الدوحة- د.
آزاد أحمد علي
pesar@hotmail.com
آزاد أحمد علي
pesar@hotmail.com
برز الدور السياسي للأكراد منذ حوالي ألف سنة في إطار الدولة العربية الإسلامية، وخاصة منذ العهد الأيوبي.
وظل الأكراد فاعلين سياسيا واجتماعيا داخل الامبرطورية العثمانية لحين هيمنة العنصر التركي، فكان الأكراد من أوائل الشعوب التي نادت بالتحرر القومي عن السلطة العثمانية التركية في القرنيين التاسع عشر والعشرين.
لذلك تأسست جمعية “تعالي وترقي الكورد” عام 1908م في استانبول، كما تأسست من بعدها عام 1910م جمعية الأمل “هيفي” من قبل الطلبة الأكراد.
أما بعد الحرب العالمية الأولى فقد أسس الأكراد خارج تركيا الكمالية جمعية سياسية متطورة هي “خويبون” وتعني “الاستقلال” حوالي عام 1927ولقد أعلنت في بلدة بحمدون بلبنان.
وظل الأكراد فاعلين سياسيا واجتماعيا داخل الامبرطورية العثمانية لحين هيمنة العنصر التركي، فكان الأكراد من أوائل الشعوب التي نادت بالتحرر القومي عن السلطة العثمانية التركية في القرنيين التاسع عشر والعشرين.
لذلك تأسست جمعية “تعالي وترقي الكورد” عام 1908م في استانبول، كما تأسست من بعدها عام 1910م جمعية الأمل “هيفي” من قبل الطلبة الأكراد.
أما بعد الحرب العالمية الأولى فقد أسس الأكراد خارج تركيا الكمالية جمعية سياسية متطورة هي “خويبون” وتعني “الاستقلال” حوالي عام 1927ولقد أعلنت في بلدة بحمدون بلبنان.
وكان مراكز نشاطها بشكل أساسي في كل من ودمشق وحلب بيروت .
كما تنامى النشاط الثقافي فأصدرت عدة مجلات باللغة الكوردية في دمشق.
مثل “هاوار” و “روناهي” كما تشكلت الأندية الثقافية والشبابية في مدن الجزيرة السورية ودمشق.
وعلى الرغم من تفهم الفرنسيين طموحات الكورد السياسية في تركيا الجديدة حينها، فقد حدث العكس في سورية إذ قاوم أكراد سوريا الانتداب الفرنسي، وخاضوا كفاحا مسلحا ضدهم.
كانت أبرزها معركة بياندور وانتفاضة عامودا عام 1937 وكانت هذه الأخيرة كبيرة لدرجة أن قصفت الطائرات الفرنسية المدينة ودمرت أجزاء واسعة منها.
كما خاضت حركة المريدين الكردية في جبل الأكراد بمحافظة حلب نضالا قاسيا ضد حكم الانتداب.
وقد أخذت مطالب الكورد منحى آخر وصلت إلى حد المطالبة بالاستقلال عن سلطة الانتداب عام، عبرت عنها جماهير الجزيرة السورية في انتفاضة عام1939ولم تنجح تلك الحركة ولم تتحقق هدفها في الاستقلال الذاتي .
بعد استقلال سورية توجهت السياسات الداخلية للنخبة البرجوازية العربية الحاكمة باتجاه استهداف وإقصاء الأكراد عن الحياة السياسية وعن مفاصل الحكم، خاصة أكراد دمشق وحماه, وذلك استكمالا لما بدأه الحكم الفرنسي السابق وكخطوة في اتجاه بناء دولة القومية الواحدة وتعويم العروبة النظرية, فكان خير تطبيق عملي لهذه الأطروحات القومية العروبية الجافة هي اضطهاد الأكراد والسعي لإفراغ كل الشحنات الغاضبة ضد الأتراك في جموع الأكراد المحيطين بهم, لربما لكونهم مسلمون غير عرب كالأتراك أو لأنهم فعلا كانوا جزءا من منظومة الحكم التركي ـ العثماني طوال قرون وشكلوا طبقة حاكمة تاريخيا في أغلب مناطق بلاد الشام.
