التضليل قديم بقدم البشرية، ويجوز في الشرع الإسلامي ضد العدو وقت الحروب، لكنه لا يجوز في أي حال من الأحوال بين الحاكم والمحكوم، وعند الغرب يمارس على نطاق واسع مع العدو وبين الحاكم والمحكوم، ولعل أشهر صور التضليل عندهم هو ما حدث مع الهنود الحمر حين رسموا صورة إجرامية بشعة ومتوحشة عنهم كي يعطوا أنفسهم الحق بإبادتهم، وساروا على نفس النهج في الحروب التي خاضوها فيما بعد، ولكن عن علم وفن ودراسة، ولها أقسام متخصصة في دوائرهم الإستخباراتية، مع أن التضليل لا يجوز في القوانين الغربية، وله عقوبات تتراوح حسب الأضرار التي يسببها هذا التضليل فيما إذا كشف، ونعلم ما حدث من عواصف للإدارة الأمريكية في عهد ريغان عندما تم الكشف عن برامج التضليل التي أرتكبتها المخابرات الأمريكية في الثمانينات، أيضا نفس الشيء حدث مع بوش الصغير ورأينا كيف تهاوت قيادات حوله بسبب التضليل الذي أنتهج في الحرب على أفغانستان والعراق، حتى أوباما يبدو أنه سقط في تضليل ما بشأن مقتل أسامة بن لادن.
ومع ذلك فقد بلغ التضليل العربي الرسمي أثناء الثورات العربية، حدا لا يطاق، سخيف وممجوج ومخجل، ومورس نفس هذا التضليل حتى من قبل أنظمة تخشى حدوث مثل هذه الثورات، لكنها تظل كما الغريق الذي يحاول التعلق بقشة.
في الثورة التونسية، قال النظام: القاعدة تجتاح تونس، لا حظ أن هذا التضليل موجه للصديق (الغرب)، ثم للشعب: الذين يتظاهرون يسعون لخراب تونس لصالح الأعداء، الذين يتظاهرون عملاء مندسون، ولم يصدقه الغرب بالطبع والذي رفض حتى أن تنزل طائرته في مطاراتهم، ولم يصدقه الشعب الذي ما أعتاد أن يصدقه في أي لحظة مضت، وجرفه التيار وهو يقول: فهمتكم ..
فهمتكم.
وفي الثورة المصرية كرر النظام المصري نفس أكاذيب سابقه، لكنه أضاف: بلطجية، لصوص، عملاء للغرب الذي يريد السيطرة على مصر، وثبت للعالم كله أن هذا الشعب الذي أنتهكت حقوقه على مدى عشرات السنين، شعب متحضر أبى أن يمس ممتلكاته القومية بسوء، بل رأينا شبابه يحمي هذه الممتلكات بصدورهم العارية من بلطجية مبارك نفسه، والذي يتظاهر بالمرض الآن كي لا يرمى في زنزانة ما بسبب بلطجته هو ولصوصيته وعمالته.
والنظام اليمني لا زال يكرر نفس الأكاذيب، أنتهج التضليل بطريقة مخجلة في قضية تراجعه عن الوعود التي قدمها بشأن إستقالته وتركه الحكم، ولا زال يحاول أخذ المزيد من الوقت بشتى الأكاذيب، في محاولة منه للخروج من الحكم بطريقة شبه مشرفه تعفيه على الأقل من عدم الملاحقه في ما نهبه من أموال عامة وفيما أرتكب من جرائم بحق الشعب اليمني، وأستطاع الى حد ما أقناع الغرب عندما لعب على وتر القاعدة وساعده على ذلك وجود تأييد لهذا التنظيم داخل اليمن.
النظام الليبي جاء بالطوام الكبرى في التضليل الذي أنتهجه خلال الثورة التي تسعى لخلعه، فهؤلاء الثوار هم تارة عملاء للغرب وها هم يستعينون بدول غربية وقوات الناتو من أجل نهب النفط الليبي من قبل هذه الدول، وتارة هم فئران، يتعاطون المخدرات وحبوب الهلوسة، ومرتزقة وهو من جاء بالمرتزقة طبعا، ومجانين حيث رمى شعبه بدائه، فتاة يغتصبها خمسة عشر وحشا من مرتزقته على مدى يومين، تصبح مجنونة عندما كشفت للعالم وحشية ما حدث لها، ووصل الحد بإعلامية ليبية أن تحاول إقناع المشاهدين بعدم شرعية القرارات التي تبنتها الأمم المتحدة بحق النظام الليبي جراء ما فعله من إنتهاكات بحق شعبه، بقولها أن التبني في الإسلام حرام!.
أما النظام السوري فأمتاز بسرعة برامج التضليل وكثرتها والتي أتخذها في مواجهة الثورة التي تدعو للإطاحة به، الأردنيون دخلوا درعا، مشروع سوريا الكبرى: خطط له الملك عبد الله الأول وسينفذه الملك عبد الله الثاني، مشروع بندر بن سلطان لإحداث فوضى يتم من خلالها الإطاحة بالنظام السوري ويتم تنفيذه من داخل الأردن ولبنان، قيل لهم أن بندر مريض جدا وربما يلعن اليوم الذي ولد فيه، قالوا: خطط له عام ٢٠٠٨ ، و لم تنتهي المخططات الخارجية على سوريا والتي ينفذها مدسوسون وخونة وعملاء للأردن ولبنان واسرائيل والسعودية وزد كما تشاء، وحتى الأطفال الذين قتلوا في الصنمين بدم بارد وجد لهم النظام العذر بقتلهم وذلك لأنهم حاولوا الإستيلاء على الأسلحة من الجنود بالقوة!.
وإعلامية سورية لا تختلف عن الإعلامية الليبية آنفة الذكر كثيرا، تقول بأن هؤلاء المتظاهرين هم عبارة عن مصلين خرجوا ليشكروا ربهم على الأمطار التي هطلت، وتنتقد الجزيرة اللعينة لأنها لم تذع خبر هطول الأمطار ولأنها فبركت الخبر عندما وصفت هذا الشكر الرباني الجماعي على أنه تظاهرة، لكن لم توضح لنا هذه الإعلامية لماذا يطلق النظام النار على أناس خرجوا لشكر ربهم.
أما الأنظمة العربية التي واجهت مظاهرات محدودة وبمطالب محدودة، وكان من الأسهل والأقل تكلفة; الإستماع لهؤلاء المتظاهرين وتنفيذ مطالبهم بدلا من مواجهتهم بأمور قد تؤدي الى كوارث كما جرى في البحرين والأردن، ففي البحرين تم اللعب على وتر الطائفية ووجهت هذه المظاهرات بوحشية وأستنجدت البحرين بدول أخرى لقمع هذه التظاهرات، ولعمري أن معالجة حقوق هؤلاء الناس اسهل من مواجهتهم بهذه الطريقة لو حسبناها من منطلق الربح والخسارة، أما في الشرع فيعلم الملك البحريني بأنه هو المسؤول عن حقوقهم وليس أحمدي نجاد بالطبع.
أما في الأردن فكان التضليل الأسهل والأخطر، حين تم اللعب وتر العنصرية، فهؤلاء المتظاهرون من أصول فلسطينية والويل لكم أيها الأردنيون لو سيطروا على البلاد، ثم يأتي هذا التحذير للأردنيين من أصول فلسطينية، هؤلاء أردنيون وسيسعون لطرد الأردنيين من أصول فلسطينية- وها أنظروا أين بلغ بهم الحقد: شاب يقوم بتحطيم صورة الملكة علياء طوقان..
على يقين أن هذا الشاب لا يعرف من هي الملكة علياء، ولكنها الأوامر تتطلب هذا، تضليل خطير كاد أن يؤدي الى كارثة لو لم يسارع الأمير حسن بما عرف عنه من حكمة ويعيد الأمور الى نصابها، وكم تحسب لهذا المفكر الذي آثر الإنعزال لكنه أبى الصمت والأمور تنحدر بهذه الطريقة الخطيرة.
أيتها الأنظمة: رأفة بأنفسكم وبنا، التزموا الصمت ووفروا على أنفسكم الكلام ووفروا علينا الإنصات، دعوا الأمور تسير كما هي، فلم نصدقكم وقت الرخاء الذي قلما رأيناه، فكيف نصدقكم وقت الشدة، وأعلموا أن حبال الكذب قصيرة، لكنكم رغم قصرها كنتم تتعلقون بخيوط من هواء، أستمرأتم الكذب لكنا ما أستمرأنا التصديق، وسكوتنا لا يعني الرضا، وإطراقتنا لا تعني الإذعان، وصمتنا لا يعني القبول فكنا نواسيه بدعوة للمولى آخر الليل وأنتم نائمون، فثمة دموع غضضتم البصر عنها، صارت بحرا الآن وهي الطوفان القادم اليكم …