مواقف مسؤولة في ضوء المستجدات على الساحة السورية..!

دهام حسن

في لجة الأحداث المتسارعة في سوريا، ومن خلال تشابك العديد من الخيوط، وانخراط بعض المجموعات والتنظيمات السياسية في الحركات الاحتجاجية، فقد أخذت قضايا تستجد على الساحة النضالية، وتبرز أمور عديدة، وتطفو محاذير ومسائل أخرى غالبا ما كانت غائبة عن الأذهان، لهذا فلم تؤخذ بالحسبان..

علينا الإقرار بداية من أن البلاد تمر بأزمة سياسية عاصفة، وأن التغيير لا بد منه، وأن هذا التغيير لابد أن يمس بنية النظام كاملة، وبالنتيجة يأتي الانتقال إلى نظام ديمقراطي كضرورة منطقية تستوجبها الحالة الراهنة، وهذا يقتضي أدوية بطولية على النظام أن يتجرعها حتى يضمن سلامة الجسم من الهلاك الآكيد..
فيما يلي بعض المشاهد التي تحضرني الآن، وسوف أطرح وجهة نظري فيها كمراقب، وأعلم أن الموضوع سوف يبقى قيد الرؤى المختلفة والمتناقضة غالبا، وهذا التباين في القراءات لدى المراقب السياسي مرده هو فيما يشغله هذا المراقب من مواقع مختلفة في السياسة والمجتمع، بالتالي فلكل مشارك في الحراك السياسي رأي وموقف قد يظهر فيه التوافق أو التباين..

وقد ارتأيت أن أبدأ كورديا..
– الموقف الكوردي مازال يبعث على التأثر والحيرة، ففضلا عن التشتت، هناك ما يشبه التقاعس لبعض الأطراف بخلاف حماس الأطراف الأخرى، وكان هناك شبه اتفاق فيما بين الأفرقاء من أن لا يتفقوا..رغم جهود بعضهم المشكورة لتجاوز هذه الفرقة بلقاءات شبه إجماعية كما تجلى في قراءات بعض البيانات..
ليس هناك من جهة يمكن لها أن تنوب عن الكورد في نضالهم وعرضهم لمطالبهم المشروعة سوى الحركة السياسية الكوردية، وأي قرار يتخذ بعد النقاش من قبل أطراف الحركة سوف يمحضه شعبنا تأييده دون تردد، وحينها..الأولى أن يتوقف أصحاب الأقلام، فيكف واحدهم من التفلسف على الحركة..
علينا هنا أن ننوه من أن المعارضة العربية في سوريا ترتكب خطأ كبيرا عندما تتجاهل خصوصية الكورد، وتطلعاتهم المشروعة، فالكورد اليوم أصبحوا رقما صعبا في المعادلة السساسية والنضالية لا يمكن لأي وطني كان تجاهله أو تجاوزه، عليهم بالتالي أن يتقبلوا اختلاف الكورد وتميزهم، ويتفهموا حقوقهم المشروعة..
على الكورد بالمقابل أن يتسموا بالموضوعية في عرضهم لحقوقهم ونضالهم في سبيل تلك الحقوق، عليهم ألا يشتطوا بعيدا، وأن يؤكدوا على الوحدة الوطنية، ويركزوا على خصلة المواطنة، والكورد كما يبدو لي يجيدون هذه اللعبة في التعامل مع الحدث الكوردي بجدارة..
علينا التنبه لموقف الحركة السياسية الدينية المعارضة من المسألة الكوردية ذاتها، فهي بحجة إطار الدين الجامع تتنكر على الكورد حقوقهم السياسية والقومية، فدعواهم بالسواسية تحول دون الإقرار بأية حقوق تذكر، أو الاعتراف بما للكرودى من حقوق لها طابع الخصوصية..
– من هنا أرغب في إثارة مسألة الحراك الديني السياسي لـ”الإخوان المسلمون” على أنقاض النظام الحالي في حال انزياحه، هذا الجانب يثير مخاوف الأقليات خصوصا، من جانبي لم أعد مقتنعا من أن “الإخوان المسلمون” قادرون من أن يلعبوا دورا سياسيا استقطابيا كما في الماضي، بل أرى أن كافة الأيديولوجيات الراديكالية بتوجهاتها القومية والدينية واليسارية التي حركت المجتمعات شطرا من الزمن حتى العقود الأخيرة من القرن المنصرم/ ما عاد لها لا البريق ذاته أمام التطور التكنولوجي في مجال الإعلام والمعلوماتية خاصة، لقد فقدت جاذبيتها، وهي بالتالي عاجزة عن تحفيز الجماهير اليوم وتعبئتها حلف مشاريع سياسية بالنماذج القديمة من الشعارات، وبأشكال من النضال، وأنماط من التفكير..