وربما لم يجد الوعي بالقومية العربية حينها طريقا للترجمة العملية لنظرياته سوى إقصاء شركائهم الأكراد.
وفي المحصلة دفعت جملة من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك النزعة القومية الكردية السابقة لاستقلال سورية موضوعياً باتجاه ولادة الحركة القومية الكردية في سورية الجديدة.
فتأسس الحزب الديمقراطي الكردي في سورية صيف عام 1957م.
هذا الحزب الذي عرف ب “البارتي”، واشتقت عنه باقي الأحزاب لاحقا.
وباختصار تعتبر الأحزاب الكردية في سورية اليوم هي استمرارية للحركات الكردية القومية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، قبل أن ترتسم الحدود الجغرافية الحالية بين تركيا وسورية.
لقد تعرض الأكراد لعملية إقصاء من الحكم أولا ومن ثم تم تطبيق سياسات تميزية ضدهم وصولا إلى حملات الاضطهاد والاعتقال ومنع تداول اللغة الكوردية في ظل الحكومات القومية العربية منذ عهدي عبد الناصر وحكومة الانفصال، وتفاقمت هذه السياسات في ظل حكم حزب البعث.
وعلى الرغم من شدة الإجراءات القمعية والسياسات الشوفينية فقد صبرت الحركة الكردية وحافظت على طابع نضالها السلمي الديمقراطي، وظلت تؤكد على عدم الرهان على العامل الخارجي.
لقد كان خلاف الحركة الكوردية مع السلطات الحاكمة وخاصة سلطة حزب البعث على نقطتين أساسيتين الأولى تكمن في أن طبيعة الحكم غير الديمقراطية والإقصائية بدأ بالإقصاء القومي للكورد وانتهاء بالإقصاء السياسي لباقي التيارات السياسية وفئات الشعب السوري.
والثانية تتركز في عدم الاعتراف بالقومية الكوردية وما يترب عليه من حقوق سياسية وثقافية.
لقد عمل النظام طوال خمسين سنة الماضية لبناء دولة تعتمد الصهر القومي والثقافة الواحدة أساسا لبنيتها الادارية والسياسية.
لذلك كل برامج أحزاب الحركة الكوردية تلخصت حول حل هذين المطلبين, أي رفع حالة الاضطهاد بحق الشعب الكوردي وتامين حقوقه السياسية والثقافية.
واستمرت سياسات الأحزاب الكوردية تحت هذا السقف بحثا عن الشراكة الوطنية الكاملة دون التصدي لمسألة تغيير السلطة أو طرح نفسها أحد البدائل الممكنة للسلطة القائمة, ونشرت بقوة ثقافة اللاعنف وضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية.
مما جعل من الحركة الكوردية موضوعيا في حالة هدنة غير معلنة مع السلطة الحاكمة إلى حين تفجر أحداث عام 2004 الدامية والتي شكلت منعطفا في مسار هذه العلاقة.
ومن الملاحظ أن سياسة الإقصاء القومي تحولت مع الزمن إلى ثقافة للاستعلاء على الكورد وتجاهل حقوقهم شملت الأوساط المعارضة والنخب الثقافية بدرجة أو أخرى.
لقد ترافق وتفاعل تشكل هذه الثقافة مع تجاهل كل ما هو متعلق بالأكراد وتاريخهم وثقافتهم، بل طمست السلطات كل المعارف الداعمة للحق الكوردي، بدءا بالمعلومات داخل المناهج الدراسية وصولا إلى تغيير أسماء القرى والمعالم الجغرافية.
وعلى الرغم من تأخر المعارضة العربية في وضع تصور لحل المسألة الكردية، فالأحزاب الكردية لم تعزل نفسها عن الحراك الديمقراطي المعارض بل دعمته وبلورت سياساتها في السنوات الأخيرة، وسعت للعمل معا على أرضية المشروع الوطني الديمقراطي على حساب المشروع القومي الكردي الذي يمثل ممكنا سياسيا مستقبليا، لكن معظم أحزاب الحركة الكردية أعطت الأولوية للتحالف مع المعارضة السورية دعما لمشروع التغيير الديمقراطي في سورية.
