عقم الحل الأمني في الأزمة السورية

عمر كوجري

عصفت في المنطقة العربية خلال أوائل العالم الحالي وإلى الآن ثورات شعبية جماهيرية شبابية استطاعت أن تغيّر شكل ومضمون المنطقة برمتها، ورغم محاولة النظام السوري الإيحاء بأن هذه العاصفة ستمرُّ دون أن يصيبَه بمكروه بسبب حصانة النظام شعبياً من ناحية ” صون كرامة المواطنين ومشروع الممانعة الذي يتبنّاه.

لكن، تبيّن أن البلَّ وصل إلى الذقن كما يقول المثل، وكان من الممكن تجنُّب أو حتى تأخير وصول هذه الاعتصامات الشعبية لولا الإصرار على الحلول الأمنية، والارتباك في مواجهة مشاكل بسيطة يمكن حلها دون تضخيمها مثل اعتقال أطفال” أبرياء” في درعا والتعامل معهم بطريقة أمنية غير مبررة على الإطلاق، ذلك التعامل الذي أوقع شهداء وضحايا، وزاد من الاحتقان، ووسّع خارطة التظاهرات والاعتصامات والمزيد من الشهداء وتعقيد المشكلة.
وممّا يؤسف له أن النظام مازال يرى في الحلول الأمنية خياراً وحيداً رغم أن هذه الحلول ستزيد من استفحال المشكلة أكثر فأكثر، ومن جانب آخر أثبتت وزارة الأعلام عقم دورها في مواكبة الأحداث، وخوّنت  كلّ من تظاهر من أجل التسريع في عملية الإصلاح التي أصيبت بترهل شديد، وسارت ببطء غير مبرر، رغم أن رئيس الجمهورية نفى في خطابه أن يكون كلَّ مَنْ شاركَ في هذه التظاهرات مندساً وخائناً، ويتحرّك بوحي من أجندات معدة سلفاً في الخارج.
 وممّا زاد في خلط الأمور إغلاق النظام الباب أمام الإعلام الخارجي لتغطية الأحداث، واعتقال بعض الزملاء الإعلاميين بدعوى أنهم يشوّهون الحقائق، فاعتمدت الفضائيات العربية والعالمية على أفلام اليوتيوب والفيديو والتي شكّكَ إعلام النظام في صدقيتها، واعتبر المقاطع ملفقة ومفلترة جملة وتفصيلاً، وتقوم جميع وسائل الإعلام السورية الحكومية والخاصة بتفنيد مزاعم ” الإعلام المغرض” وبشكل يومي ومستمر بدعوى أنها أحدثت بلبلة في المجتمع السوري.
الخطأ الذي مازال مستمراً للآن هو اعتماد النظام على نفسه فقط في مواجهة هذه الأحداث، ولا يعترف بالمعارضة على الإطلاق، والأجواء الحالية تشجع أن يبادر النظام إلى دعوة جميع أقطاب المعارضة السورية، ومن جميع أطياف المجتمع السوري بعربه وكرده وأرمنه وآشورييه وباقي مكوّناته الفسيفسائية، وذلك للخروج من الأزمة الحالية، وترك سياسة التعالي، والتهميش والاستحواز التي لم تزدنا إلا إخفاقاً في مختلف ضروب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهذا ما أثبتته الأحداث التي جرت على سورية حيث أوصلت الممارسات والسياسات الخاطئة وغير المسؤولة الشعبَ إلى حد الاحتقان وعدم تصديق الوعود التي طرحت في وقت سابق، وللأسف ما تزال وتيرة الاعتقالات في اطراد، رغم أن هناك من لمّح إلى الكف عن الاعتقال العشوائي.
الآن ينبغي الإسراع في تنفيذ ما تمّ إقراره مؤخراً من قرارات وتشكيل لجان، والبدء بحل هذه القرارات فور انتهاء هذه اللجان من عملها دون تلكؤ أو مماطلة، والبحث عن حلول جذرية لا جزئية للمشاكل التي تؤخر تطوّر المجتمع السوري.

ينبغي التواصل مع جميع من يهمّه أمر سورية، حتى لو كانوا على الضفة الأخرى للنظام، ومعارضين ومناوئين لسياساته من باحثين ومفكرين ومثقفين وصحفيين، لأن الوطن للجميع، وحتى يتحقق شعار ” كلنا سورية”.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…