جمبعها أكل عليها الدهر وشرب..

ثم أن بنية الشعب السوري، وتركيبته الاجتماعية بعديد مكوناته(المسيحية، العلوية، الدروز، الكورد أيضا..إلخ) يضاف إلى كل هذا العلمانيون السنة، فضلا عما تحقق من تطور وازدهار في سائر العلوم، وما نجم عن كل هذا من تقدم اجتماعي..

كل هذا وسواها من الأسباب تحول دون تبوّء حركة دينية كالإخوان زمام الأمور سياسيا في سوريا اليوم، وبالتالي تفردهم في الحكم والسلطان، يبدو لي أن (الإخوان المسلمون) قد أدركوا اللعبة، فراحوا ينفون عنهم هذه التهمة، تهمة التفرد بإدارة البلاد وشؤون العباد، علينا أيضا التذكير بموقفهم المعلن على لسان قادتهم، من أنهم لن يحكموا بمفردهم، ولن يكون رئيس الجمهورية منهم، وأنهم يقبلون بدولة مدنية، وباللعبة الديمقراطية، وبالمشاركة التمثيلية، والمثال التركي برأي بعضهم حلت لهم إشكالية نظرية وعملية، دولة علمانية يرى فيها أصحاب العقائد الديني كامل الحرية في ممارستهم للطقوس الدينية، فضلا عن النضال السياسي ضمن حدود لا تعدي فيها على حدود الآخرين.

وهو برأي الكثيرين المثال المحتذى، فالعلمانية والديمقراطية كانتا لفظين رجيمين في مفهوم الإخوان والسلفيين، واليوم أصبح تداول المصطلحين من قبل هؤلاء دون حرج..

هذا التطور في السلوك شيء كبير ينبغي استثماره وطنيا..

ومع ذلك تبقى المخاوف مشروعة لدى الكثيرين، فمنهم أي من الأخوان والسلفيين، من يبتسمون فلا يخفون توقهم من الثأر (لأشياخهم في بدر) في الوقت نفسه يدرك واحدهم أن الظروف قد تبدلت عن الماضي، وأنأشياء جديدة قد طغت على الساحة، وأن الرغبة والإرادة قد طوتها ظروف أخرى حلت محلها،..

لهذا من باب قول الحقيقة، يصح في الإخوان وسواهم قول الشاعر : (صح مني العزم والدهر أبى..)
وأخيرا كما أرى من أن الحالة السورية ستنتهي برأيي بالتفاوض لانتقال النظام من وإلى..

أي كيفية الانتقال إلى نظام ديمقراطي، لأن الحالة تجاوزت  الحوار، فالمحنة  تستدعي من النظام إجراء عمليات جراحية بطولية وعاجلة، وليس القيام بعمليات تجميلية، لا مفر أمام النظام  غير الانتقال إلى نظام  ديمقراطي، ونقل البلاد بالتالي إلى برّ الأمان، ومع هذا فلا أحد منا يستطيع أن يرجم في الغيب..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…