ومنذ بدء الاحتجاجات في محافظة درعا أواسط شهر آذار الماضي وحتى تطورها إلى انتفاضة شعبية تعم أغلب مناطق سورية تضامن الشباب الكوردي تضامنا أخلاقيا سريعا مع المنتفضين وأكدوا من جديد على المشترك الروحي وأخلاقي لشباب سورية قبل وحدتهم السياسية، كما ساهمت الحركة الكوردية في رفع معنويات المنتفضين وطالبت بالوقف الفوري لكافة أعمال العنف وأدانتها، وطالبت أيضا بضرورة السماح بالمظاهرات السلمية وصولا لتلبية مطالب المتظاهرين المشروعة.
ولم تكتف بذلك بل أقدمت على خطوات جدية ومبادرات تساهم في تأطير المعارضة التقليدية السورية المتمثل بالجمع بين إعلان دمشق والتجمع الوطني الديمقراطي إضافة إلى شخصيات وطنية معارضة، بهدف تشكيل أرضية حقيقية للتنسيق الوطني الديمقراطي.
اتسمت تحركات الأحزاب الكردية عموما بالاتزان وذلك لعدم حرف مسار الحراك الشعبي واستغلاله في صيغة صراع قومي، كما لم ترفع سقف مطالبها السابقة للأحداث، وتمسكت بثوابتها المتلخصة بنبذ كافة أعمال العنف وضرورة وقف كل إجراءات الحل الأمني ـ العسكري، لتهيئة المناخ والإعداد لحوار وطني شامل دون إقصاء لأي جهة أو هيمنة لأي جهة أخرى، وذلك لوضع دستور جديد يشكل مدخلا رئيسا لتأسيس دولة القانون التعددية الديمقراطية.
وإذا استشرفنا دور الحركة الوطنية الكردية وعلاقتها المستقبلية مع ممثلي الشارع السوري المنتفض ومعارضتها التقليدية فيمكن القول إن تاريخ الحركة الكوردية الطويل نسبيا وعلاقتها الندية مع السلطة وكذلك حسن علاقاتها مع كافة أطياف المعارضة مع الأخذ بعين الاعتبار بنيتها التنظيمية المتماسكة تؤهلها اليوم لتقوم بدور العمود الفقري للمعارضة السورية المنظمة.
وملامح هذه المرحلة سترتسم بعد أن يتم ترتيب البيت الكردي من الداخل عبر مؤتمر وطني كردي من المزمع انعقاده قريبا بهدف تحديد تفاصيل هذا الدور الذي يفترض له أن يكسب ثقة الشارع السوري المنتفض ويؤسس لعلاقة تحالفية جديدة مع المعارضة على أساس الشراكة الوطنية الكاملة وبرنامج الحد الأدنى المتمثل بضرورة الانتقال السلمي إلى دولة القانون المدنية التعددية، فالحركة الكردية تعمل بجدية لخلق بيئة من الثقة المتبادلة لتهيئة الأجواء لحوار وطني شامل.
فنجاح التجربة الديمقراطية في سورية وكذلك نجاح دور الحركة الكردية في ذلك مرهون أيضا بقدرة المعارضة التقليدية العربية وممثلي الشارع المنتفض في دعم المبادرة الكردية عن طريق اقتراح حلول جدية وشجاعة لحل المسالة الكردية لأنه من الصعب الانتقال إلى حكم ديمقراطي دون حل واضح ودستوري لمسألتي القومية والتعددية في النظام السياسي الجديد.
فلا يمكن للحركة أن تقوم بدورها الفعال وتستجمع كافة قواها في المرحلة القادمة وتشارك في التأسيس لتحالف جديد لقوى التغيير في سورية دون إيجاد حلول لنقطتي الخلاف الأساسيتين والتاريخيتين مع السلطات الحاكمة طوال أكثر من نصف قرن.
