جمعة بعد أخرى وما بين كل جمعة والتي تليها، يتعمّق الجرح السوري وتتوسع دائرة غضب السوريين بعربهم وكوردهم وباقي أطيافهم الثائرة بشكل سلمي ضد سلطة الإستبداد التي تتبنى سياسة العصى الغليظة وترفض أي حوار من شأنه التهدئة وحقن دماء المدنيين الأبرياء الذين صاروا ضحايا يتساقطون بالعشرات على يد مخابرات النظام وشبيحته التي تعربد في البلاد كما تشاء وتستبيح بأرواح العباد بلا أي رادع.
وبصدد وعود الإصلاح التي يطلقها الرئيس الأسد بين الحين والآخر وحين اللزوم، فيبدو أنها وسيلة لكسب الوقت ليس إلا، مما أدى ويؤدي إلى فقدان الثقة بين الأقلية الحاكمة والأكثرية المحكومة الرافضة للطغيان والمطالبة بحقوقها عبر النزول إلى الشارع وعدم التراجع إلى حين تحقيق التغيير الديمقراطي المنشود الذي بات مراداً سورياً عاماً وليس مختصر على هذا المكوِّن أو ذاك، وهنا تكمن خطورة وهواجس هذه الهوة الحدّية الحاصلة بين الشعب المنتفض والنظام الفاقد لأية رؤية للحل سوى الرؤية الأمنية التي لن تجديه نفعا لا بل قد تودي به إلى السقوط.
أما مدلولات راهن الساحة المحتدمة يوما بعد آخر، فتوحي إلى أنّ أهل الحكم لا يستوعبوا لغة التوافق السياسي وقبول الرأي الآخر، ولسان حالهم يقول: اللهم نفسي وليحترق الأخضر واليابس من بعدي!، ولذلك وصلت الأمور إلى طريق مسدود بينهم وبين أهل البلد، وقد تدخل سوريا في حالة قطيعة بين طرفين إثنين كلاهما لا يرضخ للآخر، فالسلطة تريد إسكات الشعب بأي شكل كان والشعب يريد إسقاط النظام مهما كلف الأمر، وما بين هذا الخيار وذاك لم يعد في الساحة خيار ثالث يكترث بالمصالحة المجتمعية والإصلاح السياسي وفق أسس جديدة من شأنها إيصال المركب السوري إلى بر الأمان.
وبخصوص القضية الكوردية التي تخص حاضر ومستقبل ثاني أكبر قومية في سوريا، فإنها قضية ملحة وينبغي أن تجد حلا سياسيا مصيريا لا محال، فشأنها شأن باقي الملفات السورية العالقة والمحتاجة إلى حلول توافقية ديمقراطية تلبي الطموحات وتنصف أصحابها.
أما الضرورة السورية الآنية، فتقتضي قبل كل شيئ الإحتكام إلى جادة الصواب الديمقراطي وإيقاف دوامة العنف والبدء فورا بحوار حقيقي بين كافة الأطراف وترسيخ التعددية والشراكة على طريق بناء دولة الدستور والحق والقانون، لكنّ إحتماء النظام بالعسكر ولجوئه لأسلوب عسكرة الحلول منذ بداية الإحتجاجت وحتى الحين قد يدحرج البلد إلى أنفاق مظلمة تقع مسؤوليتها على عاتق النظام وليس غيره، وقد تنساق سوريا حينها إلى اجتياز ممر إجباري عنوانه: لا خيار سوى تحريك الشارع كضرورة سياسية تفرض نفسها للدفاع عن حرية السوريين بكل أطيافهم.