والعلم وما يرفعون.. مرة أخرى

جان دوست

أيام حاسمة وتاريخية تمر بها سوريا…أيام ترسم خارطة المستقبل السوري بالدم المسفوح في الشوارع والساحات والدمع المهراق من مآقي الأمهات …أيام ما يزال الكرد فيها بعيدين عن وسمها بميسمهم الثوري..وبعيداً عن كل شيء لا بد لي من العودة إلى موضوع قديم جديد..وهو العلم السوري..الذي لا يرفعه بعض شبابنا في التظاهرات..بحجة أنه علم البعث وأن مجازر ارتكبت في حقنا تحت ظله..
هذه الحجة مع أنها تدخل خانة ” كلمة حق أريد بها باطل” واهية جداً.

فالعلم علم وطن لا نظام.علم شعب لا طائفة بعينها.علم أمة لا مكون واحد بذاته.

إنني لا أريد تمجيد هذا العلم فليس من شيمتي التزمت والتعصب للمقدس الذي لا أؤمن به.

إنما أرغب في الحديث عن ضرورة تكاتف أبناء سوريا في هذه المرحلة ونسيان أنك كردي أو عربي..سني أو علوي..درزي أو إسماعيلي..حلبي أو شامي..شاوي أو ديري..وتذكر أنك فقط ابن سوريا..ابن هذا الدم الذي يراق على مذبح الحرية ليل نهار..وعلى الهواء مباشرة..
ما أريد قوله هنا أن رفع العلم الكردي عمل يؤدي إلى النفور ولا يحقق أي مكسب سياسي إن أردنا التحدث بلغة المكاسب..

ولا يمكن لكل مواطن سوري “وبعضهم قوميون إلى النخاع مع كره شديد للنظام” أن يفهم تطلعاتك القومية..لك الحق في ذلك لك الحق في أن ترفع العلم الكردي ليرفرف بالقرب من النجوم..لكن التوقيت الآن توقيت خطأ.

ولا بد للشباب ومنظمي التظاهرات من الانتباه إلى ذلك..العلم السوري هو رمز وحدة أبناء سوريا الآن..وإن كان لا بد وبقي الشباب مصرين على رأيهم..فليرفع الناس علم الاستقلال الذي رأيناه بثلاثة أنجم في يد بعض المتظاهرين..لنبتعد عن التعصب والتزمت الآن..لننأى بأنفسنا عن التشنجات القومية..ولنثبت أننا جزء هام وفعال من النسيج لسوري فعلاً لا قولاً وأننا في طليعة النضال من أجل الحرية والديمقراطية لكل سوريا..
أنا “وقياساً على نفسي” أعرف أن النظام منذ بدء طغيانه قد دمر الشعور بالانتماء الوطني لدى الإنسان الكردي في سوريا..ناهيك عن المواطن العادي..فقد بتنا لا نشعر بأننا أبناء وطن اسمه سوريا بسبب الظلم والحيف الذي لحق بنا منذ نشوء الدولة السورية الحديثة..لكن هذا لا يعني الوقوع في هذا الفخ السلطوي وإعطاء تصور على أننا دعاة انفصال وانعزاليون ولدينا طموحات قومية تتخطى الحدود الدولية لسوريا..الوقت الآن هو وقت عقل لا عاطفة..وقت تأمل لا تشنج..وقت تضامن لا انكفاء نحو الذات..وقت انفتاح على ربيع سوريا لا انغلاق وانطواء على الربيع الكردي فقط بألوانه المحددة..وأتمنى ألا يزايد أحد علي بالانتماء لكرديتي..وحبي لوطني..أنا مواطن سوري..وأشعر الآن أكثر من أي وقت مضى بأنني أنتمي إلى سوريا.

دون أن أنسى لحظة واحدة وجع ديار بكر…وجراح السليمانية..وتوق مهاباد للحرية..إنني أفتخر بتعدد انتماءاتي الصحيحة وأعتبر ذلك غنى روحياً لي….أنا أرفع علم سوريا لا استجابة لبعض الذين باعوا أنفسهم للشيطان لكن لأنني لا أريد أن أساهم مع النظام في لعبة استبعادي عن الحياة السورية العامة..أرفع العلم السوري لأنني أعبر بذلك عن تضامني مع صوت الشباب في حوران والساحل..وكل بقعة من سوريا.
هوامش:
كتبت هذا المقال ونشرته بعد تفجر الثورة السورية بنصف شهر..

وفد رأيت من الضروري إعادة نشره الآن بسبب الخلاف الحاد حول رفع بعض الفئات لرموز خاصة وشعارات تمزيقية ودق أسافين بين كافة الشرائح الشبابية..الشارع الكردي الآن بحاجة إلى أن يحاور ذاته وينظر إلى أعماق هذه الذات المتشظية عله يخرج بنتيجة تؤهله للاستمرار بحراكه السلمي العقلاني..

على كل رجل مسؤول في أي جماعة سياسية أن يدرك أن أي نقطة دم ستراق في الشارع الكردي هي مسؤوليته قبل أن تكون مسؤولية السلطة في سوريا..لقد بات واضحاً الآن أن هناك من يدفع الأمور باتجاه التوتر وتعبئة الشارع وتهيئته لصراع على النفوذ وإبراز مدى السيطرة الميدانية على الجماهير..أقول للواعين من هؤلاء..للقادة والقواعد وللمتعاطفين: أنتم مسؤولون عن اعوجاج سير المظاهرات وعن دم الشباب الكردي الغالي ولن يرحمكم الشعب أبداً وأن وصمة عار كبرى وختم ذل أبدي سيحيق بكم لو تماديتم أكثر وسرتم في هذا الاتجاه.

نقطة أخرى أود توضيحها وهي أنه قد ينتقدني بعضهم ويسمني بأنني غضضت الطرف عن مطالبي القومية..وهذا محض افتراء وقراءة خاطئة لما بين سطور مقالي هذا.

إن التناغم مع إيقاع الثورة في المدن السورية لا يعني على الإطلاق أن تنسى أنك صاحب حق وأن حيفاً كبيراً وقع عليك..إلا أن التمعن في حركة التاريخ تدعوني إلى وزن حركاتي بميزان العقل والمنطق لا العاطفة والهوى والمشاعر الملتهبة..من الصعب أن أقنع شاباً بأن رفع علم ذي ثلاثة ألوان أمر سلبي  يدعو إلى النفور..لكن من السهل جداً أن أجيش الجماهير وألهب عواطفها قائلاً: سنرفع رموزنا وشعاراتنا الخاصة وليذهب المعترضون إلى الجحيم..من الصعب جداً أن أجمع مئتي شخص لكي يسمعوا محاضرة فلسفية..لكن من السهل جداً أن أدعو ألفي شخص لحضور حفلة غنائية لمطرب من الدرجة العاشرة مع رسم الدخول طبعاً..وهذا هو الفرق بين المنطق والعاطفة..بين الإقناع والتجييش..ولو فكر من يتورط في هذه الأمور المقيتة الكريهة في العواقب المستقبلية البعيدة لأحجم عنها فوراً..لكن الذي بدا لي أنه ماض في هذا الطريق إلى النهاية..لا عن جهل وحسن نية بل عن علم ودراية.

ولقد كنت على وشك كتابة رسالة مفتوحة إلى رئيس جماعة إلا أنني أدركت تماماً أن أذناً صاغية في هذا الزمان من المستحيلات وأن لين الحديث عنده يخفي سوء النية والطوية فأحجمت عن ذللك يأساً وعجزاً….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…