على مقاس النظام قانون الأحزاب

أياز بلو

يشاع مؤخرا بأن النظام بات بصدد طرح قانونٍ جديد للأحزاب، للحوار الوطني عليه، ومعلوم أن سوريا تعيش بلا هذا القانون منذ خمسة عقود، حيث ألغى النظام جميع ما من شأنه تنظيم المجتمع في أحزاب سياسية فاعلة للمساهمة في الحياة العامة، ورسم الملامح السياسية للبلاد.

عندما استلم حزب البعث السلطة في سوريا في 8/3/1963 ألغى وجود الأحزاب الأخرى، ونصب نفسه كحزب وحيد قائداً للدولة والمجتمع، واستمرّت الحال هكذا حتى بداية السبعينات، حيث أقيمت ما يُعرَف بالجبهة الوطنية التقدمية، فدخلت التيارات الناصرية والشيوعية الجبهة بعد (قَصْقَصَة) أجنحة هذه الأحزاب ليتناسب مع تفكير النظام ورؤيته في قيادة سوريا، وتنازلت تلك الأحزاب عن مطاليبها وبعض برامجها لإرضاء البعث، وهكذا تعيش سوريا منذ ثمانية وأربعين عاماً.
وخلال كل هذه العقود تحوّلت السلطات السياسية إلى إخطبوط أمني مروِّع، وأصبح كل شيءٍ مزرعة مُنتِجة للقيادات الأمنية التي همّشَت دور الأحزاب وجبهتها الصّورية، وأصبح حزبُ البعث نفسه قوى خفية تابعة للأجهزة الأمنية، بل ذيلاً يتبعها في الأسفل ويغطيها من الأعلى، وهكذا انتهى دور البعث كحزبٍ سياسي فاعل، حتى في انتخابات داخليه لهذا الحزب صارت الأجهزة الأمنية هي التي تقرّر تشكيل واختيار الشخصيات التي تكون أكثر ولاء للأمن.
والآن لا يتوقع المراقب السياسي أن يقوم النظام بطرح قانونٍ عصري ينظّم حياة الشعب سياسياً، لتتأسّس الأحزاب وفق رؤى تعكس قوى المجتمع وفعالياته وثقافاته.

فالقانون المُقترَح الآن- كما يشاع- يمنع تشكيل أحزاب على أساس عرقيّ وإثنيّ وديني.

بمعنى لن تكون هناك أحزاب كردية أو آثورية أو أرمنية أو إسلامية أو مسيحية.


وهنا يتبادر إلى الذّهن، هل سيتخلّى حزب البعث عن اسمه (حزب البعث العربي الاشتراكي) ليصبح حزب البعث السوري فقط؟ وهل سيطلب من الأحزاب التي تحمل صفة (العربي) التخلي عنها.

أم سيكون حلالاً لهم وحراماً على الكرد وغيرهم؟

فالنّظام، حسب التجربة الطويلة له، لا يملك إلا التفكير بالحلول الأمنية، ولن يبحث عن حلٍ لمشاكل البلاد إلا بما يتوافق مع الطرح الأمني، لأن النّظام السياسي بالكامل نظام أمني بامتياز، ولا مساحة لغير ذلك.

فالإصلاح في هذه الحال لن يكون غير ترقيع لتجميل وجه النّظام الأمني، والضحك على ذقون الناس.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…