هل تدرك الحركة الكردية في غرب كردستان طبيعة المرحلة التي تجتازها ؟

بسام مصطفى

يدرك كل عاقل و حتى غير عاقل ان المرحلة التي نجتازها ذات طبيعة حساسة و دقيقة و حرجة ، و تختلف ايما اختلاف عن المراحل السابفة التي مرت بها الحركة الكردية من جهة و المنطقة من جهة اخرى .

فاما عن الحركة الكردية السياسية في غرب الوطن فهي و الحق يقال في وضع لا يحسد عليه كما كانت دوما .

حتى في مراحلها الاولى و مرحلة تأسيسها في منتصف القرن الماضي حيث ان التشرذم و الفرقة و الانشقاقات (اصبحت كلمة انشقاق فيما بعد كلمة مألوفة لدى اكراد غرب كردستان و الجاهل و المثقف هنا سواء !)

دخلت جسد الحركة مبكرا ، و بوضوح اكثر بعد حملة الاعتقالات التي قامت بها الحكومة السورية حينها و داخل جدران السجن حيث القيادة الكردية باكملها .

في السجن (هذا امر مستغرب ، فحتى الاعداء و الخصوم يتوحدون اذا ما وجدوا يوما تحت سقف واحد و في زنزانة واحدة ) حدث الانشقاق الاول بين طرفين او تيارين داخل الحركة يمكن ان يسميا –و التسمية لا تهم كثيرا هنا – تيار مرن بقيادة الدكتور نور الدين زازا يرى ان ما يطرحه الحزب الوليد (تحرير و توحيد كردستان ) يتعدى قدرة الحزب و امكانياته ، و تيار عنيد و صلب بقيادة المناضل عثمان صبري  يرى ما ورد في برنامج الحزب باتفاق الجميع مبررا و مشروعا و يجب عدم التخلي عنه باي شكل من الاشكال وتحت اي ظرف من الظروف .

و بدون التوغل كثيرا في دهاليز الماضي و الابتعاد عن الموضوع الرئيس فقد كان الانشقاق قد حدث لتبدأ بعدها مسلسل الانشقاقات الكثيرة الذي ما زال مستمرا الى يومنا هذا و وجدت –وهذا ادهى ما في الامر – ثقافة الانشقاق و الصراعات الداخلية مكانا لها لدى شعبنا الكردي في غرب الوطن و ضربت اطنابها عميقاهناك .

و اما فيما يخص الظروف التي تجتازها المنطقة ، فأقل ما يمكن ان يقال بهذا الصدد انها مصيرية و خطيرة و حساسة الى ابعد الحدود …و يمكن ان نشبه ما يجري في الشرق الاوسط الآن بشكل من الاشكال  بما جرى سابقا في اوروبا الشرقية و مشروع مارشال و بكلمة اخرى و لمن يهمه الامر و من لا يهمه نقول : ان المنطقة على ابواب تغيير شامل و كبير و لا مثيل له سيغير وجه المنطقة الى درجة ان ذكر ما كان يحدث في منطقتنا الآن بعد حوالي عشر سنوات سيثير ضحكا مقهقها غير منقطع .

هنا ، السؤال الأهم هو ما هو موقف حركتنا الكردية في غرب الوطن من كل ما يحدث ؟ و كيف تتعامل مع التطورات الكثيرة و التغييرات الهائلة التي تحدث يوميا و ساعة بساعة ؟ و ما هي الحلول التي تقدمها للمشاكل و المسائل التي تحتاج الى حل فوري قبل ان يقع الفأس بالرأس و يفوت الاوان !

بداية لا يختلف اثنان ان النظام البعثي المستبد في سورية غير قابل للاصلاح و لا يمكن توقع ذلك منه على الاطلاق .

و لست هنا في وارد ان اؤكد هذه الحقيقة لان ما حدث في الاعتصام الذي جرى مؤخرا في دمشق العاصمة في الذكرى السنوية الرابعة و الاربعين للاحصاء الاستثنائي الذي اجري في عام 1962 و جرد بموجبه اكثر من مئة الف كردي من الجنسية السورية و العدد كما هو معلوم تزايد الان الى ما يصل الربع مليون شخص فيما يسمون ” اجانب ” و ” مكتومين ” ، يؤكد ان نظاما كهذا غير قابل للتغيير و الاصلاح و مستمر على نهجه الاستبدادي الظالم تماما كما كان قبل اربعين عاما ! باختصار ، و بدون مبالغة يمكن القول انه في عصرنا هذا لا حياة لانظمة دكتاتورية و استبدادية مستأثرة بالسلطة و تتحكم بالبلاد كمزرعة شخصية و ارث عائلي  و تظلم العباد بألف شكل و شكل .بكلمة اخرى ،  ان نهاية النظام باتت و شيكة و قريبة جدا و الاهم من هذا و ذاك انها مؤكدة و المسألة لا تتعدى كونها مسألة وقت فقط .