فالعلاقة جدلية بين تطوير الوعي الديمقراطي من جهة ونجاح انتفاضة الحرية والديمقراطية من جهة أخرى.
وأزمة سورية الراهنة هي نتاج أزمة بنيوية ملاصقة للحظة نشؤوها ، حين تأسست على أساسي القهر والصهر ولم تكن أساسا دولة مشيدة على أرضية التنوع والتطوع.
ولكي تثمر شجرة الحرية التي ارتوت بدماء الشهداء في سورية لابد من توفير شرط الديمقراطية داخل صفوف أطراف المعارضة السورية، والإقرار أيضا بأن قوة سورية وجمالها هي في تنوعها.
ــــــــــــ
كما تنامى النشاط الثقافي فأصدرت عدة مجلات باللغة الكوردية في دمشق.
مثل “هاوار” و “روناهي” كما تشكلت الأندية الثقافية والشبابية في مدن الجزيرة السورية ودمشق.
وعلى الرغم من تفهم الفرنسيين طموحات الكورد السياسية في تركيا الجديدة حينها، فقد حدث العكس في سورية إذ قاوم أكراد سوريا الانتداب الفرنسي، وخاضوا كفاحا مسلحا ضدهم.
كانت أبرزها معركة بياندور وانتفاضة عامودا عام 1937 وكانت هذه الأخيرة كبيرة لدرجة أن قصفت الطائرات الفرنسية المدينة ودمرت أجزاء واسعة منها.
كما خاضت حركة المريدين الكردية في جبل الأكراد بمحافظة حلب نضالا قاسيا ضد حكم الانتداب.
وقد أخذت مطالب الكورد منحى آخر وصلت إلى حد المطالبة بالاستقلال عن سلطة الانتداب عام، عبرت عنها جماهير الجزيرة السورية في انتفاضة عام1939ولم تنجح تلك الحركة ولم تتحقق هدفها في الاستقلال الذاتي .
بعد استقلال سورية توجهت السياسات الداخلية للنخبة البرجوازية العربية الحاكمة باتجاه استهداف وإقصاء الأكراد عن الحياة السياسية وعن مفاصل الحكم، خاصة أكراد دمشق وحماه, وذلك استكمالا لما بدأه الحكم الفرنسي السابق وكخطوة في اتجاه بناء دولة القومية الواحدة وتعويم العروبة النظرية, فكان خير تطبيق عملي لهذه الأطروحات القومية العروبية الجافة هي اضطهاد الأكراد والسعي لإفراغ كل الشحنات الغاضبة ضد الأتراك في جموع الأكراد المحيطين بهم, لربما لكونهم مسلمون غير عرب كالأتراك أو لأنهم فعلا كانوا جزءا من منظومة الحكم التركي ـ العثماني طوال قرون وشكلوا طبقة حاكمة تاريخيا في أغلب مناطق بلاد الشام.
وربما لم يجد الوعي بالقومية العربية حينها طريقا للترجمة العملية لنظرياته سوى إقصاء شركائهم الأكراد.
وفي المحصلة دفعت جملة من المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وكذلك النزعة القومية الكردية السابقة لاستقلال سورية موضوعياً باتجاه ولادة الحركة القومية الكردية في سورية الجديدة.
فتأسس الحزب الديمقراطي الكردي في سورية صيف عام 1957م.
هذا الحزب الذي عرف ب “البارتي”، واشتقت عنه باقي الأحزاب لاحقا.
وباختصار تعتبر الأحزاب الكردية في سورية اليوم هي استمرارية للحركات الكردية القومية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، قبل أن ترتسم الحدود الجغرافية الحالية بين تركيا وسورية.
لقد تعرض الأكراد لعملية إقصاء من الحكم أولا ومن ثم تم تطبيق سياسات تميزية ضدهم وصولا إلى حملات الاضطهاد والاعتقال ومنع تداول اللغة الكوردية في ظل الحكومات القومية العربية منذ عهدي عبد الناصر وحكومة الانفصال، وتفاقمت هذه السياسات في ظل حكم حزب البعث.
