أسئلة أولى عشية تشكيل الحكومة الجديدة

إبراهيم يوسف

أعود الآن إلى مجموعة التصورات التي كنا نكتبها، قبل حوالي عشر السنوات من الآن، حول الوضع السوري، الذي بلغ الحضيض، وكنا -على الدوام- نواجه المزيد من الضغوط في أقسى صورها، سواء أكان من قبل الأجهزة الأمنية أو من خلال بعض الوكلاء عنها، وكانت الاستدعاءات الأمنية أحد أشكال ذلك، ناهيك عن الضريبة التي كان كل منا يدفعها على حساب لقمته ومستقبله، بل ومستقبل أسرته، كما إن الكثيرين من كتابنا ومثقفينا وأصحاب الرأي تعرضوا للاعتقال، وصدرت بحقهم أحكام تعسفية، ولا يزال كثيرون منهم وراء القضبان، و يحضر من أسماء كتابنا ومثقفينا الكرد المعتقلين حتى الآن – مشعل التمو- حسن صالح محمد مصطفى- مصطفى جمعة و إبراهيم بركات ومصطفى إسماعيل وهو غيض من فيض ” ناهيك عمن أطلق سراحهم” ، كما أن الآن وراء القضبان من أعد لأمسية شعرية في قرية نائية، والقائمة تكبر ….

وتكبر.
حقيقة كانت هناك تصورات جدّ دقيقة لتشخيص الواقع، بأقلام الكثيرين من كتابنا، وكانت سبباً في أن تتصرف الجهات المعنية مع كل صاحب رأي بعين العداء، وقد بلغ البطش بالكتاب والمثقفين والناشطين، إلى درجة اضطرت فيه أكثر الأقلام الشريفة إلى الانزواء، أو الهجرة، وهي الأقلام الأكثر غيرة على بلدنا وإنساننا.
وهاهي الأمور الآن تستفحل، في ظل -العقل الأمني- الذي يتحكم بزمام الأمور، وينصب من نفسه مرجعاً أول، لكل مفردات معجم الحياة السورية، صغيرها وكبيرها، حيث يتم مواجهة طفل صغير يكتب عبارة ما على جدار ، بكل ذلك البطش، ما أدى إلى استفحال الأمور في درعا، ووقوع عشرات الضحايا في عدد من مدننا العزيزة، شهداء بالرصاص الحي، بعد تدبيج العديد من اليافطات ومنها: التآمر، والطائفية، والفتنة….

وغير ذلك مما فنده الشارع السوري من أقصاه إلى أقصاه، و الذي أكد أنه طالب إصلاح ، وأن مفردات التخوين التي أطلقت عليه غريبة عن روحه، وهي ظاهرة جد إيجابية تسجل للمعارضة التي أثبتت وطنيتها، ومن بينها شبابنا الكردي الذي يعمل بكل روح حضارية، غير مكترث ببعض الأصوات النشاز التي حاولت ثنيه من إطلاق احتجاجه ضمن دائرة الوطن، وبروح عالية من الحرص والنبل والفهم، وهو ما جعل الوصفة التي استخدمتها السلطات الأمنية في مواجهة كرد سوريا في 12 آذار2004 تسقط، وتغدو مخيبة للعقل الأمني .
وإذا كنت أتحدث عن الهم السوري-بعامة- وعن الهم الكردي-بخاصة- فإنني أرى أن  إعادة الجنسية إلى آلاف الأسر التي سلبت منها-عنوة-منذ العام 1962 وحتى الآن، بالإضافة إلى الاعتراف بيوم نوروز عيداً وطنياً، وغير ذلك، مما لا يكفي من دون الاعتراف الدستوري بالكرد، كمكون وطني أصيل يعيش فوق ترابه، وإن من يمثل الكرد هو حركته السياسية وفعالياته المدنية التي  تعبر عن ضميره، ضمن اللوحة السورية العامة، ناهيك عن أنه لا بد من فتح ملفات الظلم والاستبداد التي ألحقت بالكرد، طوال الفترة الماضية، ومحاكمة من ألحق الأذى بالكرد، وهو ما كان في أول قائمة المطالب التي نطالب بها جميعاً.
وإذا كانت هناك حكومة قد حلت قبل أيام- ويفترض أنها لا تحل- إلا لأنها كانت جزءاً مما آلت إليه الأمور (بالإضافة- إلى المؤسسة الأمنية، ويتم محاكمتها، وإطلاق حكم ما بحقها) وإلا فلا داع لحلها، واستبدالها بأخرى، ولا إصلاح ما دامت (القبضة الأمنية طليقة ، تبطش و قد بلغت أعداد ممنوعي السفر في سوريا -قياساً إلى عد السكان- رقما غينيسياً- يسجل لهذه الأجهزة) وبخاصة أن الشارع السوري متشائم من اسم د.عادل سفر- ولا علاقة لاسمه بمنع السفر الذي أتحدث عنه هنا- الذي ارتبط اسمه بسنوات “الجفاف” والهجرة، أثناء توليه وزارة الزراعة، وكان من الممكن تخير اسم يتفق عليه الشارع السوري- وليس من ضمن البيت البعثي نفسه- لأنه ما أكثر شرفاء سوريا الغيارى، لتشكيل حكومة وطنية تمثل النبض السوري، بمن فيهم الكرد الذين يشكلون عشرين بالمئة من عدد السكان، ممن لم يتم الاكتراث بهم باستمرار.

كما أن معالجة ما حدث في بعض المدن السورية من إطلاق الرصاص الحي عليهم، لا بدّ وأن يأخذ الاهتمام الأول في أبجدية الإصلاح، ويرضي ذوي هؤلاء، ومن كانوا معهم من معتصمين سلميين، في ما إذا كانت هناك نية حقيقية لتطبيقه، لا أن يتم مواجهة العقل والضمير السوري بالفبركات التي يتفوه بها بعض الناطقين الرسميين، ممن عليهم أن يدركوا بأن الإنسان السوري شب عن طوق التدجين وما عاد يصدق الأضاليل، والخزعبلات التي تعطي صورة عن أفق ودرجة تفكير أصحابها، لا عن سوية روح وضمير وعقل الإنسان السوري.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…