و اذا كان ما ذكرناه صحيحا – و هو صحيح برأينا – فما هو رأي حركتنا الكردية بهذا الخصوص ؟

لابد من القول ان حركتنا السياسية – التي تعيش منذ زمن بعيد حالة طلاق مع الجماهير الكردية – تبدو وكأنها غير مدركة لما يحدث حولها من مستجدات و متطورات و متغيرات هائلة في العالم بشكل عام و في منطقة الشرق الاوسط على وجه الخصوص .

و لا تستطيع حتى في هذه المرحلة الخطيرة و المفصلية ان تتجاوز افكارها السابقة و ممارساتها القديمة التي لم تثمر عن شيء سوى ان زادت الامور سوءا و تعقيدا .

حركتنا حتى هذه اللحظة لم تحسن التعامل مع المرحلة الراهنة ذات الطبيعة المعقدة و التي تشهد تغييرات متسارعة في عصر يسمى بحق عصر السرعة ، و على العكس من هذه السرعة فان حركتنا ما تزال بطيئة تمشي مشي السلحفاة و تتابع نهجها السابق الذي سيحقق الفشل بكل تأكيد .

فما هي استعدادات الحركة لمرحلة ما بعد سقوط النظام ؟ ما هي قراءتها للمشهد الحالي و نتائجه ؟ ماذا علينا القيام يه كجماهير للحؤول دون التفريط بحقوقنا القومية و الانسانية المشروعة ؟ و الكثير من الاسئلة الاخرى .

المتابع للامور عن كثب سيدرك و منذ اللحظة الاولى ان ما تقوم به الحركة الكردية ازاء هذه التغييرات و التطورات لا تفي بالحاجة و بعيدة كل البعد عن الشىء المطلوب فعله .

فما هو موجود من كتل و احزاب و تيارات (الجبهة و التحالف) و ما وجد حديثا على الجانب السوري العام و من ضمنه الكردي (اعلان دمشق و جبهة الخلاص الوطني في سورية و غيرها ) ما هو الا انعكاس لما تعيشه الحركة الكردية من جهة و المعارضة الوطنية السورية بما فيها الكردية من اختلافات و تشرذم .

رغم ان ما يفرح في هذا المجال هو ما صدر عن اجتماع الامانة العامة لجبهة الخلاص الوطني في سورية الاخير من اجراء تقارب و انسجام بين الطرفين و مباشرة خطوات عملية بهدف تحقيق التغيير السلمي الديمقراطي المنشود في سورية .

و لكن –على المستوى الكردي – و اقولها باسف شديد ان الخلافات الشخصية المزمنة و الصراعات الجانبية و الداخلية التي نهشت و ما تزال جسد الحركة الكردية قد برزت الى السطح من جديد .

و كعادة الامر اجلت المصلحة القومية العليا و آمال الجماهير الكردية العريضة الى المرتبة الاخيرة .

و ربما ان هذا الامر كان محتملا في مرحلة سابقة ليس لانه مقبول او ذو فائدة و لكن لاننا تعودنا عليه و بات جزءا لا يتجزأ من ثقافتنا و وعينا الجماعي و الشخصي ، و لكن و نظرا لشروط و ظروف المرحلة الجديدة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فان تشرذمنا و فرقتنا سوف لن تجلب لنا سوى المزيد و المزيد من الخسائر و المشاكل التي نحن في غنى عنها .

و من جانبي اقترح بتواضع شديد ان الالتفاف حول هدف و فكرة واحدة ستكون ذو فائدة في هذه المرحلة الدقيقة ، و ليكن على سبيل المثال جبهة الخلاص الوطني في سورية التي تمثل غالبية اطياف المجتمع السوري بما فيها الاكراد .

و يمكن اعتبار التقارب المزمع عنه بين الجبهة المذكورة و اعلان دمشق كخطوة اولية في هذا المجال .

حركتنا الكردية تظهر في هذه المرحلة كما كانت تفعل دوما نوعا من ضيق الافق بل و انعدامه اذ ان ما يحدث الآن على قدم و ساق يتجاوز بلدا بعينه و يشمل المنطقة برمتها .