وعلى الرغم من شدة الإجراءات القمعية والسياسات الشوفينية فقد صبرت الحركة الكردية وحافظت على طابع نضالها السلمي الديمقراطي، وظلت تؤكد على عدم الرهان على العامل الخارجي.
لقد كان خلاف الحركة الكوردية مع السلطات الحاكمة وخاصة سلطة حزب البعث على نقطتين أساسيتين الأولى تكمن في أن طبيعة الحكم غير الديمقراطية والإقصائية بدأ بالإقصاء القومي للكورد وانتهاء بالإقصاء السياسي لباقي التيارات السياسية وفئات الشعب السوري.
والثانية تتركز في عدم الاعتراف بالقومية الكوردية وما يترب عليه من حقوق سياسية وثقافية.
لقد عمل النظام طوال خمسين سنة الماضية لبناء دولة تعتمد الصهر القومي والثقافة الواحدة أساسا لبنيتها الادارية والسياسية.
لذلك كل برامج أحزاب الحركة الكوردية تلخصت حول حل هذين المطلبين, أي رفع حالة الاضطهاد بحق الشعب الكوردي وتامين حقوقه السياسية والثقافية.
واستمرت سياسات الأحزاب الكوردية تحت هذا السقف بحثا عن الشراكة الوطنية الكاملة دون التصدي لمسألة تغيير السلطة أو طرح نفسها أحد البدائل الممكنة للسلطة القائمة, ونشرت بقوة ثقافة اللاعنف وضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية.
مما جعل من الحركة الكوردية موضوعيا في حالة هدنة غير معلنة مع السلطة الحاكمة إلى حين تفجر أحداث عام 2004 الدامية والتي شكلت منعطفا في مسار هذه العلاقة.
ومن الملاحظ أن سياسة الإقصاء القومي تحولت مع الزمن إلى ثقافة للاستعلاء على الكورد وتجاهل حقوقهم شملت الأوساط المعارضة والنخب الثقافية بدرجة أو أخرى.
لقد ترافق وتفاعل تشكل هذه الثقافة مع تجاهل كل ما هو متعلق بالأكراد وتاريخهم وثقافتهم، بل طمست السلطات كل المعارف الداعمة للحق الكوردي، بدءا بالمعلومات داخل المناهج الدراسية وصولا إلى تغيير أسماء القرى والمعالم الجغرافية.
وعلى الرغم من تأخر المعارضة العربية في وضع تصور لحل المسألة الكردية، فالأحزاب الكردية لم تعزل نفسها عن الحراك الديمقراطي المعارض بل دعمته وبلورت سياساتها في السنوات الأخيرة، وسعت للعمل معا على أرضية المشروع الوطني الديمقراطي على حساب المشروع القومي الكردي الذي يمثل ممكنا سياسيا مستقبليا، لكن معظم أحزاب الحركة الكردية أعطت الأولوية للتحالف مع المعارضة السورية دعما لمشروع التغيير الديمقراطي في سورية.
ومنذ بدء الاحتجاجات في محافظة درعا أواسط شهر آذار الماضي وحتى تطورها إلى انتفاضة شعبية تعم أغلب مناطق سورية تضامن الشباب الكوردي تضامنا أخلاقيا سريعا مع المنتفضين وأكدوا من جديد على المشترك الروحي وأخلاقي لشباب سورية قبل وحدتهم السياسية، كما ساهمت الحركة الكوردية في رفع معنويات المنتفضين وطالبت بالوقف الفوري لكافة أعمال العنف وأدانتها، وطالبت أيضا بضرورة السماح بالمظاهرات السلمية وصولا لتلبية مطالب المتظاهرين المشروعة.
