نداء عاجل إلى الأحزاب الكردية ومن في ركابها

إبراهيم محمود
 
أي موقف تتمثله الأحزاب الكردية، ومن في ركابها، من شخصية الكاتب عموماً، والباحث خصوصاً، والمثقف بشكل أدق؟ هل ثمة فوبيا (خوف مرضي) من شخصيته لتظهر لامبالاتها إزاءه، أو تسمّي من تريد تسميته كاتباً أو باحثاً أو مثقفاً أو مفكراً، تبعاً لزاوية نظرها وطبيعة علاقته به؟ هل الثقافة طارئة علينا هنا يا ترى؟!

لماذا لا يوجد هذا الموقف المحدد من جهة هذه الأحزاب منه وخصوصاً في السنوات المنصرمة وراهناً أكثر؟
إن عدم الاهتمام بتأريخ الأحداث الساخنة (بدءاً من 12 مارس 2004، ولاحقاً)، حيث يستحيل العثور على مرجع دقيق وشامل لمسيرة الأحداث التي عشناها كردياً وسورياً، وفي المضمار الثقافي، يضع هذه الأحزاب جملة في خانة المواجهة لا بل والمساءلة عن السر الكامن وراء هذا التنكر أو التجاهل المقصود.
ربما، لأن الكاتب، والمثقف في الدرجة الأولى، يهمه الحدث من زوايا مختلفة، ويتبع نظرته الشخصية، دون أن يعني ذلك أن ليس لديه أي مبدأ في تعرضه لأي قضية أو مسألة كردية صرف أو عامة: كردية وغيرها، ولأن الأحزاب الكردية تحاول الإيحاء بأن ما يهمها يصب في المصب السياسي الإيديولوجي، وبالتالي فإن الثقافي يتوارى وراء السياسي أو يغيب داخله، دون إخفاء نزعة النرجسية لديها لحظة تسمية المثقف باسمه.
لكنها لا تتدخر جهداً، ولا تتردد في إطلاق أكثر أو أشد النعوت سلبية وعنفاً إذا تلمست فيه ما يخالف توجهاتها، وبذلك فهي لا تنكر موقفها المحدد منه، إنها لا تصرح به أو تشهره عندما تشعر بضرورة هذا الإظهار بدقة..
إن ذلك يعبّر عن ذاتية” مركزية” مميتة وشديدة السمّية، وفي اتجاه واحد، حين تكون هي وتقيّم هي!
ولعل موقفاً مفصلياً كهذا، يسهل تأكيده، من خلال علاقتها بالمثقف، والدور الذي ينبغي عليه التجمل به، إنه الدور التنظيري والمترجَم بتصرف لما يقوله أو يرمي إليه مسئول الحزب الأول هنا وهناك، فالشخصية مؤطرة هنا!
إن الذي حفّزني على كتابة هذا المقال (وثمة من يرفض تسميته مقالاً لأسباب سالفة الذكر)، هو مجريات أحداث لا زلنا نعيش سخونتها عدا سخونة صيفنا، جهة التعليقات وعنفها، ومن يزكّيها، ويروّجها في شتائميتها، وبثها عبر أكثر من منبر وفي أكثر من وسط، وما يرفقها من توجيه بالعمالة والخيانة والتسفيه في هذا أو غيره، وأقرب مثال حول ذلك هو موقع (ولاتي مه)، وكيف تتم إدارته، وليس لأن الجاري يصدر عن موافقة الموقع بالذات..
الموضوع لا يتعلق بموقع دون غيره، وإنما بقرَّاء المواقع الكردية، وكيف يقرؤون، ويرقّمون عدد مرات القراءة، وأي صور تتركب في أذهانهم عما يقرؤون، والانطباع الذي يخرجون به في اللحظة الحاسمة، كما هو الوضع القائم، ودور المحيط أو الوسط السياسي والاجتماعي الكردي في تنميط الأفراد أو الكتاب ووضعهم في خانات وإطلاق ألقاب أو نعوت مختلفة تتقدمهم بقدر ما تمثل” الفلترَ” الذي يمكّن القارئ من قراءة معينة لما يشغله.
