ما لا يقوله الحزب الشيوعي (الرسمي): الموقف من الاحتجاجات السلمية أنموذجاً

إبراهيم يوسف

قبل كل شيء، أحبّ أن أبين أنني مؤمن بأنه بالرغم من تلكؤ التجربة الاشتراكية في العالم، في أحد نماذجها، فإن الأنموذج الذي لابد منه، في نهاية المطاف،هو “العدالة الاجتماعية“، مستقبل البشرية، المؤكد، وأبين أنني أنّى وجدت تقصيراً من قبل الشيوعيين في أي بلد، وخاصة في بلدي سوريا، فإنني أحسّ بألم رهيب، في أعماقي، يكاد لا يعادله إلا ذلك الألم الذي أتعرّض له عندما أجد أن هذا التقصير يدفع ببعضهم لتهويل الأمر، و إن الإمعان في نقد هؤلاء، وهو ما سيستمر، حتى لو تحول الشيوعيون إلى ملائكة في الصورة التي يريدها كل فرد منا،
لأن لعاب بعضهم يسيل في ذمّ هؤلاء الشيوعيين، ليس من قبيل تشخيص الأخطاء التي تقع فيها الأحزاب الشيوعية، وهي جدّ كثيرة، الآن، وفي الأمس، بل لأن بعضهم يريد تعليق أخطاءه على ” مشاجب الشيوعيين، وأن هؤلاء الشيوعيين فسحوا لهم المجال بذلك، ولاسيما عندما تمت سرقتهم من الداخل، بسبب انخراط “نخبة” قيادات هذا الحزب، في الجبهة الوطنية التي قلت قبل سنوات أن دخولهم تحت مظلته، شكل محطة في تاريخ حزبهم، ليقسم تاريخهم إلى ما قبل” ..”وما بعد”… “وبعيداً عن تدبيج الأوصاف، فإن مرحلة ما بعد دخولهم الجبهة، شكلت اغتراباً عن جوهر نضالهم الحقيق.
لا أريد الخوض في الحديث عن تاريخ نضالات الحزب الشيوعي السوري-وهي كثيرة أيضاً، ومن بطولات الشيوعيين ما استمرّ ضمن أطر محددة حتى في مرحلة ما بعد الجبهة، ولاسيما من قبل قواعد أوساط هائلة من قواعد هذا الحزب، التي لم تقبل بخنوعها، وكانت تشكل ضغطاً هائلاً على قياداتها، في محطات عديدة، ولعلّ ما يحضرني الآن موقف الشيوعيين-جناح الراحل خالد بكداش- من إطلاق الرصاص من قبل أجهزة الأمن على المواطنين العزل في 12 آذار2004، وقول أحد ممثليهم في تلك الليلة لمسؤولي السلطة: أنتم مسؤولون عمّا يجري، بل وإن كان بيان منظمة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين في الجزيرة، هو أول بيان وزع بعد ساعات من إطلاق النار في الشارع السوري، و كان قد أدى إلى اعتقال أحد كوادره وإهانته وضربه، وهي شهادة قلتها في أكثر من ندوة أقمتها مع المناضل مشعل التمو في مدن أوربية عقب تلك الانتفاضة المقموعة، ولاسيما أن هناك تشويشاً ملفقاً من قبل بعضهم على دور الشيوعيين ” كما أنهم وزعوا أول بيان في درعا واعتقل على إثره أحد قياديي الحزب في درعا، بعد المجزرة الأولى فيها” وأتذكر أن أحدهم سألني في ندوة تمت في جامعة برلين: هل صحيح أن الشيوعيين كانوا يحملون الأسلحة، ويساهمون في إطلاق النار على الكرد؟، وكان سؤالاً فيه الكثير من التجني والتقويل على الشيوعيين ، كما أنه قد بدر موقف إيجابي عن جناح يوسف الفيصل في الوقت نفسه، بعد انتفاضة قامشلي، وإن كان الفصيلان الجبهويان سيتحدثان عن “استهداف البلد”، و”لازمة الخارج”،  و”المقاومة”- الأمر الذي يجب عدم إيلائه أي اعتبار، لأن إطلاق الرصاص على المواطن الأعزل، خوفاً من مطلبه المحق، يفصم “عقد” و عرى أي رباط وطني مع مطلق النار-أياً كان- وكان من المفترض على مثل تلك المفردات أن تدفع النظام إلى الاستجابة لسؤال الجماهير، لا الدّوس عليها، باسم  هذه الشعارات البراقة التي لا تنفيذ عملي لها منذ عقود، وإن الانصراف للتركيز عليها في مفصل حساس أثناء ذبح المواطن هو تواطؤ مع القاتل أياً كان صاحب هذا الشعار.


