كيفَ نفهمُ الحرّية مع السّرقاتِ الأدبية والفنّية ؟؟!! الحلقة (11)

 نارين عمر

كنتُ طالبة في المرحلة الثانوية حينما قرأتُ خاطرة جميلة في إحدى المجلات وأعجبتُ بها كثيراً لدرجة أنّي دوّنتها في دفتري واحتفظتُ بها.

بعد فترة زارنا أحد الأقرباء وطلبَ إليّ أن أستمعَ إلى خاطرةٍ كتبها منذ مدة لأبدي رأيي فيها, وفوجئتُ بعد أن قرأ الأسطر الأولى منها أنّها نفس الخاطرة المنشورة في المجلة بعدها بأعوام طلبتْ إليّ إحدى الصّديقات أن أقرأ كلماتٍ رقيقة غزلتها لها خلايا حسّ خطيبها المغرم بها حتى النخاع فازدادت دهشتي حين تأكدتُ أنها الخاطرة إيّاها ولأفاجأ وبعد مرور سنوات أخر بإحدى زميلاتي المعلمات وهي تطلعني على الخاطرة نفسها وتدّعي أنّها من بنات وأبناء فكرها ونبضها.

  وفي المرّات الثلاث لم أستطع ولم أقدر على مواجهتهم بالحقيقة لأنّني برّرتُ تصرّف كلّ منهم على أنّه إعجابٌ بالخاطرة التي لامستْ شغاف قلوبهم وأذهانهم  وتمنّى كلّ منهم أن تكون وليدة فكره وحسّه فأقنعه العقل والقلب بأنّه هو الكاتب.
نعم أحببتُ أن تكون هذه الذكرى الغريبة وليدة المفاجأة والدّهشة مقدّمة لموضوع هذه الحلقة عن السّرقات الأدبية والفنية .
هذا الموضوع القديم المتجدّد ولكن مع ازدياد عدد المجلات والجرائد المهتمّة بالأدب والفنّ والفكر, الكردية منها والعربية, ومع انتشار الانترنيت وتوسيع شبكته التي جعلتْ من الكون غرفة واحدة بإمكانها احتضان سكان العالم كلّه دفعة واحدة, ومع تزايد مواقع الانترنيت تزايدتْ شكاوى الكثير من الكتّاب بجرأة البعض في نشر أعمالهم ونسبتها إليهم , بل إنّ البعض منهم قد أكد على أنّ العديد منهم قد نسَبَ لوحات غيره  لنفسه, بعد استبدال بصمة الفنان الحقيقي ببصمته وقد أقسمَ أحدهم على أنّ أحد معارفه قد أحضرَ له لوحة ليبدي رأيه فيها وكادت صدمة المفاجأة تقضي عليه وهو يكتشفُ أنّ هذه اللوحة هي غرسة ريشته التي شاورت مخيّلته طويلاً لينجباها وحينما حاول أن يواجهه بالحقيقة أنكر الآخر تماماً وأصرّ على أنها له.

وعلق آخرون بالقول:

ليت الأمر كان متوقّفاً على بعض الواعدين والناشئين من الكتاب لأنّ أمرهم مبرّر سلفاً, ولكنّه يتعدّى إلى مَنْ نعتبرهم أدباء وكتّاب وفنانين كبار ومشهورين حيثُ يتهم أحدهم الآخر بسرقة عمله أو التسلل إلى عمق مخيّلته واختلاس أفكاره, أو السّطو على عرش حسّه بداعي الصّداقة والزّمالة لتكتمل عملية السّطو العاطفية تلك بسطو فكري بل إنّ البعض منهم ممَنْ هاجر إلى دول أجنبية وتعلم لغات شعوبها واطلع على آدابها ومنابع ثقافتها المختلفة قد اختلسَ منها الكثير.

وهذا الأمر وللأسف الشّديد يثيرُ الخلافات بينهم والتي قد تؤدّي إلى خصوماتٍ حادّة وحروب كلام غير مبرّرة وقد أكد هؤلاء الأخوة والأخوات على أن أركز على هذا الموضوع قائلين:

إنّنا نرى فيهم قدوتنا ومثلنا الأعلى في الأدب والفنّ والثقافة لذلك نتمنى عليهم أن يعالجوا كلّ مشاكلهم وخلافاتهم بروح أخوية صادقة, ويواجهوا بعضهم البعض بالحقيقة ليتوصّلوا إلى حلول مجدية تنفعهم وتنفعنا.

