الديموقراطية لا تولد من الشمولية

  فوزي زيدان *

عندما قامت ثورتا تونس ومصر، بادر حكام دمشق إلى القول إن الأوضاع في سورية تختلف عنها في البلدين المذكورين، نتيجة تلاحم الشعب والحكم في دعم الدولة المقاومة للعدو الإسرائيلي، والممانعة للمشروع الأميركي في المنطقة.
وما أن أطاحت الثورتان التونسية والمصرية نظامي البلدين، حتى انطلقت الاحتجاجات في اليمن وليبيا مطالِبة بإسقاط النظامين ومحاسبة المسؤولين فيهما، كما انطلقت التظاهرات في الأردن والمغرب والجزائر رافعة الشعارات المطالِبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي.

وعمّت البحرين الاحتجاجات الشعبية المطالِبة بالمساواة والعدالة بين جميع مكونات المجتمع.

وعندما أعلن الحكم استعداده لإجراء تعديلات أساسية على النظام السياسي، كفيلة بتحقيق معظم مطالب المحتجين، تدخلت إيران وأججت المشاعر المناهضة له، ومنعت المعارضة من التحاور معه، ودفعتها إلى رفع مطالبها بإسقاط النظام، الأمر الذي أدى إلى طلب المنامة دخول قوات من «درع الجزيرة»، حماية لاستقرار البحرين ومنعاً لامتداد الاضطرابات والفتنة، ما يهدد أمن المنطقة واستقرارها.

ولم تصدق تنبؤات حكام دمشق، إذ اندلعت الاحتجاجات الشعبية، وخاب ظنهم باعتقادهم أن الاحتجاجات التي بدأت في مدينة درعا فورة ظرفية قصيرة، تعود بعدها الحياة إلى طبيعتها في المدينة، بعدما تكون الجماهير قد فرّجت عن كبتها، خصوصاً أن مطالب المحتجين كانت محصورة في مناشدة الرئيس السوري بشار الأسد إقالة محافظ درعا لفساده، ورئيس جهاز الأمن السياسي فيها لجبروته وظلمه، وتطبيق بعض الإصلاحات السياسية.

لكن الحكم تعامل مع الاحتجاجات السلمية بعنف، سقط بنتيجته عشرات القتلى والجرحى، الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الاحتجاجات وحجم المشاركة فيها، إذ شهدت معظم المدن السورية تظاهرات شعبية صاخبة منددة بالقمع الذي مارسته الأجهزة الأمنية ضد درعا، ومطالبة بحقوقها الوطنية».

ويعتقد كثيرون أن الحكم في سورية لن يوافق على إصلاحات سياسية أساسية، تشمل إطلاق الحريات العامة، وإقرار قانون انتخاب يؤمّن حرية الترشح والانتخاب ينتج عنه تمثيل نيابي حقيقي، واعتماد قانون للأحزاب يسمح بإنشاء أحزاب حقيقية تعتمد مبادئ اقتصادية واجتماعية مختلفة، وتحرير الإعلام من سيطرة الدولة، ما يفسح في المجال للجميع بإبداء آرائهم والتعبير عن معتقداتهم بحرية، واستقلالية القضاء، لأنها تؤدي إلى قيام الدولة المدنية الديموقراطية.

ودولة بهذه المواصفات تؤدي إلى انتقال السلطة من الحكم الحالي إلى المؤسّسات الدستورية المنتخبة بطريقة حرة ونزيهة.

حاول الحكم استمالة الشارع المنتفض وتهدئة غضبه، برفع حالة الطوارئ التي عُمل بها حوالي خمسة عقود، وإلغاء محكمة أمن الدولة، والسماح بالتظاهرات المقيدة بموافقة الحكومة التي يسيطر عليها «حزب البعث».

وبدلاً من أن تنجح هذه القرارات في إيقاف التظاهرات أو الحد منها، زادت من اتساعها وحدّتها، وسقط بنتيجتها في يوم «الجمعة العظيمة» مئات القتلى والجرحى، وذلك لانعدام ثقة الشعب بالحكم، نتيجة إخلاله بتنفيذ الوعود الإصلاحية.

وحاول الحكم أيضاً تغطية فشله في إيقاف التظاهرات المناوئة، على رغم اللجوء إلى نغمة «المؤامرة الخارجية»، تارة من قبل نائب في «تيار المستقبل» اللبناني، وتارة أخرى من «سلفيين» مرتبطين بدول في الخليج العربي، وطوراً من عملاء تابعين لأجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، علماً أن إسرائيل تكرر عبر صحافتها رضاها عن حكم يمنع أي عملية ضدها منذ سقوط الجولان.

ولما وجد الحكم أن الأمور ستفلت من بين يديه، لجأ إلى الحل الأمني، فاقتحمت الدبابات والمدرعات ومئات الجنود مدينة درعا التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة، فأرعبت سكانها وقطعت عنهم الكهرباء والمياه والاتصالات، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى، واعتقلت المئات.

كيف باستــطــاعة الأهــالي العــزل إقامة إمارة في درعا كما يدعي الإعلام الرســمي السوري، وماذا عن المحتجين في باقي المدن السورية؟ هل هم «سلفيون» أيضاً؟

وعلى رغم التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوري في انتفاضته، لا يرى المتابعون أملاً في المدى المنظور، على رغم تعرض النظام لضربات قاسية، نتيجة التردد الأميركي والأوروبي والدعم الروسي والإيراني والانحياز الرسمي العربي.

ولكن يبقى الأمر في النهاية منوطاً بمدى قدرة السوريين على متابعة احتجاجاتهم السلمية في ظروف أمنية قاسية، ومدى جدية الحكم في عملية التغيير الديموقراطي.

وفي اعتقاد كثيرين، أن الحكم غير جاد في وعوده الإصلاحية، وهو يراوغ من أجل كسب الوقت لإعادة الإمساك بالوضع الداخلي، وتعتبر المراهنة عليه لعبور سورية إلى الديموقراطية في غير محلها، لأن الديموقراطية لا تولد من رحم الأنظمة الشمولية الاستبدادية.

* كاتب لبناني
دار الحياة

السبت, 07 مايو 2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…