رؤية لجان التنسيق المحلية لمستقبل سوريا السياسي

  انقضت ثلاثة أشهر على تفجر الثورة السورية الكبرى، أظهر خلالها الشعب السوري شجاعة استثنائية، وكافح من أجل حريته مقدما أكثر من ألف وأربعمئة من أبنائه شهداء، وفوق عشرة آلاف من المعتقلين.

لقد واجه النظام الاستبدادي الفاسد احتجاجات الشعب بالنهج الدكتاتوري نفسه الذي أدى إلى تفجرها.

فأطلق يد أجهزته الأمنية الإجرامية تغتال المواطنين وتعتقلهم وتعذبهم، وزج الجيش الوطني في مواجهة مع شعبه، كأنه ليس لسورية أرض محتلة، وعمل على إثارة المخاوف الطائفية بين السكان والعبث غير المسؤول بالنسيج الوطني، وسخر أجهزة الإعلام العامة لتجريم الثورة والتحريض على قتل المحتجين السلميين.

والقضية المطروحة اليوم على السوريين جميعا هي كيفية الخروج من الأزمة الوطنية التي ترتبت على مواجهة الثورة الشعبية العادلة بالعنف القاتل.

ولا نرى غير واحد من مخرجين:
 إما ترتيب تفاوضي سلمي للتحول نحو نظام ديمقراطي تعددي قائم على الانتخابات الحرة، يطوي صفحة نظام الحزب الواحد، والرئيس الذي تتجدد ولايته إلى الأبد، والحكم الوراثي، وحصانة الأجهزة الأمنية، واستخدام الدولة لحماية سارقي الشعب، والإعلام التحريضي الكاذب؛ أو دفع البلاد في نفق المجهول عبر المضي في خيار العنف ضد الاحتجاجات الشعبية السلمية، والتضحية بسورية من أجل بقاء نظام غير أخلاقي، لا يحترم نفسه ولا شعبه.

ويحمل هذا الخيار الأخير مخاطر التدويل والنزاعات الأهلية، مما يتحمل النظام وحده المسؤولية الكاملة عنه.

إننا لا نقبل بحال من الأحوال وضع الكرة في ملعب الثورة الشعبية السلمية، ومطالبتها بالتوقف، بذريعة أن النظام لن يتوقف عن القتل والتخريب.

لا يجوز أن يُكافأ المجنون على جنونه، وليس مقبولا أن تبقى سورية رهينة بيد خاطفين غير مسؤولين إلى هذا الحد.

إننا نخاطب هنا الشعب السوري بمختلف أطيافه، ومن يحتمل أن لديهم شيئا من الغيرة على وطنهم من القريبين من النظام، ليساهموا في تجنيب البلاد المصير الذي تقودها إليه الطغمة الحاكمة، وندعو إلى وقفة ضميرية تصون سورية وشعبها، وتفتح لهما أبواب المستقبل.

نقول للجميع بكل وضوح إن القضية المركزية والهدف الأول للثورة هو تغيير النظام السياسي، متمثلا كنقطة انطلاق من إنهاء ولاية الرئيس الحالي، المسؤول سياسيا وقانونيا عما ارتكبه نظامه بحق سورية والشعب السوري.

هنا نقطة البداية للخروج من الأزمة، وغير ذلك هو التفاف على تضحيات الشعب السوري وتمديد للأزمة الوطنية التي تهدد مستقبل المجتمع السوري وكيان البلاد.

   
لتجنب هذه الآفاق القاتمة، هذه عناصر رؤيتنا لإنقاذ البلاد:
أولا: وكما أكدت لجان التنسيق المحلية في بيانيها السابقين، لا بد فورا من:
1.

وقف القتل والعنف واستهداف المظاهرات من قبل أجهزة الأمن والميلشيات والشبيحة المرتبطين بهم.


2.

الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين جميعا، القدامى والجدد، ووقف الاعتقال والملاحقة بحق ناشطي الثورة والمعارضة.


3.

وقف التجييش الإعلامي ضد المتظاهرين، والسماح لوسائل الإعلام العربية والدولية بدخول البلاد للاطلاع على الحقيقة على الأرض.


4.

إن الثورة ستستمر، ولن يتوقف التظاهر السلمي ودون ترخيص مسبق، لأنه سلاح الشعب للدفاع عن حقوقه.
ثانيا: نؤيد فكرة الدعوة إلى مؤتمر وطني له موضوع واحد، هو التحول نحو نظام ديمقراطي تعددي، قائم على الحريات العامة والمساواة الحقوقية والسياسية بين السوريين.
1.

