كيف لمعذبي حمزة الخطيب وقاتليه أن يبتسموا في وجوه أطفالهم وقد مزقوا أجساد الأطفال بطرق يندى لها جبين الإنسانية.
عندما انتفض الشعب السوري في وجه جلاديه كان يدرك شيئاً من وحشية النظام، لكنه اليوم أمضى عزيمة وأشد إصراراً وقد كشف النظام عن وجهه الأقبح والذي فاق كل قبائح التاريخ.
إذا كان حمزة الخطيب ذا الثلاثة عشر ربيعاً قد هاجم مساكن الضباط لسبي النساء، فلا شك أن علا جبلاوي ذات الأعوام الأربعة كانت إحدى قيادات (الجماعات الإرهابية المسلحة).

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…