الإصلاح الذي ينشده السوريون

علي شمدين

لاشك بأن الكل يترقب ما سوف تحمله الأحداث الدراماتيكية الجارية في المنطقة إلى بلادهم من مفاجآة ومتغيرات، وأن المواطنين السوريين هم من بين هؤلاء المترقبين بكل تأكيد، إن لم نقل في مقدمتهم، وذلك لأن إنتظارهم للإصلاح والتغيير قد طال، ولإيمانهم بأن التغيير الجاري في المنطقة شامل ولن تظل أية بقعة بعيدة عن إفرازاته، مهما كانت محصنة ومنيعة، ولإدراكهم بأن بلادهم هي الأخرى لاتخلو من تفشي الأزمات المختلفة التي شكلت الأرضية المحرضة لهذه المتغيرات ودافعاً موضوعياً لها، مثلما إنهم كغيرهم لايفتقرون إلى إرادة النضال من أجل إنجاز الإصلاح المنشود إن تأخر أكثر..
ولعل الرسالة المفتوحة التي وجهها الأستاذ حميد درويش (سكرتير الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا)، في(7/12/2010) إلى رئيس الجمهورية السورية الدكتور بشار الأسد، كانت إنعكاساً صادقاً لمثل هذا القلق الذي بات يعيشه المجتمع السوري عموماً والكردي منه خصوصاً، وترمومتراً دقيقاً استشعر دقة المرحلة وحساسية ظروفها، ونبأ بهذه الموجة الواسعة من المتغيرات حتى قبل حدوثها..


فقد تضمنت رسالته عرضاً دقيقياً للأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الكردي في سوريا، والإهمال الذي تعانيه مناطقه وخاصة الجزيرة، التي باتت شبه خاوية بسبب السياسات الشوفينية الجارية، داعياً في ختام رسالته رئيس الجمهورية إلى الإسراع في معالجة هذه الأوضاع ووضع حدّ لها، وذلك بإجراء إصلاح واسع يشمل كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية..
وفي (13/ 2 / 2011 ) أكد المجلس العام للتحالف الديمقراطي الكردي في سوريا، في تصريح له على ضرورة قيام السلطة في البلاد بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، من أجل مشاركة حقيقية وفعلية لجميع مكونات المجتمع السوري لإدارة شؤون البلاد، وإزالة حالة الاحتقان القائمة، وتجنيب البلاد أية هزات اجتماعية محتملة..
وكذلك وجهت الأمانة العامة لإعلان دمشق في 25/2/2011  نداءاً إلى السوريين من أجل إنجاز التغيير الديمقراطي السلمي في البلاد، تؤكد فيه بأنه لايمكن لأية دولة أن تبقى بمنأى عن الإنتقال إلى النظام الديمقراطي، ولاشك بأن سورية ستكون في عداد هذه البلدان التي تحتاج إلى التغيير، وبإن الإستمرار في المكابرة والوقوف في وجه التغيير يحمل في طياته مخاطر جدية على مستقبل سورية، ويؤثر سلباً على الوحدة الوطنية، ويضعف مناعة البلاد وقدرتها على مواجهة الاستحقاقات المطلوبة، وبأنه يترتب على السلطة السياسية إتخاذ موقف جرئ وحكيم في قضية التغيير الوطني الديمقراطي المطروحة، عبر الإسراع  في الدعوة إلى حوار وطني شامل بين جميع القوى والأحزاب والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني..


وفي هذا الإتجاه أيضاً، دعت مختلف القوى السياسية والفعاليات الديمقراطية الفاعلة على الساحة الوطنية، الكردية منها والعربية والآشورية، عن تأييدها للتطورات الجارية في المنطقة والترحيب بها كونها تعبر عن طموحات الجماهير المتعطشة للحرية والحياة الديمقراطية الكريمة، كما إنها أكدت بمختلف مشاربها على إن مثل هذه التطورات لابد أن تشمل بلادنا التي تعيش أوضاعاً إستثنائية شاذة وأزمات طالت مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والأقتصادية، ولامفرّ إلاّ أن تسارع السطات الحاكمة إلى معالجتها وتجاوزها قبل فوات الآوان..


 وقد أجمعت هذه القوى على طرح حزمة من الإجراءات العاجلة التي تشكل مدخلاً ضرورياً لاتحتمل التأجيل لعملية الإصلاح المنتظرة، وفي مقدمتها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي ورفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية والقوانين والمحاكم الاستثنائية، واجراء تعديلات دستورية واصلاحات ديموقراطية شاملة، وتحسين الوضع المعاشي ، ومكافحة البطالة والرشوة والفساد ، وإزالة سياسة الإضطهاد القومي وإلغاء المشاريع والقوانين الإستثنائية بحق الشعب الكردي ، وتأمين حقوقه القومية والديمقراطية والإقرار الدستوري بوجوده، وغيرها من الإجراءات ، التي من شأنها أن تساهم في إشاعة الديمقراطية والتعددية، وتنهي حكم الحزب الواحد وإنفراده بقيادة الدولة والمجتمع..

03/03/2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

د. محمود عباس أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق. وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…

فرحان كلش طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك…