دور الشيوعيين السوريين في تضليل الناس

بقلم: بلند حسين

   منذ قيام ماتسمى بالجبهة الوطنية التقدمية تحت مظلة حزب البعث، أضحى الشيوعيون بمثابة السمكة التي يُلقى بها خارج الماء، بعد أن وقّعوا بثمن بخس وبمحض إرادتهم، صك بقائهم داخل الدوائر القوقازية التي رسمتها السلطة.

فكانت جبهة الدُّمى تلك، آخر مسمار في نعش الحزب الشيوعي والقوى السياسية الأخرى، المؤتلفة في إطارها أو المنضوية تحت لواء البعث، لأن ميثاقها نصَّ في إحدى مواده على إستئثار الأخير بالنشاط بين صفوف الطلبة والجيش.
   في أفضل الأحوال، لاتشكل أحزاب الجبهة، التي إرتضت أن ترتبط بعجلة النظام بأي ثمن، سوى ديكورات في مسرحية ساخرة لمخرجها حزب البعث، بعد أن نجح النظام أيما نجاح في تشييخها وشرذمتها وعزلها عن الجماهير، بموجب ميثاق جبهتة العتيدة، أو ما تسمى بجبهة المناسبات وفق التعبير الشعبي الدارج، حتى غدت
هذه الأحزاب المتهالكة بخطابها المتخشب منذ عقود، شركاء البعث فيما آل إليه الوضع، وبمثابة أدواته الصدئة!.
  جدير ذكره إن برامج الشيوعيين السوريين، تضمنت ديباجات سئمتها الجماهير، لأنها كانت تطفح بالمنطلقات النظرية لحزب البعث في المآل الأخير، مثلما نبذ الناس تنظيراتهم فيما يخص سمات الطغيان والأنظمة التاتوليتارية في بلاد الواق واق، ليس في حقبة الحرب الباردة التي أضحت فيها موسكو كعبتهم فحسب، بل إلى يومنا هذا، حتى تجسدت صورتهم في المخيال الشعبي بنادرة كانت تتردد على ألسنة الناس في المجالس، تقول: إذا هطلت الأمطار في موسكو، حمل شيوعيو سوريا مظلاتهم في دمشق.
   بعد إنهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته التابعة، أضحى (البعث) كعبتهم المشرفة، حتى أضحى الشيوعيون مَلَكيين أكثر من الملك، بغية الظفر بفتات الموائد.

فاتهموا انتفاضة الكرد في 12 آذار 2004م، بأنها مؤامرة مدبرة من الخارج، رغم أن الرئيس نفاها في إحدى مقابلاته المتلفزة، وهاهم يدّعون بأن مايجري في سوريا اليوم، من صنيعة الامبريالية والصهيونية بهدف زعزعة قلعة الصمود والتصدي أو قلعة المقاومة والممانعة!.


   بَيْدَ أن هناك قضية أخرى لابد من تناولها على هذا الصعيد، كي تتوضح الصورة في ذهن القارىء الكريم على نحو أسطع.

ببساطة، راهن شيوعيونا حتى الأمد القريب على الفقر كعامل موضوعي للثورة، كون الفئات الأكثر تضرراً هي المحرّك الرئيس والأكثر تحفزاً للثورة.

لكنْ، هاهو الظرف الموضوعي، المتمثل في الفوارق بين حفنة من الطغمة الحاكمة ذات الثراء الفاحش وعامة الناس قد نضج في سوريا منذ عقود، ونجم عنه ما نجم من فقر مدقع، نتيجة الاستغلال الفاحش بين العاملِين وأرباب العمل أولاً، و تعمقت الفجوة بين الأغنياء والفقراء بسبب سوء توزيع الدخل الوطني ثانياً، ورغم كل ماسلف فدروس الثورة التونسية تقول بأن ما دَفَعَ محمد بوعزيزي إلى احراق نفسه ليس الفقر والفساد والبطالة وحدها، بل الاذلال والغبن والكرامة المهدورة والقهر السياسي المتمثل في مصادرة حرية الناس وإرادتهم  قبل كل شيء.


   في ذات الوقت سَوَّقَ ماركسيونا التقليديون أطروحة أخرى أو موضوعة تستوجب بناء التنظيم الثوري، انطلاقاً من العلاقة الجدلية بين العاملين الموضوعي والذاتي، لكن ـ كما بيّنا ـ هذه الأداة التنظيمية/الحزب، أضحت فاسدة وغدت تابعة لحزب البعث، حتى بات يذكرنا بما جاء في الانجيل:(إذا فسد الملح فبماذا يُمَلَّح؟).
   لقد أثبتت الجماهير المنتفضة اليوم في عموم سوريا، بأنها قد تجاوزت القوى السياسية الهرمة من جهة، ولم تعد تنطلي عليها تُرَّهات الشيوعيين وأسيادهم من جهة أخرى، رغم مكياجها الفاقع.
   فهل آن للشيوعيين وأسيادهم أن يتنحوا ؟.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…