دموع عيد و رصاصات الأسد

حسين جلبي

يفضل الشعب السوري اليوم رؤية العفاريت بألوانها المختلفة على رؤية الإصلاحات التي لا يزال النظام يعد بها، فساعات قليلة فصلت بين باكورة إصلاحاته، و هي كما أصبح معروفاً الإعلان عن رفع حالة الطوارئ، مع ما رافقه من تهليلٍ و تكبير، تطبيلٍ و تزمير، و بين ترجمة هذا القرار على أرض الواقع، إستخداماً صاعقاً لجميع صنوف الأسلحة بإستثناء ـ و الشهادة لله ـ الطائرات ـ في الهجوم الكاسح على المدن السورية و إحتلالها و قتل المواطنين العزل و أسرهم، و القتل هنا يعني تنكيلاً و تمثيلاً بالجثث أيضاً، و الأسر يعني تعذيباً وحشياً قد يوصل إلى القتل.

لذلك فكلما كانت هناك تسريبات مخابراتية بأن ثمة إصلاحات قادمة، سواءٌ أكان ذلك مباشرةً عبر إعلام النظام السوري، أو بصورة غير مباشرة عبر إعلامييه و الناطقين بأسمه على الفضائيات (المغرضة)، بان الرئيس سيصدر مرسوماً إصلاحياً، أو أن مجلس الشعب سيناقش الموضوع الفلاني، أو سيتم طرحه على النقاش العام..؟ تحسس السوريون رؤوسهم، و أصيبوا بتشنجات و بموجات أرق و تعرق، هي إحدى أعراض مرض توقع الأسوأ.
قبل أيام كان الدكتور عبدالرزاق عيد ضيفاً في برنامج حواري على قناة الحرة، و كان الموضوع طبعاً عن سوريا التي خطفت هذه الأيام أضواء الظلام من ليبيا و اليمن، و أصبحت الخبر الأول و الرئيسي في نشرات الأخبار و ما يتبعها، و حدث أثناء ذلك البرنامج أن اتصل أحد المحاصرين في درعا مستنجداً بصاحب كل ضمير حي لإنقاذ المواطنين الذين يتعرضون لهجوم دموي عشوائي غير مبرر، ترافق بقطع الماء و الكهرباء و وسائل الإتصالات عن المدينة، و وقف إمدادات الأدوية و الأغذية و الطحين عنها من قبل الجيش السوري  و المخابرات و الشبيحة، و هنا أُسقط في يـد د.عيد، و لم يجد وسيلةً غير البكاء يرد به على إستنجاد المتصل، و على الضيف الآخر في البرنامج، الأمريكي، الذي كان يعبر طوال الوقت عن (قلقـه) و عن (أسفه) لما يحصل في سوريا، أجهش د.عيد في البكاء قائلاً للأمريكي بما معناه، أن الرجل يستنجد، و أنت تعيش رفاهية الأسف و القلق و الإدانة.

لقد كانت لحظات إنسانية مؤثرة إختلط فيها الألم بدموع العجز، في موقفٍ ذكرنا بدموع رئيس وزراء لبنان السابق فؤاد السنيورة أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان في حرب تموز.
قبل تلك الإطلالة للدكتور عيد إستضاف مجلس الشعب السوري الدكتور بشار الأسد، كانت المناسبة كما أُعلن: (طلب مجلس الشعب من الرئيس توضيح الإصلاحات التي يرغب في القيام بها)، كانت الجلسة في الواقع (مضحكة حد البكاء، أو مبكية حد الضحك)، حسب أحد التعابير التي أصبحت دارجة في وصف الحالة السورية، و رغم أن أحداً لم يتصل من درعا أو من أي مكانٍ في سوريا بالجالسين الذين كان جلوسهم ـ بل في الحقيقة وقوفهم ـ هو الآخر على الهواء مباشرةً، لكن الأكيد أن الجميع كان يعرف أن دماء السوريين تسيل بغزارة، و أن (جمعتهم) كانت في الواقع لهذا السبب جمعة خير، أي محاولة لفلفة الشارع عبر إصلاحات جذرية قبل أن يحدث الإنفجار الكبير، لذلك وضع الكثيرين آمالاً عريضة و رفع سقف توقعاته، متخذين من تقاطع مصلحة الطرفين ـ النظام و الشعب ـ  قاعدة لنفخ بالون كبير ملئ بالأحلام، و الذي سرعان ما إنفجر عندما إنهمرت عليه زخات مدوية من قهقهات المحتفين ببعضهم تحت قبة البرلمان، فتبخرت جميعها في الهواء.
الإصلاح أصبح كلمة فاسدة و منتهية الصلاحية في سوريا، لأن تناولها يصيب بأعراض مختلفة، فمن جهة هناك من تبكيه الوجبة، و من جهةٍ أُخرى ثمة آخرون تضحكهم لدرجة الهستيريا، و لا علاقة للموضوع ـ البكاء و الضحك ـ بحبوب الهستيريا التي أُكتشفت أخيراً في سوريا بعد ليبيا، و التي تحمل شعار قناة الجزيرة التي أكتشفنا أن لها مواهب ذات صلة بالصناعة الدوائية أيضاً، لأن هذه الحبوب توحد المتعاطين في إتجاهٍ واحد: الهتاف ضد النظام، النظام فقط دون سواه.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…