استراتيجية PKK في الثورة السورية… مخزية و لاتليق بها!!

  شيروان ملا إبراهيم

قبل الخوض في حديث من شأنه أن يقول بعض الذين يعتبرون أنفسهم (قومويين كردستانيين و كأن غيرهم بائعي القضية القومية الكردية) بأنه مساومة على  دماء الشعب الكردي و حقوقه, علينا أن نؤكد لهم بأن كل عاقل يدرك وجود كردستان و الشعب الكردي كحقيقة واقعية تاريخية و جغرافية, لهذا فمن البديهي جداً أن يشعر كل كردي بوطنه هذا, و لا داعي لتوجيه الاتهام لشخص يبدي رأيه بشكل واقعي حول مسائل قومية كردية بأنه يتاجر بكردستان أو أنه عديم الشعور القومي, فكردستان موجودة بما فيها الجزء الغربي (كردستان سوريا), و شباب انتفاضة المناطق الكردية أيضاً يؤمنون جداً بهذه الحقيقة, لهذا فمسألة ابراز انتمائهم السوري في هذا الوقت الحاسم و رفضهم الخروج عن مسار الثورة السورية برفع أعلام حزبية (تُسمى بأعلام الشعب الكردي) حالة عقلانية و واقعية جداً للغاية, و لايعني ذلك أنهم ضعيفي الإنتماء لقوميتهم, لابل و حتى خبرتهم في التظاهر مأخوذة من تجربة انتفاضة 12 آذار 2004 بأكثر ما هي مأخوذة من تجربة اخوانهم في درعا و حماة و غيرها.

حزب العمال الكردستاني في كردستان سوريا

لقد استفاد العمال الكردستاني كثيراً من الكرد السوريين منذ تأسيسه و حتى الآن في شتى المجالات بدءاً من الجماهيرية الشعبية و وصولاً للعسكرية و المسلحة, فاحصائيات الحزب نفسها تشير إلى سقوط أكثر من 3500 شهيد من الكرد السوريين في النشاط المسلح للحزب, و حتى الآن فإن خيرة كوادره و قادته العسكريين هم من غربي كردستان (دكتور باهوز آردال, نورالدين صوفي..إلخ) و مع أن الحزب لم يقم بدفاع جدي عن حقوق هذا الجزء الكردستاني حتى بداية العقد الماضي (أي بعد تدهور علاقاته مع النظام السوري آنذاك) فإننا نستطيع جدلاً أن نبرر ذلك بسبب “تلقيه الدعم من قبل النظام السوري في كفاحه ضد تركيا آنذاك”, بدءاً من السماح له بممارسات نشاطاته بحرية على أرضها و وصولاً إلى فتح أكاديمية “معصوم قورقماز” في “صحنايا” القربية من دمشق للتدريب العسكري و لاداعي للخوض في هذا الموضوع الطويل الآن.

بعد تأسيس
PKK  لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD في سوريا

في بداية التأسيس وجد البعض من الكرد السوريين بأن الحزب المذكور سيقوم بنشاط ملموس لمواجهة الممارسات الظالمة للنظام السوري بحقهم, و السبب هو انتهاء علاقاته مع النظام السوري بعد توطيد العلاقات السورية – التركية على حسابهم, ناهيك عن أنه كان يمتلك قاعدة جماهيرية و تنظيماً قوياً مقارنة مع كافة الأحزاب الكردية الأخرى, و بالفعل لمسنا هذا الشئ في بداية الأمر و بات الحزب يعطي إلى حد ما خصوصية للكرد في سوريا كأي جزء كردستاني و الدليل على ذلك وجود العشرات من كوادره في المعتقلات السورية باستمرار حتى قبل فترة, و مع بدء الثورة السورية استطاع الحزب و رئيسه “صالح مسلم” إلى اعادة لم شمل أعضائه و عقد الندوات الجماهيرية و غيرها من النشاطات مستفيدين من حالة اللين التي أبداها الأمن السوري في بداية الأمر تخوفاً من أن تنضم المناطق الكردية للثورة السورية على شاكلة درعا أو اللاذقية و غيرها, و كنا نظن أن هذه الخطوة تكتيكية و استغلال لفرصة ذهبية, و بذلك وصل الحد إلى توقع البعض بأن PYD ستستمر في هذه الحملة و ستستطيع كسب الشباب الكرد و قيادتهم بعد أن استاؤوا من حالة اللاموقف السائدة عند معظم الأحزاب الكردية الأخرى.

و لكن…و للأسف!!!