ربما جاء ما كتبه الكاتب هوشنك أوسي قياسياً في نسبة الشتائم والبذاءات والتحقيرات المخجلة حقاً، في إطار ما يسمى بـ(التعليقات) ومفهوم التعليقات كردياً، وما أشار إليه الصديق والكاتب إبراهيم يوسف حول ذلك لافتاً، وباسمه، وما يعنيه هو يعنيني، لا بل يعني كل حريص على الكتابة، وأعتقد أن يوسف، كما هو معهود فيه، أراد طي هذه الصفحة البغيضة، وبمنتهى الروح التسامحية والتقدير المتبادل، غير أن القضية وهي تشملنا جميعاً تتجاوزنا، ولا تتوقف عند هذه النقطة، بل تبقي الأحزاب الكردية محط المساءلة الحقوقية والأخلاقية، انطلاقاً من تاريخها المريع في هذا النطاق، إذ عبرها يسهل وصف أي كان بأنه (فاضي، يزعبر، سطحي، حرامي، متطفل على الثقافة…الخ)، وأن غيره (كاتب فعلاً، ومثقف ، ومفكر أيضاً..) لأن ثمة ما يبرر هذه الأحكام السريعة..
ذلك ما تعرضت ُ له بالمقابل ، إلى جانب آخرين: إبراهيم يوسف، خليل كالو، هوشنك أوسي لاحقاً…الخ، وهذا ما أعيشه وأعانيه منذ سنوات طوال، وبالتالي فإن ذلك يقتضي من الأحزاب الكردية الساكتة، ربما لأن ذلك يرضيها، عما يجري، يقتضي منها أن تعلن بصراحة عن موقفها وبالاسم، حتى يكون كل شيء واضحاً (فيما يخصني أبعد من صلتي بالراحل ظاظا، وما أشيع عني من تهم فظيعة أثناء ذهابي إلى أوربا..)، كما لو أن هناك أثراً تراكمياً، ودون التصريح الخطي تكون قد أثبتت التهمة على نفسها، تهمة تزكية تعليقات بغيضة.
ذلك يضع الآخرين ممن يتحركون في ظلها أو بالترادف معها من الكتاب وسواهم إلى جانبها أو في موقع الاستجواب الضميري تماماً.
 أشير هنا إلى أنني في كل جولاتي الأوربية، ومدنها حيث حاضرت (فيينا، مندن، إيسن، هانوفر، برلين، آلست، سانديفيكن، أوبسالا، براغ، بلزن، موسكو…الخ)، كنت أذهب متردداً وأخرج محبطاً، حيث لم أتخل لحظة واحدة عن تقدير من كان لهم دور في كل ما شاهدت وتحدثت عنه، وكتبت فيه، إلا أن الذين صاحبتهم واستضافوني، وهم كتاب ومعنيون بالكتابة، وتعرضت لأشخاصهم ولكتاباتهم كما يستحقون وفق تقديري الشخصي، لم يبذل أي منهم جهداً للكتابة عما تحدثت فيه، على الأقل، لأن ذلك يبرر قيامها بتوجيه الدعوة إلي، على العكس تماماً مما كان الحال في المدن العربية إذ كنت أحاضر بمفردي أو بجانب غيري (الرقة، عجمان، المنامة، الشارقة..الخ)، تأكيداً على أن ثمة ما كان يستحق بذل الجهد من أجله على الصعيد الثقافي.
ثمة من يقول مراراً وبنوع من التألم، أن لابد من تأجيل ” دعاوى” من هذا النوع، أو عدم الخوض في مسائل على هذه الشاكلة، إلا أن السؤال الذي أجده فاعلاً هو: كيف يمكن لكاتب أن يعبّر عن وجهة نظره، وعن انتمائه المجتمعي، وحوله هذا الفيض من التعليقات الجارحة والتسفيهات، والنظر شذراً إلى الكتابة وصاحبها؟
كيف يمكن لمجتمع أن يكون مجتمعاً دون وجود عدد كاف ٍ ومسمىً من المثقفين؟ كيف لوسط حزبي فاعل، أن يدّعي شرف الانتماء إلى تاريخ وثقافة موسومة بحضور اثني أو قومي أو غيره، وهو في غفلة مقصودة عن كل ما يصله بالمثقف، أو الكاتب الذي يمارس حياة اجتماعية وتفكرية خارج النطاق الحزبي؟
أشدد- أخيراً وليس آخراً- على ضرورة التصريح المباشر، ليكون لكل منا موقعه: للحزب موقعه، ومكانته، وللكاتب موقعه، ومساره الائتماني الثقافي، وللمبدع نشاطه الفني، ليتشكل ثالوث الثقافة المعظَّم هنا..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…