في عيده السادس والستين الجيش السوري «على مفترق الطرق».. إلى مدينة حماة الباسلة

إبراهيم اليوسف

تذّكرت يوم الجيش السوري، وأنا أتابع نص كلمة تقليدية موقعة باسم بشار الأسد،  موجهة إلى الجيش، وهو يحتل رتبة الفريق التي طارت إلى كتفيه، كما طارت إليه الرئاسة، وهو القاصر عنها، سناً، وكفاية، وإن كانت معلوماته في شؤون الجيش، لن تزيد عن معلومات أيِّ مجند أمي..!

ويوم الجيش السوري، كان يوماً منتظراً من قبل “العساكر” الدراويش، حيث قد يقدم لهم- في بعض القطع العسكرية الأقل سرقة وفساداً- إن وجدت- ما يمكن أن يعد استثناءً في تاريخ خدمة العسكري، ويستحق التدوين في سجل مذكراته، ربع دجاجة، ونصف تفاحة، وقطعة من الحلويات الرخيصة، وهو اليوم الذي يعدّ مأساة لمحاسب القطعة العسكرية، وسادته الضباط اللصوص، كل بحسب طول يده، وإن كانت هناك قطعات عسكرية لن يعرف عسكريوها عن هذا العيد، إلا من خلال ما يقرأ على مسامعهم من برقيات جافة، يسمعونها، رغماً عن أنوفهم.
والجيش السوري الذي تأسس قبل ستة وستين عاماً، في الأول من آب اللهاب، لا يزال بالرغم مما يعانيه من فساد، وأدلجة خاوية، مثلاً في الوطنية، والشهامة، والنبل، والولاء للوطن والشعب، وإن كان قد انحدر تحت ثقل تحوير أهدافه السامية، في الدفاع عن أرض الوطن، والسعي عن استعادة ما سلب منه، إلى الحضيض، والولاء للقائد، الضرورة، من دون أن تتاح له الظروف، وعلى امتداد عقود عمره، أن يعيد ولو شبراً مما احتل، و بيع، من الأرض السورية الغالية.
قصص فساد الجيش كثيرة، ولعلي كنت أحد الذين تصدوا للكتابة عن بعض منها، منذ سنوات، وهناك آخرون فعلوا ذلك، ومما قد يبدر إلى بال كل مواطن مطلع: عمل مجموعات من الجنود، كرقيق، في مزارع  بعض الضباط، ذوي السطوة والنفوذ، صغاراً، من خلال رتبهم، أم كباراً،من خلالها، لا فرق، أو دفع المجند راتباً شهرياً لأحد الضباط، ليخدم جنديته في بيت أمه، وهناك من كان يفضل العمل في مجال شاق، لتقديم راتبه الشهري لمعلمه.


لقد وجدنا في العام 2004 عندما حاصر الجيش السوري المدن الكردية، كيف أن العساكر كانوا يتوسلون الأهالي لإعطائهم رغيف خبز، أو وجبة طعام، وهو ما يتم الآن، في الكثير من المدن السورية، وإن كان هذا المجند يضطر لتوجيه “سبطانة” رشاشه، إلى صدر من يقدم له الرغيف والحب، كما يحدث –حالياً- في مدينة حماة، الأبية، وفي البوكمال، حيث يترافق عيد الجيش، مع الفاتح من رمضان، وفتح المدن الوطنية، إذ يعلن عن نجاح الجيش في الوصول إلى هذه المدينة أو تلك، وكأنه استرد الجولان، وكيليكية والإسكندرونة.


إن الجيش السوري الذي نريده لمواجهة محتلي أرضنا، بات مهيض الجناح،ذليلاً، مزجوجاً في مهمات غير نبيلة، وهو مُكره على ألا يلعب دوره الوطني، في الحفاظ على أمن المواطن، إذ لا مسوِّغ لوجوده إن كان ثمة خلل في هذا الأمن، فما بالك، إن كان مكرهاً، ليكون أداة في ذلك…!
لقد استطاع الجيش المصري، أن يعطي صورة عالية عن وطنيته، عندما كان يحول دون اعتداء “البلطجية” على متظاهري ساحة التحرير، ولعب دوراً حاسماً في حقن دماء المواطنين، والحفاظ على المعادلة الوطنية، لذلك بقيت صورته ناصعة، على امتداد مسيرة الثورة حتى لحظة نجاحها، وهوما يفتقد إليه الجيش السوري الذي خاض مهمة غير نبيلة، لقتل المواطن السوري، وكتم أنفاسه، وانتهاك كرامته، وهو ما شوَّه صورته- وهو المقدس- في الذاكرة السورية، ليدفع المواطن السوري- مستقبلاً- إلى أن يصرّ أن يكون موقع الجيش الثكنة، لا الشارع، وهو ما سينهي مرحلة “العسكرة” التي التهمت الحياة، منذ مرحلة ما يسمى ب “طلائع البعث”، ومروراً بمرحلة ما يسمى ب” شبيبة الثورة”، و”التدريب العسكري”، وحتى في الرمق الأخير من حياة مواطننا، المهدد بالخدمة الاحتياطية، في جيش يستنزف باسمه كل الاقتصاد السوري، وهو جائع، جانح، قسراً…..!
إن الجيش السوري، وهو يحتفل بعيده السادس والستين، وسط انتفاخ وتنتن جثث مواطنينا في المدن المحاصرة، غدا في أصعب اللحظات من عقود حياته، المريرة، ما دام أنه عجز عن أداء مهماته الجسام، وهذا ما نتن رائحته- وهو البائس- المقود- لا القائد، الأسير، وسط تراتيبة تنظيمية، أوهنته، ما جعلته على مفترق الطرق، لا سيما وأن السواد الأعظم منه- هم من غير المنتفعين- الأمر الذي ضاعف حالة الاحتقان، والتذمّر، والهمس، بالرغم من الحالة الأمنية، الرهيبة، ومئات حالات الإعدام الميداني، خاصة وإن كثيرين يؤكدون انقطاع أخبار أبنائهم العساكر عنهم، ما يوحي بأن هذا الجيش أمام مرحلة جديدة، تنتظره، بعد أن بات يرفض الإذعان، على نحو علني، و صار يخرج من قمقمه، ليكون محور معادلة القوة، والشكيمة، والبأس الوطني.


1-8-2011
المقال التالي:
“دموع السيد الرئيس”

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…