وإذا كانت هناك الآن ثمّة هوّة بين الحزب الشيوعي والشارع السوري، فهناك عوامل عديدة منها انهيار التجربة الاشتراكية في أنموذجها السوفييتي، بالإضافة إلى وجود الحزب الشيوعي-بفصيليه- أي جناحا المناضل الراحل خالد بكداش وأ.

يوسف الفيصل”كما نسميهما” ضمن إطار هذه الجبهة، وعدم مقدرتهما، بالرغم من وجود نقاط إيجابية في برامجهما، من تنفيذ مثل هذه البرامج، وذلك لأن العلاقة مع الجبهة، ليست علاقة حلفاء، بل علاقة تابع ومتبوع، مادام أن حزب البعث يقود الدولة والمجتمع، وهو ما بات يتضح تدريجياً في العقدين الأخيرين، بعد أن كان هناك مجال للشيوعيين في ما قبل أن يناوروا، ليقولوا في مواقف قليلة كلمتهم، ولو بشكل نظري، من دون أن يدفعهم ذلك إلى ترك أحضان الجبهة، والعودة إلى الشارع، ما كان سيفيد حزب البعث نفسه الذي يعتمد على الشيوعيين في اللقاءات الجماهيرية، وعند اللزوم، فقط، لإلقاء كلمات ” ديكورية” حتى وإن اختلفت لغة الخطاب لأول وهلة، ومرر الشيوعيون بعض مفرداتهم بحسب درجة الحاجة إليهم.

وقد تمسك المناضل  الراحل خالد بكداش إلى لحظة رحيله بمقولة” لو انطلقنا من الوضع الداخلي في الموقف من النظام، لكنا في طليعة المعارضة، إلا أنه كان يرى في السياسة الخارجية السورية، ما كان يجعله محافظاً على عرى العلاقة مع البعث، وكان في طليعة هذه السياسة الخارجية الموقف من الاتحاد السوفييتي، والموقف من أمريكا وإسرائيل وغير ذلك، وحقاً لا يمكن أن تكون هناك أي مقاومة أو موقف خارجي صحيح ،في ما لو كان ذلك على حساب كرامة الجماهير ولقمتها، ويشكل ذلك غطاء لممارسة الاستبداد بحقها بالنار والحديد.


ولعلّ ما يدفع إلى الاستغراب أن يصدر بيان عن 53 حزب شيوعي وعمالي ومن بينهم الحزب الشيوعي السوري-وهل يوجد مثل كل هذا الرقم ميدانياً؟- يوقع على بيان تضامني حول ” العدوان الإمبريالي على ليبيا” وهذا نصه: لقد بدأت القتلة بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وعموماً عبر حلف الناتو، وبمواقفه من هيئة الأمم المتحدة، حرباً إمبريالية جديدة، تستهدف هذه المرة ليبيا.

إن ما يقولونه حول دوافعهم الإنسانية هو نفاق تام، وهو ذرّ للرماد في أعين الشعوب لتضليلها! فهدف الإمبرياليين الحقيقي هو نفط ليبيا وغازها.