مهمة المؤتمر هي ضمان تنحٍ سلمي وآمن للنظام القائم، وذلك بغرض تجنيب البلد مخاطر الانهيار العنيف.

وهي أيضا التأسيس التوافقي لنظام جديد قائم على الحرية والمساواة وحكم القانون، يقطع الطريق على احتمالات الفوضى والأعمال الانتقامية.


2.

يحدد المؤتمر فترة انتقالية لا تتجاوز ستة أشهر، يتولى الحكم خلالها مجلس انتقالي مكون من مدنيين وعسكريين، ويجري خلالها فتح وسائل الإعلام العامة للمجتمع وحراكه السياسي، وحل الأجهزة الأمنية وتولي الجيش مؤقتا أمن البلاد، وفصل الحزب عن الدولة، وحل “المنظمات الشعبية”، وإطلاق حرية العمل السياسي والنقابي، وضمان حق التظاهر السلمي.


3.

وفي خلالها يجري انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورا جديدا للبلاد، يتضمن تحديد سلطات رئيس الجمهورية، وقصر ولايته على مدتين، كل منهما أربع سنوات فقط, وينهي إقصاء الإيديولوجيات والأحزاب الأخرى المكونة لنسيج الشعب السوري.


4.

يشارك في المؤتمر سياسيون من طرف النظام، لم تتلوث أيديهم مباشرة بدماء السوريين ولا بسرقة أموالهم.

ويشارك فيه ممثلون عن المعارضة في الداخل والخارج، وممثلون لناشطي الثورة الميدانيين وغير الميدانيين.

ويراقبه الإعلام المستقل وممثلو المجتمع المدني في العالم.

 
ثالثا: إن المبادئ التي نتطلع إلى أن تضبط حياتنا العامة في سورية الجديدة، هي:
1.

سورية جمهورية ودولة مدنية يملكها السوريون، وليس فردا أو أسرة أو حزبا.

وهي لا تورث من آباء لأبناء.


2.

السوريون شعب واحد، أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا ينال أحد منهم امتيازا أو ينتقص من حقوقه بسبب أصله الديني أو المذهبي أو الإثني.


3.

ستنال كل المجموعات القومية الثقافية والدينية المكونة للمجتمع السوري الاحترام في سورية الجديدة،على أساس المواطنة  ولن تحظى أي منها بامتياز خاص في الدولة.

ولكل منها حقوق وواجبات على قدم المساواة مع الجميع.

وعليه يبدو ضرورياً وأمراً ملحاً أن تتجاوز تماماً الدولة السورية مستقبلاً, ماضيها الاستبدادي, وتتخلص من ميراث التعسف بحق الكورد أو المجموعات الأخرى, عبر مجموعة من التدابير السياسية والتشريعية, وحتى الرمزية, التي تؤهلها لأن تكون دولة عموم مواطنيها
4.

العدالة والتسامح، لا الثأر ولا الانتقام، هما المبدآن الناظمان لمعالجة أية خصومات بين السوريين.و إزالة آثار الغبن القومي والاضطهاد الذي تراكم خلال عقود من سياسات البعث.


5.

لا حصانة لأحد فوق القانون،والمحاسبة مبدأ شامل لا استثناء لأحد منه.


6.

إن الموارد الوطنية ملك للسوريين جميعا، وإن ثمار التنمية ينبغي أن توجه نحو رفع مقدرات ومستوى حياة الشرائح والفئات الأكثر حرمانا.


7.

ان سورية الجديدة حرة ومستقلة الإرادة, وملتزمة مع المجتمع الدولي باتفاقياتها التي تضمن حقوقها الوطنية والقومية.


8.

إن أية مصالح مشروعة قائمة اليوم لن يلحق بها الضرر، لكن ليس مقبولا أن تحمي الدولة أوضاعا سياسية واقتصادية تمييزية وغير عادلة.
رابعا: إن الثورة الشعبية هي مصدر الشرعية السياسية في البلاد، وإنها مستمرة إلى حين تحقيق أهداف الشعب السوري في الحرية والمساواة والكرامة.
الرحمة لشهدائنا الأبرار والنصر لثورتنا من أجل سورية حرة ديمقراطية
لجان التنسيق المحلية في سوريا

11-6-2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…