ولم تكتف بذلك بل أقدمت على خطوات جدية ومبادرات تساهم في تأطير المعارضة التقليدية السورية المتمثل بالجمع بين إعلان دمشق والتجمع الوطني الديمقراطي إضافة إلى شخصيات وطنية معارضة، بهدف تشكيل أرضية حقيقية للتنسيق الوطني الديمقراطي.
اتسمت تحركات الأحزاب الكردية عموما بالاتزان وذلك لعدم حرف مسار الحراك الشعبي واستغلاله في صيغة صراع قومي، كما لم ترفع سقف مطالبها السابقة للأحداث، وتمسكت بثوابتها المتلخصة بنبذ كافة أعمال العنف وضرورة وقف كل إجراءات الحل الأمني ـ العسكري، لتهيئة المناخ والإعداد لحوار وطني شامل دون إقصاء لأي جهة أو هيمنة لأي جهة أخرى، وذلك لوضع دستور جديد يشكل مدخلا رئيسا لتأسيس دولة القانون التعددية الديمقراطية.
وإذا استشرفنا دور الحركة الوطنية الكردية وعلاقتها المستقبلية مع ممثلي الشارع السوري المنتفض ومعارضتها التقليدية فيمكن القول إن تاريخ الحركة الكوردية الطويل نسبيا وعلاقتها الندية مع السلطة وكذلك حسن علاقاتها مع كافة أطياف المعارضة مع الأخذ بعين الاعتبار بنيتها التنظيمية المتماسكة تؤهلها اليوم لتقوم بدور العمود الفقري للمعارضة السورية المنظمة.
وملامح هذه المرحلة سترتسم بعد أن يتم ترتيب البيت الكردي من الداخل عبر مؤتمر وطني كردي من المزمع انعقاده قريبا بهدف تحديد تفاصيل هذا الدور الذي يفترض له أن يكسب ثقة الشارع السوري المنتفض ويؤسس لعلاقة تحالفية جديدة مع المعارضة على أساس الشراكة الوطنية الكاملة وبرنامج الحد الأدنى المتمثل بضرورة الانتقال السلمي إلى دولة القانون المدنية التعددية، فالحركة الكردية تعمل بجدية لخلق بيئة من الثقة المتبادلة لتهيئة الأجواء لحوار وطني شامل.
فنجاح التجربة الديمقراطية في سورية وكذلك نجاح دور الحركة الكردية في ذلك مرهون أيضا بقدرة المعارضة التقليدية العربية وممثلي الشارع المنتفض في دعم المبادرة الكردية عن طريق اقتراح حلول جدية وشجاعة لحل المسالة الكردية لأنه من الصعب الانتقال إلى حكم ديمقراطي دون حل واضح ودستوري لمسألتي القومية والتعددية في النظام السياسي الجديد.
فلا يمكن للحركة أن تقوم بدورها الفعال وتستجمع كافة قواها في المرحلة القادمة وتشارك في التأسيس لتحالف جديد لقوى التغيير في سورية دون إيجاد حلول لنقطتي الخلاف الأساسيتين والتاريخيتين مع السلطات الحاكمة طوال أكثر من نصف قرن.
فالعلاقة جدلية بين تطوير الوعي الديمقراطي من جهة ونجاح انتفاضة الحرية والديمقراطية من جهة أخرى.
وأزمة سورية الراهنة هي نتاج أزمة بنيوية ملاصقة للحظة نشؤوها ، حين تأسست على أساسي القهر والصهر ولم تكن أساسا دولة مشيدة على أرضية التنوع والتطوع.
ولكي تثمر شجرة الحرية التي ارتوت بدماء الشهداء في سورية لابد من توفير شرط الديمقراطية داخل صفوف أطراف المعارضة السورية، والإقرار أيضا بأن قوة سورية وجمالها هي في تنوعها.
ــــــــــــ
· نص الورقة التي تليت في الندوة العلمية التي انعقدت تحت عنوان: “سورية بين خيارات ومصالح القوى السياسية والاجتماعية واحتمالات التغيير”.
في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة 30ـ 31 يوليو / تموز
في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة 30ـ 31 يوليو / تموز