وعليه نعبر نحن الأحزاب الشيوعية والعمالية عن إدانتنا واستنكارنا للتدخل العسكري الإمبريالي، فالشعب الليبي يجب أن يقرر مستقبله بنفسه وبدون أي تدخل إمبريالي أجنبي، كما وندعو الشعوب للرد والتحرك مطالبة بإيقاف فوري للقصف، وإيقاف التدخل الإمبريالي فوراً، وذلك من دون أي إشارة إلى الحرب التي أعلنها المجرم قذافي بحق شعبه، ولا الإشارة إلى نهبه وأسرته للاقتصاد الليبي، ولا التضامن مع مع الضحايا من أبناء ليبيا…!؟
بين يدي بيانان للحزبين الشيوعيين المنضويين تحت” لواء” الجبهة الوطنية، وقد جاء في بيان اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري في الجزيرة- ويتصدر الموقع الإلكتروني للحزب-  إثر إصدار المرسوم القاضي بإعادة الجنسية لمن  سلخت منهم :” استقبلت جماهير شعبنا في الجزيرة بفرح  وارتياح كبيرين المرسوم 49 تاريخ7-4-2011 الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد والذي” منح” بموجبه الجنسية السورية للمواطنين الأكراد الذين جردوا منها نتيجة إحصاء 1962 الذي أجرته الدوائر الرجعية أيام الانفصال.
 إننا نرى أن هذا المرسوم الصادر عن سيادة الرئيس والذي أدى إلى إنصاف أولئك المواطنين “الأكراد” الذين يشكلون مكوناً أساسياً من النسيج الوطني السوري قد جاء منسجماً مع تقاليد شعبنا السوري الوطنية والحضارية.
إننا نثمن عالياً هذا المرسوم العادل الذي يشكل إسهاماً كبيراً في تعزيز الوحدة الوطنية ويقوي من منعة وطننا أمام مؤامرات الأعداء.

إننا نتوجه إلى أبناء شعبنا في الجزيرة بأطيافه المختلفة بالدعوة إلى تصعيد العمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية ودعم الصمود الوطني ودعم الصمود السوري المشرف في وجه المخططات والمؤامرات الإمبريالية والصهيونية والرجعية ونحن واثقون بأن سورية ستبقى منارة للأحرار في دنيا العرب وقلعة حصينة للأحرار في العالم أجمع
التوقيع:
اللجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري في الجزيرة

بينما راح بيان الحزب الشيوعي السوري الموحد والذي جاء تحت عنوان: الوقف الفوري للعنف وإطلاق حوار وطني شامل يتحدث-وهو موقع في 25-4-2011 ويتصدر موقع الحزب بدوره- عن عشرات القتلى، ويطالب بجملة مطالب تلتقي في كثير منها مع مطالب المحتجين الإصلاحية في أيامها الأولى، ويرى أن” هذه المآسي التي تحدث لا يستفيد منها سوى أعداء الوطن، وأعداء النهج الوطني الذي تسير عليه البلاد، والذين يسوقون للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وكذلك القوى التي لا تريد لعملية الإصلاح أن تتسع وتتعمق.
وفي المقابل ثمّة موقف مشرّف بدر عن المناضل الفذّ رياض الترك – كما قيل لي وأرجو أن يكون صحيحاً – وكنت قد نقدته قبل الآن لبعض مواقفه “القوموية” من الكرد- بأنه كان قد وصل درعا، وكان إلى جانب هؤلاء الأخوة في الجامع العمري، ليبين للعالم أن من في الجامع “طلاب إصلاح” وليسوا ” إرهابيين” ممن لا مكان لهم بين شعبنا الحضاري الذي يرفض القاتل، أياً كان.
حقيقة، إن تناولي للحزب الشيوعي يأتي من منظور مختلف إنه نابع من منظور الحرص عليه، لا من  قبيل التشفي به، لما آل إليه، ليأخذ مكانه اللائق به، وبتاريخه المجيد، لا كما يرى بعض أعدائه وبعض المنقلبين عليه لدوافع غير مبدئية- وليكون في قلب الاحتجاجات السلمية التي تتم-حيث مكانه ساحات الاحتجاجات الشعبية الوطنية لا مكاتب الجبهة- وهو ما سيؤكد للشيوعيين بأن من يضمهم الشارع الاحتجاجي ليسوا- سلفيين ولا مندسين- بل أصحاب مطالب محقة، مبدئية، تلتقي مع جوهر خطابهم، و لا بد من الاستجابة لها، و من حق الحليف على الحليف “أن يقول له لا” حين يستبدّ، ويتفرعن، لا أن يصفق له، وهو ما يجعله شريكاً معه في جريمته، لأن الشيوعي عليه أن يقول: لا، مدوية، مادام أن هناك استبداداً، وأن الحصول على المكسب من أي نظام ما يجعل المستفيد – فرداً أو مؤسسة- في خانة الانتهازية.
الجمعة
29-4-2011

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…