و المتابع يرى بسهولة ان منطقة الشرق الاوسط بشكلها الحالي ستخلي المكان شاءت ام ابت لشرق اوسط جديد كل الجدة و مختلف كل الاختلاف عن سابقه .

و هناك عدة مشاريع تطرح على بساط البحث و المناقشة فيما يخص واقع و مستقبل منطقتنا و منها مشروع الشرق الاوسط الجديد و الشرق الاوسط الكبير و في الاثنتين و بشكل اساسي لا غنى عنه توجد كردستان الموحدة و الطبيعية اي باجزائها الاربعة (دون ذكر كردستان الكبرى على غرار اسرائيل الكبرى و التي هي من ابداع مخيلة الشوفينيين العرب المليئة بالحقد و الكره و العداء لكل ما هو كردي ) .

فاذا حدث هذا الامر اي توحدت كردستان و تحررت من مثالب المحتلين و دكتاتورياتهم البغيضة فما هي نظرة و رؤية الحركة الكردية في غرب الوطن من كل هذا ؟ ألا يحتاج الامر الى القليل من التأمل و التفكير و توضيح الامور للجماهير الكردية في كل مكان ؟ أليس هذا كله من شأن الحركة و ” عباقرتها ” و رجالاتها و قياداتها و مناصريها الخ ؟ يمكن هنا تشبيه كردستان  بالحبيبة و العروس و هو تشبيه ورد في الكثير من الاغاني و الاشعار الكردية التي يبدو ان دهاة حركتنا السياسية لا يأبهون بها و لم يستنتجوا الحكمة منها .

فكل انسان يدرك ان الزواج بالحبيبة و فتح بيت جديد و جميل ما هو الا بداية المتاعب و المصاعب –بخاصة اذا حدث دونما تحضير و استعداد و بشكل مستعجل و عشوائي كما يحدث بالفعل كثيرا فب الواقع- و ليس نهايتها كما يتخيل بعضهم .

من مساوىء حركتنا – و انا لا الومها الا من منطلق الحب و ممارسة النقد البناء – انها لا تعتبر كثيرا بما يحدث في اماكن اخرى من عالمنا هذا الذي اصبح قرية صغيرة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى و لا تعتبر بتجارب الشعوب و البلدان الاخرى .

و هناك تجارب قريبة و ذات مغزى جرت بالقرب منا فمثلا في فلسطين فيما يتعلق بتجربة الانتخابات الاخيرة و فوز حماس فيها و خسارة فتح و المعاني الكثيرة التي يحملها هذا الحدث و ايضا ما حدث و يحدث في العراق بعد حرب تحريرها قبل ثلاثة اعوام و كيف ان كل ما يحدث في مكان ما يؤثر و يتأثر بما يحدث في مكان اخر بعيد او قريب لا فرق .

و مما يتطلب على حركتنا الكردية في غرب كردستان ان تنجزه او تعالجه مهما كان ، المسائل الكثيرة و الخطيرة المعلقة بانتظار من يحلها بحيث يعطي لكل ذي حق حقه .

و من المهام الفورية و العاجلة بانتظار الحركة هي القيام باجراء نوع من الاتحاد او الوحدة بين مختلف اطراف الحركة الكردية و اطيافها فمن غير المعقول بل و المشين ان يكون هناك اكثر من 14 حزب سياسي مقارنة بعدد الكرد في –سورية- ! و الانكى ان كل حزب او مجموعة (لان بعضها لا تتوفر فيها شروط الحزب بالمعنى الرسمي المألوف ، و  لا يتعدى اعضاء بعض منها اصابع اليد الواحدة و البعض الاخر لا يملك جريدة ناطقة باسمه و على ذكر الاسماء فان الكثير من احزاب الحركة الكردية لها نفس الاسم ! و السبب ان الجميع يدعي امتلاك الحقيقة و ينسب نفسه للحزب الام –الحزب الديمقراطي الكردستاني /سورية- و لا يرضى باقل من ان يقود هو نفسه السفينة دون ان يدرك ان ثقوبا كثيرة قد اخترقت جسدها هنا و هناك …!) .

و الوضع داخل احزاب الحركة الكردية لا يحتاج الى شرح كثير و هو موضوع قديم لان ما يرى من نتائج يعبر عن الوضع التنظيمي  البائس الذي تعاني منه كافة فصائل الحركة دون استثناء .

