من يقف خلف فكرة العصابات المسلحة في سوريا؟

حسين جلبي

العصابات المسلحة هي حجة تتخذها السلطة السورية لدخول قواتها المسلحة بكامل عتادها القتالي إلى المدن السورية التي تجري فيها مظاهرات مناوئة للنظام.

و لعل ما يجري اليوم يكشف بؤس هذه الفكرة التي تتلطى خلفها منظومة الحكم في سوريا و إعلامها، و تقوم تفاصيل الرواية المكررة على أن هناك عصابات مسلحة تندس بين المواطنين و تقوم بإطلاق نيران أسلحتها عليهم عندما يخرجون للتظاهر، و كذلك على أفراد الجيش السوري الذين (يتصادف) مرورهم بدباباتهم قرب عين المكان، فيتساقط هؤلاء جميعاً و كأنهم أضحيات أعدت لمثل هذا اليوم و لا تملك من أمرها سوى التسليم بقضاء الله و قدره،
 ثم تأتي بعد ذلك قوات الفرقة الرابعة و المخابرات و الشبيحة بقيادة العميد رامبو، لكنها بدلاً من القضاء على هذه العصابات الشريرة و إصطياد أفرادها، تكمل ما بدأته و تقتل المزيد من أفراد الجيش و المواطنين فيتساقط هؤلاء هذه المرة بنيران صريحة ولكن ـ لحسن الحظ ـ صديقة، و يحصل ما يشبه نجاح العملية الجراحية التي يصفها الإعلام السوري بالدقيقة و لكن مع الأسف مع وفاة المريض، و لا يؤثر ذلك على سمعة الجراح المهنية، فبمجرد تبخر العصابات المسلحة و هطولها في مكانٍ آخر، يتم إعادة العملية الأمنية ذاتها مرة أخرى.

طرحت فكرة العصابات المسلحة نسبياً بشكل متأخر على بدأ الثورة السورية، كان الأمر يصور بداية على أنه يتعلق ببعض المندسين المارقين سرعان ما سيتم عزلهم و إقتلاعهم، لكن عندما تبين أن المسألة أكبر من مجرد هبات صغيرة مبعثرة هنا و هناك، سيتم إطفاءها بالمياه الضاغطة أو خنقها بالقنابل المسيلة للدموع و هزيمتها بالرصاص المطاطي، بدأ التصعيد الدرامي و تحولت الفكرة بشكلٍ حاد و بأسلوب هوليوودي نحو شيطنة (العدو) المندس لإثارة الداخل و كسب الخارج مع إتخاذ مشاهد الحرب على الإرهاب خلفيةً للعملية، كل ذلك لتمهيد الأرض لتقبل و تسويغ إستخدامٍ مفرط للقوة، فكانت فكرة السلفيين و العصابات المسلحة، التي أصبح بموجبها إستخدام الوسائل القمعية أعلاه (المياه و قنابل الغاز و الرصاص المطاطي) حلماً للمحتجين، بعيد المنال.
تشبه فكرة العصابات المسلحة في سوريا حدثاً طارئاً على عمل فني، لا يتفق مع سياق الأحداث و يناقض ما يجب أن ينتهي إليه العمل، كمثل أن يكون الشر قد فعل فعله و إستهلك جولته، و عندما يتهيأ المشاهدون أخيراً لإستقبال الأخبار الجيدة، و يتقدم الخير لأخذ زمام المبادرة، يتعثر هذا أو يصاب في حادثٍ عرضي أو بمرض خبيث، فيضطر الباطل للإستمرار  وأخذ دوره أيضاً فيطول على المشاهدين إنتظارهم للنهاية.
من طرح فكرة العصابات المسلحة كمبرر لقمع الثورة السلمية في سوريا؟ من هو الشخص صاحب هذا الإختراع الذي نرى اليوم تطبيقاته على الأرض و هي تحصد الأرواح البريئة؟ بماذا يشعر يا ترى و هو يرى فكرته تتجسد، و تتداولها على مدار الساعة وسائل الإعلام، تتناولها بصرف النظر عما إذا كانت معها أو ضدها، تصدقها أو تكذبها.
لمعرفة من يقف خلف فكرة العصابات المسلحة المزعومة ينبغي البحث عن المستفيد من أعمالها، الأكيد أن الشعب السوري و من خلال سلمية تحركه أبعد ما يكون عن فكرة اللجوء للسلاح للمطالبة بحقوقه، لأن أضرار ذلك تفوق فوائده، هذا إن كان له فوائد أصلاً في الظروف العالمية الجديدة، فمثل هذا الأمر يفقد مطالب الشعوب المصداقية، فالمطالب العادلة و كما حدث في الثورات العربية الأخرى تحتاج وسائل سلمية كالتظاهرات و الإعتصامات ليس أكثر، بالإضافة إلى عن عدم وجود توازن قوة بين الشعب و بين النظام في سوريا، هذا في حال رغب البعض في اللجوء إلى العنف أصلاً.
المستفيد الوحيد من فكرة وجود العصابات المسلحة في سوريا هو النظام السوري، و تتدرج الفوائد من التشويش على المطالب العادلة للمتظاهرين السلميين إلى إستخدام القوة العمياء في قمع مظاهراتهم و إرهاب الشعب السوري، و الواقع أن النظام لم يكن ليغامر بسمعته الأمنية و يُخرج للعلن مسألة وجود عصابات مسلحة بهذا الشكل الفضفاض لو لم تكن هناك إحتجاجات سلمية عجز بعقليته المتحجرة عن الإستجابة لما تطالب به بشكل حضاري.

    
الواضح بعد كل هذه الدماء المسالة أن فكرة العصابات المسلحة هي فكرة إجرامية، لا يختلف في الإشتراك في المسؤولية عنها من إنشأها و من يقوم بالعمل عليها تسويقاً و تصفيقاً و تنفيذاً.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…