ثورة الشباب السوري ضمانة الوحدة الوطنية الحقيقية

د.

عبدالباسط سيدا

ما تشهده سورية في مختلف مناطقها، سواء في الجنوب أم في الشمال، في الغرب أم في الشرق، والداخل خاصة في حمص وريف دمشق وضواحيها، لا يُعد مجرد تحرك عابر، سيتلاشى بمجرد تلبية بعض المطالب الجزئية الفرعية بصورة ترقيعية هلامية إيهامية تمكّن الزمرة اللامرئية الحاكمة في سورية من الاستمرار في استبدادها وإفسادها وفسادها.

ما يجري راهناً في سورية إنما هو حراك نوعي، وتحوّل بنيوي، يمثل حصيلة عقود من التراكمات؛ حراك تقوده عقلية شبابية واعدة، تعيش عصرها، وتمتلك الأدوات المعرفية والتقنية والإرادة الوطنية التي تمكّنها من تشخيص مكامن الضعف وبواعث الأزمة العميقة التي تعاني منها الدولة في سورية؛ أزمة وضعت المجتمع السوري بكل إمكانياته وخبراته وتطلعاته أمام حالة لا آفاق لها، إذا ما استمرت الأمور على حالها، وظل النهج الديماغوجي الشعاراتي يغطي السرقات، ويسوّغ الاستبداد.
إن التحرك الشبابي السوري غير المسبوق المستمر إنما هو مجرد بداية لتحرك شعبي عام، سيتواصل ويتنامى، ليشمل كل المناطق وسائر المستويات؛ وهو تحرك يقطع مع الذهنية القديمة، والنهج القديم، والأدوات القديمة، التي باتت جزءاً من الماضي على الرغم من إصرار أصحابها على الاستمرار والبقاء بأي ثمن.
التحرك الشبابي الشعبي السوري يؤسس لوحدة وطنية حقيقية لم تعرفها سورية بعد، وحدة تؤكد إخفاق مشروع  البعث القوموي تماماً كما أخفق مشروعه الاشتراكي اللارأسمالي.

فالبعث سواء في سورية أم في العراق رفع شعار الدولة القومية الواحدة، وأدان الدولة الوطنية عبر استخدام مصطلحات قدحية مثل الدولة القطرية أو الإقليمية، بل وصل به الأمر أحياناً إلى اتهام المطالبين بالدولة الوطنية كأساس لابد منه لأي فضاء أو مجال حيوي قومي بالخيانة؛ ولكن الواقع أثبت في كلا البلدين أن الشعارات القومية الكبرى لم تكن سوى تغطية لنزوع سلطوي تمثّل في تناحر مختلف المجموعات من أجل امتلاك الحكم، والإجهاز على الوطن وأهله.
التحرك الشبابي السوري بكل أطيافه ومكوّناته سيقطع الطريق أمام الولاءات الفرعية ما قبل الوطنية، الولاءات التي ترسخها السلطة واقعاً، وتنكرها شعاراً وتبجحاً.
فأن يردد ابن القامشلي أو ابن طرطوس وبانياس ودمشق وحمص: بالروح بالدم نفديك يا درعا؛  الله، سورية، حرية وبس، فهذا فحواه أن هذا الشباب الثائر قد زلزل بقوة الإستراتيجية الجديدة- القديمة المعتمدة من قبل مجموعة الحكم في سورية، وهي إستراتيجية تقوم على زرع الشقاق والخوف المتبادل بين مختلف المكوّنات (الطائفية والمذهبية والقومية) والجهات والاتجاهات السورية؛ إستراتيجية لا تتسق بالمطلق – كما هو واضح لأي متمعن- مع مزاعم المقاومة والممانعة التي لم تعد تقنع أحداً، بل تثير الشفقة والسخرية تماماً مثل تلك المسرحيات الهزيلة التي تتحدث عن مجهولي الهوية، ممن يطلقون النار على المتظاهرين ورجال الأمن في دولة يحصي فيها الأمن سكنات وحركات كل مخلوق.


المشروع الوطني الديمقراطي السوري الذي كان حلماً منشوداً، وغدت بواكيره واقعاً بفعل وعي وإرادة الشباب السوري في مختلف الجهات ومن سائر المكوّنات، لن يلغي الخصوصيات، لكنه سيضعها في إطارها الوطني الصحيح، على قاعدة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية لكل المواطنين من دون استثناء.
وبناء على ما تقدم ، نرى أن التحرك الكردي اللافت يوم أمس 8-4-2011 في القامشلي وعامودة  والدرباسية وغيرها من المناطق الكردية جاء ليؤكد من جديد أن المسألة الكردية في سورية هي جزء فاعل من المسألة الوطنية الديمقراطية العامة في البلاد، وهي لا يمكن أن تحل بموجب صفقة أمنية قد يُوحي بها النظام، أو يروّج لها بعض المقربين منه.
الكرد في سورية- شأنهم في ذلك شأن سائر المكوّنات السورية- لا يمكن لهم أن يكونوا بمعزل عن التحرّك الشعبي السوري العام العارم.

فسوريا هي لجميع وبجميع أبنائها.
لقد قرر السوريون جميعاً القطع مع مركب الاستبداد والفساد بأشكاله وأدواته المختلفة؛ لقد بلغ شبابنا السوري العزيز مرحلة النضج، وأدرك أن السياسة الداخلية السليمة هي الأساس وهي الحصن والملاذ لكل السوريين، والأيام القادمة ستحمل لنا جميعاً بشائر الربيع المنتظر.

الرحمة لشهدائنا الأبرار؛ والعزيمة الواعية لشبابنا ، ولتسلم سورية العزيزة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…