العقدة الكردية

علي الجزيري

مامن شك أنك سمعتَ بما تسمى بعقدة ( أوديب ) أو ما تعرف عادة بعقدة النقص في علم النفس .

في ميدان السياسة هناك عقدة مستعصية شبيهة بتلك تماماً ، يكاد شبحها يخيم في سماوات الشرق الأوسط منذ قرن من الزمن، يطلق عليها الكرد ( Girêka Kor- ﮔريكاكۆر  ) أعني العقدة الكردية ، والتي باتت تؤرق القائمين على سدة الحكم بشكل خاص في الكيانات السياسية التي ظهرت إلى الوجود بعد الحرب الكونية الأولى ، وتحديداً تلك التي أقتسم الكرد بينها ، أرضاً وشعباً، والدليل على ما نقول هو هذا التخوف ـ غير المبررـ الذي تبديه أبواق الإعلام فيها من حين لآخر، إزاء أي تحرك كردي هنا أو هناك ، متوهمة انه يتم بوحي من الخارج على حد وصف مهندسي تلك الأبواق .
ولوعدنا بالذاكرة إلى مطلع السبعينات ، حين اعتقل بعض الطلبة الكرد في مدينة القامشلي ، عندما رفعوا شعار: ›› عاشت الأخوة العربية الكردية‹‹، لمَا ساورنا الشك أبداً من أن القضية الكردية باتت تؤرق المعنيين ككابوس بحق ، وليس أدل على ما نقول من احالة الطلبة  إلى محكمة أمن الدولة في دير الزور، و التي حكمت عليهم يومها بتهمة رفع شعارات عنصرية!.
فالفزاعة الكردية ، والتي يلوح بها البعض من حين لآخر، ما هي سوى ذريعة لمناهضة تطلعات الكرد المشروعة في هذا البلد أو ذاك ، وهي ـ اعني الفزاعة ـ  مسبقة الصنع في الدوائر الامنية ، وتروج في أوقات معينة ، بغية التأثير في الرأي العام وتضليله ، إلى درجة تماهت فيها الشعوب مع حكامها فيما يتعلق بالموقف من المسألة الكردية ، من هنا أعلن بكل وضوح بأنني لست ممن تنطلي عليهم الخزعبلات كي أقدم على التبرئة المجانية للشعوب المخدوعة المتبلدة الحس  تجاه شعبنا الكردي وقضيته العادلة ، والتي لم تعد قادرة على الرؤية إلا بعين آسرها بعد أن دُجنت على ثقافة تؤمن بشرعية مبدأ إقصاء الآخر وتبخيسه .
ولا نعلن سراً إن قلنا بأن الكل ماضون على استراتيجية اقل ما يقال فيها أنها تقوم على الترفع عن القضية الكردية ، يستوي في ذلك الحكام والمحكومون ، باستثناء قلة قليلة نالت شرف تقدير الكرد من أمثال: اسماعيل بيشكجي ومنذر الفضل ومحمد غانم وفهمي هويدي وغيرهم .
وتحضرني في هذا الصدد حكاية رواها لنا ذات يوم احد أصدقاء الشعب الكردي من قبيلة الشمر، توحي بدلالات في هذا الشأن ، و مفادها أن شخصاً كان دائم التوهم بأنه حبة قمح كلما لاحت له  دجاجة ، فما كان من ولي أمره إلا أن عرضه على طبيب نفسي ؛ وبعد جلسات عدة أقنع الطبيب مريضه بأن الدجاجة حيوان أليف ومفيد ، كونها مصدر من مصادر اللحم والبيض والريش، ولما أيقن بأن عقدة المريض قد حلت ،  طلب منه الانصراف .
لكن، بعد أيام معدودة ، عاد برفقة أهله الذين ضاقوا به ذرعاً ، لأن حالته لم تكن على ما يرام , فما كان من الطبيب إلا أن عالجه من جديد ، وبعد أخذ ورد ، كشف المريض عن خوالجه قائلا : أيها الحكيم ، ها قد بدأتُ أقتنع حقاًُ بأن الدجاجة حيوان غير مؤذٍ ، لكن يساورني الشك في امكانية اقناع الدجاجة بأنني لست حبة قمح ؟
حينئذٍ ، ما كان بيد الطبيب المسكين ـ الذي فقد صوابه ـ من حيلةٍ إلا أن صفع المريض كفاً أطار الشرر من بين عينيه ، فبكى صاحبنا بكاءً مراً الى أن حلت عقدته .
في ضوء ما تقدم يحق لنا أن نتساءل : أما آن أوان حل العقدة الكردية ؟ وهل يعقل أن تظل القضية الكردية رهن قراءات غلاة الفكر الشوفيني من طراز أتاتورك وساطع الحصري؟ ألم يحن الوقت لنبذ سلوك النعامة ، هذا السلوك القائم على نفي وجود القضية الكردية ؟ وهل يعقل ان تظل قضية شعب ينوف تعداده /40 / م.ن  رهن اقبية المخابرات ؟
تلكم بعض التساؤلات التي لا نتوخى من ورائها سوى التلميح للمعنيين بأن الحقيقة لم تعد أسيرة ايديولوجياتهم المزيفة ، فتقتضي الضرورة مراجعة النفس واتخاذ زمام المبادرة قبل أن يتلقوا صفعة على شاكلة صاحبنا السالف الذكر.

ciziri@gmail.com
30/9/2006

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…