وقد أكدّتُ للبعض منهم على وجود شيءٍ اسمه توارد الأفكار والخواطر فقد نقرأ لكاتبٍ ما مقالة أو عملاً أدبياً نجد تشابهاً كبيراً في الأفكار التي أوردها كلّ منهما, بل ربّما نجد التشابه في مفرداتٍ وجمل بعينها لأنّ البشر متشابهون في العواطف ومشاعرها وأحاسيسها , وفي العقل وأفكاره ومداركه فلا عجبَ أن تتشابه أفكارهم في في الكتابةِ وحتى في العلميةِ منها ولكنّهم لم يقتنعوا كثيراً بما قلتُ وعلقوا بالقول:
هذا ليس مبرّراً أن يتقاتلوا فكرياً, ويتحاربوا كلامياً فيتحوّل صديق الأمس الصّدوق إلى عدوّ اليوم اللدود ويتحوّل مؤنس البارحة الأنيس إلى موحش اليوم المقفر ولتتعمّق الغشاوة التي صنعوها لعقولهم وعيونهم وقلوبهم إلى الإفراط في اتهام بعضهم لبعض لتشمل حياتهم الشّخصية وتتعدّى إلى آبائهم وأمّهاتهم وكلّ أصول وفروع شجرة العائلة.

أحبّ أن أؤكد لكتابنا إلى أنّ النّداءات التي تنبثقُ من حناجر هؤلاء الأخوة والأخوات لهي صادقة جدّاً لأنّها بدورها منبثقة من عمق مشاعرهم الجريحة من طعناتكم المتكرّرة لها وكلّ أمانيّهم أن تعودوا زملاء وأصدقاء وأحبّة تجتمعوا معاً في هالة الأدب الصّادق والعلم النافع والثقافةِ الجادة لينعموا بظلالها المريحة وينفع بها محبّوكم والمعجبون بنتاجاتكم لأنّ الأدب بكلّ أجناسه والفنّ بكلّ أنغامه سيظلان يستقطبان أسماع وأبصار وأحاسيس الناس على مرّ الأزمان والعصور مهما تقدّم العلم وتعدّدت الاختراعات والمبتكرات ويتمنى هؤلاء منكم ألا تعتبروا ذلك تدخلاً في شؤونكم الخاصّة والشّخصية, ولا تعدّياً على حرّيتكم لأنّ الكاتب أيّاً كان مجال العمل الذي يبدع فيه يظلّ حرّ التصرّف إذا ظلّ محتفظاً بإبداعه لنفسه ولكن أن ينشره للآخرين فهو يفقد حرّية السّيطرة عليه .

وسوف أختمُ هذه الحلقة بقصّةٍ أخرى حقيقية حصلتْ معي : قبل سنواتٍ شابّ من أهلنا يعرف أنّي أكتب طلبَ إليّ أن أسلمّه بعض ما أكتب لينسخها على الكمبيوتر لأنّي وقتها لم أكن أملكُ هذا الجهاز وربّما يساعدني في نشر بعضها وطبعه فسلمته نماذج منها فوعدني أن يعيدها إليّ مطبوعة, منسوخة, جاهزة بعد فترةٍ وجيزة ومرّ شهر واثنان , وسنة وسنتان وأضعافهما والدّفتر بكلّ محتوياته غافٍ في دهليز ذمّته وأكثر من مرّة طلبتُ إليه أن يعيده إليّ ولكنّه تهرّب في كلّ مرّةٍ بطريقة أدبيةٍ مذهلة والطّريف في الموضوع أنّ أختي كانت في زيارةٍ لدمشق ولدى زيارتها لبعض الأهل فاجأوها وصدفة بأنّ فلاناً قد أصبح شاعراً وإنّه يسجّلُ أشعاره على أشرطة كاسيت و سدي وقد أهدى نسخاً منها لحبيبته التي باتتْ تراه /ممو/ القرن العشرين والواحد والعشرين أيضاً, ولدى عودتها من الشّام أخبرتني أختي , كما أخبرتني أنّ الأهل شكّكوا منذ البداية في مصداقيته, لأنّهم يعرفونه جيّداً ويعرفون مستواه التعليمي والكتابي.

قبل فترة لمحته بالصّدفة وأنا برفقةِ إحدى الصّديقات فاندفعتُ نحوه لأنشدَ على مسامعه بعض المفردات ولكنّي تراجعتُ في اللحظة الأخيرة حيثُ كانت برفقته حبيبته يتمشيّان بجوّ عشقويّ, مزركش, وهي تنظر إليه بفخر ونشوة , وتصغي بإعجابٍ ولهفة إلى حديثه المخمليّ المعسّل بطيب النطق, وجميل المشعر.

جميلٌ أن نتعاون في خلق أفكارنا , كما نتعاون في خلق مشاعرنا, وطبيعيّ أن يتأثر أحدنا بالآخر في كلّ شيء وخاصّة بالكتابة ولكنّ غير الطبيعيّ هو أن نجعلَ من أنفسنا قدوة طالحة للآخرين بعدما كنّا القدوة الصّالحة, والمثل الحسن لهم.

وألا نتسرّع في إصدار أحكامنا بالسّرعة الجنونية المطلقة وخاصة على  أحبتنا ومعارفنا لأنّ منابع الثقافة بكلّ منافذها تظلّ تتدفقُ من مصدرين لا ثالث لهما: القلبُ بكلّ ما ينبض والعقلُ بكلّ ما يولد.

وإلى حلقةٍ أخرى

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…