أول خطوة قام به الحزب, وقوفه إلى جانب تلك الأحزاب (التي كانت تسميها بالكرتونية في القرن الماضي علماً أن البعض منها كانت ذو قاعدة شعبية واسعة آنذاك) اضافة إلى موافقة الحزب للتفاوض مع رأس النظام السوري القاتل الذي بات سقوطه عاجلاً أم آجلاً حقيقة طبيعية, ناهيك عن التنكيل بالتجمعات الشبابية التي مازالت تجابه أجهزة القمع واضعة أرواحها في أيديها, و لم تقف عند ذلك فحسب فقد اصبحنا و خاصة في الفترة الأخيرة نجد تنكيل PYD بتظاهرات الشباب في المناطق الكردية بشكل واضح, من فرض العقلية الحزبية الضيقة, و رفع شعارات منافية للثورة السورية بداعي القيام بواجبها القومي الكردي, وصولاً إلى حد القذف باسامي أيام الجمعة التي يوافق عليها كل المنتفضين في كافة أرجاء سوريا و ذلك بذريعة حماية الخصوصية الكردية و غيرها من التصرفات التي باتت مكشوفة للجميع.
في الحقيقة إن افعال PYD الأخيرة فرضت على الشباب المنتفض الاستياء منه, و لهذا فالجميع بات يتكلم عن عوائق الحزب أكثر مما كان يتكلم عن عوائق الأجهزة الأمنية و للأسف, فلم نعد نفهم ماذا يريد الحزب بالتحديد, فتارة يحاول التفاوض و الجلوس مع بشار الأسد و تارة يطرح نفسه و كأنه حامل الراية القومية للكرد في سوريا و يرفض الرأي الآخر بشكل قطعي, و يدعي بأنه يساند الحرال الشبابي في حين أن كافة التنظيمات الشبابية تشكو منه, و ينتقد أنصاره الأحزاب الأخرى بعدم المشاركة في التظاهرات في حين أن مشاركتهم أصبحت عبئاً على تظاهرات المناطق الكردية, و يضرب اسم جمعة (خالد بن الوليد) عرض الحائط ليسميها هو وحده فقط ب”آلا رنكين” و أنه الحامي الوحيد للعلم الكردي و يرفع أنصاره علماً أشبه بعلم جمهورية غانا الإفريقية, و يقول بأن الكرد في سوريا هم فقط جزء من كردستان الكبرى ليس إلا و يتجنب في نفس الوقت رفع علم كردستان (المعترف به حتى في الأمم المتحدة) لأنه يعتبره علم إقليم كردستان العراق فقط لا أكثر, علماً أن العلم قد تم رفعه في ثورة آكري و جبال آرارات و بعدها في جمهورية كردستان في مهاباد (مع بعض التغييرات البسيطة), و غيرها من الأفعال هي في الحقيقة غير لائقة أبداً بطرف سياسي قدّم على مر السنين تضحيات جسام في تاريخ الحركة التحررية الكردية.
لهذا فإن الأجدر على قيادة حزب العمال الكردستاني التي مازالت تتحصن في مكامنها النضالية بجبال قنديل اعادة النظر في استراتيجيتها و مراجعة سياساتها حيال الثورة السورية, فشباب الكرد الذين يقودون انتفاضتهم بكل بسالة, هم الآن القوة المحركة و الضاربة في الشارع الكردي و في هذه المرحلة الحساسة الحاسمة, و هم بحاجة ماسة إلى تنظيمات سياسية حقيقية تقف إلى جانبهم و تقودهم في نفس الوقت, لا أن تنافسهم و تفرض عليهم أجنداتها الحزبية الضيقة و كأنها مازالت تعيش في فترة الحرب الباردة, و بما أن الوقت لايرحم أبداً في هكذا حالات و أن غالبية الأحزاب الأخرى لم و لن تكون قيادة و سنداً لهؤلاء الشباب, فهذا يعطي فرصة ذهبية للعمال الكردستاني بالوقوف إلى جانب التنظيمات الشبابية و دعمها لتكون صاحباً لها مستقبلاً, و تستطيع بهذا الشكل تمريق حتى بعض اجنداتها الحزبية أيضاً, لا أن تخسرهم مقابل رفع شعار حزبي ضيق تنتهي صلاحيته بانتهاء التظاهرة, و الأفضل أن يستفيد العمال الكردستاني من تجربته في السنوات الأخيرة بشمالي كردستان و تركيا بعد أن سيطر أردوغان و حزب العدالة و التنمية على عشرات مقاعد البرلمان التركي بأصوات المناطق الكردية في ثلاث دورات برلمانية متتالية و هذه حقيقة مكشوفة.
في النهاية لايسعنا إلا أن نقول: إذا كانت PKK بما فيها PYD تريد قيادة الشارع الكردي الذي هو جزء فاعل في الثورة السورية, عليها أن تعتبر نفسها الأخ الكبير و الراعي للتنظيمات الشبابية بدلاً من اعاقتها, لأنها هي و جميع الشرفاء يعلمون إن الإداريين و القادة في (ائتلاف شباب سوا و اتحاد التنسيقيات المحلية…إلخ) لهم تاريخ نضالي معروف و ليس من المعقول القول عنهم بأنهم أصحاب مصالح, فقانون الطبيعة و المنطق لايقبل أبداً اتهام أشخاص بأنهم يواجهون رصاصات الأمن الغادرة و القاتلة سعياً وراء مصالح شخصية….. إن الفرصة الذهبية السريعة سانحة الآن أمام كل طرف سياسي ليكون قائداً للمرحلة عن طريق كسب الحراك الشبابي, و إلا فإن التاريخ لا و لن يرحم أبداً في هكذا ظروف و مواقف.
 http://www.facebook.com/sherwan.melaibrahim

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…