من جهة اخرى ، و ازاء أثار و نتائج عشرات السنين من سياسات البعث الشوفينية التي طالت العرب ايضا ، مثل جرائم التعريب و بناء المستوطنات و جلب الاف المواطنين العرب الى منطقة الجزيرة و توطينهم هناك في قرى نموذجية حديثة بنيت لهم خصيصا لحثهم على البقاء و تأليبهم على الكرد و اثارة النعرات و الصراعات القومية و غيرها مما برع البعث فيه ، اضافة الى مشكلة ضحايا الاحصاء ( الاجانب) و الاستيلاء على اراضي الفلاحين الكرد الفقراء و منحها دون وجه حق الى الغرباء المدعومين من الدولة و المطالبة بالتعويض عن كل ضرر الحق باي كان .

فماذا تقترح الحركة الكردية لحل كل هذه المسائل ؟ ما هو السبيل الانجع برأيها لحل مسألة –على سبيل المثال لا الحصر – المستوطنات العربية التي زرعت في الجزيرة من قبل النظام البعثي الفاشي و في حال سقوط نظام البعث هل تدرك الحركة ما الذي يمكن ان يحدث من صدامات و حتى ردود فعل غاضبة نوعا ما لدن من تعرض للظلم و الاضطهاد الفاضح و الفاحش لعشرات السنين؟؟

اذا الحركة الكردية تخوض امتحانها الصعب و المصيري و الشمال كما يقول سليم بركات ” امتحان …سيدة الجهات في امتحانها ” فهل ستكون عند حسن حظ الجماهير الكردية ام ان المصادفة ستكون سيدة الموقف ؟ ستبين قادمات الايام كل شيئ و كل ما ارجوه ان لا تكون المفاجآت كثيرة و غير متوقعة لان الاغبياء وحدهم – واعذروني على قولتي هذه- يتعرضون للمفاجآت دوما ؟

 

الحركة الكردية السياسية في غرب كردستان وحدها قادرة على ان ترد على كل هذه الاسئلة او ان الرسوب سيكون لها بالمرصاد !

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يروي تاريخ الكرد في سوريا حكاية تداخل معقد ومرير بين الصمود والاضطهاد، معكساً تفاعلًا طويل الأمد بين التهميش السياسي والاجتماعي والإصرار على الوجود والهوية. رغم العقود التي حملت سياسات تهجير ممنهجة مثل مشروع الحزام العربي وغيره من سياسات العزل والتغيير الديموغرافي، ظل الكرد راسخين في أرضهم، مدافعين عن ثقافتهم وحقوقهم، وساعين لإقامة سوريا متعددة الثقافات تضمن الكرامة لجميع…

بوتان زيباري في متاهة التاريخ السوري المعاصر، يبرز صراع مركب بين إرادات متشابكة؛ إرادة تسعى لاستعادة كرامة الوطن، وأخرى أسيرة لأوهام السيطرة المطلقة. عند قراءة كتاب “اغتصاب العقل” لجويت إبراهام ماوريتز ميرلو، ندرك كيف تُستخدم سيكولوجيا التحكم في الفكر وتشويه العقل كأدوات مركزية في توجيه الشعوب، وبالأخص في حالة سوريا حيث تتقاطع المأساة مع العبث السياسي. قد يبدو الحديث…

عبدالرحمن كلو على مدارِ السنواتِ السابِقةِ، وفي مرحلةِ النظامِ السابِقِ، كان العديدُ من الوطنيينَ والشرفاءِ الكوردِ من خارجِ نطاقِ منظومةِ حزبِ العمالِ الكوردستانيِّ (ب ك ك) ومن خارجِ دائرةِ المجلسِ الوطنيِّ الكورديِّ، يُطالبونَ بحمايةٍ دوليةٍ لعفرينَ والمناطقِ الأخرى التي تخضعُ للاحتلالِ التركيِّ. هذهِ المطالبُ جاءتْ كردِّ فعلٍ على ما كان يجري في تلكَ المناطقِ من ممارساتٍ إرهابيةٍ تهدفُ إلى التغييرِ…

فرحان كلش الأسئلة الأكثر إلحاحاً في الراهن الزماني، حول ما ولدته وأفرزته الثورة السورية، تكمن في إمكانية الربط المعرفي بين الثورة كخلق جماهيري والسلطة كناتج ثوروي، إذ يمكننا أن نلقي أسئلتنا في حلقة ضوابط تتعلق بالنشوء والفناء الثوري، هل ما نشهده اليوم من وجود إدارة سياسية في دمشق ناتج موضوعي لما شهدته الثورة السورية، أم هذا تدحرج لفكرة الالتفاف على…